كتب جورج ابو صعب كاتب ومحلل سياسي
كثيرون عن حسن نية يتكلمون عن المعارضة والموالاة وآلياتهما واخرون عن سؤ نية او بكل بساطة عن جهل . فمنهم من يعتبر ان المعارضة لا تصح الا من خارج المؤسسات الدستورية والبعض الاخر يعتبرها ممكنة من ضمن المؤسسات ان لم يكن من ضمنها فقط .ثمة ضرورة لتصحيح بعض الاخطاء وتوضيح الاتي :
بالعودة الى مبادىء النظام البرلماني هناك رئيس جمهورية غير مسؤول دستوريا ( وهذا ما يجعله غير ممسك بالسلطة التنفيذية اي الحكومة مجتمعة بموجب الدستور اللبناني الحالي مثلا لانه لا يخضع لمساءلة او معاقبة الا في حالتي الخيانة العظمى وخرق الدستور ) وهناك مجلس نيابي مكون من نواب ينتخبهم الشعب ومهامه مراقبة اعمال الحكومة والمحاسبة والمساءلة والتشريع وهناك حكومة تحكم بثقة البرلمان اي الشعب وهي وحدها المسؤولة امامه ويمكن اسقاطها دستوريا بسحب ثقة الشعب بها عبر ممثليه .النموذج الطبيعي في اي نظام برلماني سليم ان نجد حكومة غير ممثلة في البرلمان وبرلمانا غير ممثلا في الحكومة - لان اية حكومة تشكل تضم قوى سياسية موالية لنهج وخط سياسي في حين القوى غير الممثلة في الحكومة لكن المتواجدة في البرلمان تمارس المعارضة السياسية والوطنية من موقعها البرلماني والسياسي . وبالتالي المعارضة يمكن ان تكون دستوريا لا بل يجب ان تكون في قلب الندوة البرلمانية لان عضوية الندوة لا تعني الحكم فمجلس النواب لا يحكم بل يشرع القوانين التي ترسم اطر النظام الدستوري والتشريعي في الدولة ويراقب اعمال من يطبق السياسات وينفذ اعمال الحكم وصولا الى اسقاط وزير او حكومة برمتها من خلال آلية طرح الثقة . فمن تكون في يده سلطة اسقاط حكومة لا يعتبر دستوريا هو الحكومة خلافا للحاصل في لبنان - بل سلطة مراقبة ومعاقبة ومحاسبة متمايزة ومنفصلة عن الحكومة والحكم - اللهم ان تمارس هذا السلطة وبغض النظر عما اذا كانت تؤدي ام لا الى النتائج المرجوة اذ ان المهم يبقى ان يمارس النائب او السيناتور حقه في المحاسبة والمساءلة والمعاقبة ( بسؤال الحكومة ثم استجوابها ثم طرح الثقة فيها ) والباقي يصبح رهنا بموازين القوى والتأثير المتبادل بين اكثرية موالية واقلية معارضة كما في اي نظام برلماني . وبالتالي اية معارضة يجب دستوريا ان تكون اولا وبالافضلية من داخل البرلمان وليس بالضرورة وحصريا من خارجها ( كالاحزاب والجمعيات والمجتمع الاهلي غير الممثلة في الندوة البرلمانية ) وامثلة المجالس النيابية العريقة في العالم من النظام البريطاني الى النظام الفرنسي الى النظام الاميركي مليئة بحالات وجود القوى الموالية والمعارضة تحت نفس قبة البرلمان بنفس وقت وجود سواها في المعارضة خارج البرلمان ( في اي نظام دستوري في العالم ليس كل الناس تتمثل من ضمن المؤسسات الدستورية اذ يبقى قسم منهم ممثلا خارجها .لذا من الخطأ اعتقاد البعض عن حسن او سؤ نية ان المعارضة لا تكون الا من خارج المؤسسات الدستورية بل بالعكس ثمة برلمان ينقسم دائما بين قوى موالية للسلطة وقوى معارضة وبالتالي لا يصح التعميم الخاطىء بان كل نائب في البرلمان موالي للحكم والحكومة لان في ذلك تناقض مع مبدأ ومبررات وجود برلمان في نظام برلماني دستوري .وقد نصت المادة (١٦) من الدستور على تولي مجلس النواب السلطة التشريعية والمادة (١٧) على اناطة السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء وبالتالي الدستور فصل التشريع عن التقرير بما يعني عدم الدمج بينهما وعدم الاختلاط والخلط بين صلاحياتهما ودورهما .وقد حفل الدستور باحكام ممارسة البرلمان سلطته في المراقبة والمحاسبة والتشريع - فبالعادة من يحاسب ومن يسحب الثقة ليست القوى الممثلة او الداعمة للحكومة بل المعارضة النيابية او البرلمانية .ونذكر بالمواد (٣٧) و(٣٨) و(٦٨) و(٧٠) و(٨١) و (٨٢) و سواها من المواد الدستورية التي تؤكد على الدور السياسي والدستوري المؤثر للمجلس النيابي متى استخدم النواب حقهم الدستوري ومنه حق المحاسبة والمعاقبة ضد الحكومة .
كما ان ثمة نماذج شاذة في المجتمع السياسي اللبناني حاليا ومنها اختصار طائفة بحزب ما ادى ويؤدي للاسف الى تقزيم دور الطائفة المفترض ان يكون منطلقا في فضاء الوطن الرحب والمنفتح على الاخرين وحبسها في حسابات سياسية ومصلحية ضيقة كذلك هناك مفاهيم شاذة عن دور واليات عمل الموالاة والمعارضة في ظل سيادة منطق الشعارات الشمولية الشعبوية الفارغة والتي وان كانت شعارات تبدو خيرة الا انه يراد من خلالها باطل مثل "كلن يعني كلن" "والمنظومة الحاكمة " بالاشارة الى البرلمان من ضمنها .
في ٦/٢/٢٠٢٢