"دور البيارتة الارثوذكس في نهضة بيروت"، ، هو عنوان الندوة التي تحدث فيها المحامي ميشال فلاّح بدعوة من التجمع الوطني اللبناني في مقرّه بمركز طبارة في الصنائع، بحضور شخصيات أكاديمية وحقوقية واجتماعية.بعد تقديم من زياد عيتاني، رئيس تحرير موقع "أساس"، عن موضوع الندوة واسبابها وعن خلفية المتحدث فيها، عرض فلاّح لواقع مدينة بيروت في أواسط القرن التاسع عشر، اقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وديموغرافياً، واصفاً المدينة بِـ"الكوسموبولتية، إذ كان المجتمع المديني البيروتي مجتمعًا متغيّراً ومتحركًا يواكب التطوّرات الإقتصادية وفقًا لاحتياجات ومتطلبّات النمو السكّاني".وأضاف، "أرثوذكسياً، بقيت نسبة انتشارهم في الأراضي اللبنانية هي الأوسع، ووجودهم له دلالة بمقدار ما أنه غير نابع من ضرورة ايجاد ملجأ لهم في لبنان باستثناء الهجرة من الإسكندرون في بداية هذا القرن، بل بمقدار امكانيّة العمل الحرّ. لذلك هذه الجماعة بعيدة عن تأليف "الجماعة-الطبقة، على الرغم من أنها كانت متمثّلة بالبورجوازية وبالتجّار من مختلف الفئات والكوادر العليا والمهن الحرّة، وهذا يرجع لقرون عديدة حيث تنعّمت شريحة مدينيّة مهمّة بنجاحات متعدّدة المستويات كغيرها من الطوائف المسيحيّة. فكان هناك ما يسمّى بأرستقراطيّة الأعمال غير الموجودة عند الطوائف الأخرى."
وعن العلاقات بين العائلات المسلمة السنّية والمسيحيّة الأرثوذكسيّة في بيروت، تحدث فلاّح بأنها "لم تكن وليدة الإقامة القديمة في بيروت بل كانت نتيجة المكانة المميّزة لكل منهما، ان في الدوائر الإقتصاديّة والإداريّة أوفي الدوائر السياسية والتجارية الخارجية في السلطنة العثمانيّة. وليس من قبيل المصادفة أنه في ظروف انشاء مختلف المؤسّسات التربويّة والتجاريّة في بيروت لتلك الطوائف، وفي نفس سياق السرد للأحداث نتلمّس تكرار أسماء العائلات في مراكز الدولة وفي أسواق وشوارع المدينة كسوق سرسق وسوق تابت وسوق بيهم وسوق أياس، الخ... فقد ظهرت العائلات البيروتيّة المسيحيّة (سرسق وتويني وبسترس وغيرهم) والمسلمة (بيهم ورمضان وأياس والغندور وغيرهم)، بمظهر "الغنى والثروات والتجارات العظيمة نتيجة تأقلم وتكيّف معظمها مع حركة الرساميل الأجنبية، ومع أفكار الغرب وبسبب تعلّمها لغة الأجانب. وكان من الطبيعي أن تكون هذه الطائفة المتفرنجة مسيحيّة في الأكثر ومسلمة في الأقل.بفضل موقعها الإقتصادي –الإجتماعي، كان لا بدّ لهذه العائلات من اتخاذ طابع النخبة المميّزة اقتصاديًا ومن تبوّء الدور الأول في التحكّم بتطوّر العلاقات الإجتماعيّة الإقتصاديّة التي تؤمن لها الوجاهة وتحافظ بها على خصوصيّة موقعها. وهكذا، أعضاء في النخبة المدينية المؤلّفة أيضًا من الأعيان المسلمين السنّيّين، وعلى علاقة تجارية مع أوروبا ومدن الإمبراطوريّة، وفي موقع بيروقراطي عثماني، وأخيرًا أصدقاء ووسطاء للقناصل أمام السلطات المحلّيّة، نسج الأعيان الأرثوذكس انطلاقًا من بيروت، وفي الفترة الواقعة بين 1860 و1920 شبكة عاموديّة وأفقيّة من الروابط الإستراتيجيّة."تاريخياً، كانت طائفة الروم الارثوذكس تسمى "ملّة باشي"، أي الملة المميزة. وهذا نتيجة الإمتيازات التي أعطاها محمد الفاتح للبطريرك جناديوس. وبذلك كان البطريرك المسكوني الشخص الرابع في الديوان العثماني بعد السلطان والصدر الأعظم وشيخ الإسلام. فكانت طائفة منظمّة تنظيمًا كنسيًّا تقليديًّا ولها مقامها في اطار الدولة العثمانية كأهم طائفة مسيحية وكان طابع اللامركزية هو الغالب في مؤسساتها.كانت الطائفة هدفًا للبعثات التبشيرية لذلك حاولت روسيا أن تقيم عبرها توازنًا مع النفوذ الإنكليزي والفرنسي. فكانت عشرات المدارس الإبتدائيّة للذكور والإناث، معظمها، موجّهة نحو الطبقة الفقيرة معتمدة في تحقيق سياستها التربوية على جمعية خاصة عرفت بالجمعيّة الإمبراطوريّة الفلسطينيّة الروسيّة.أما معظم مدارس الطائفة التي رعتها الجمعية الإمبراطوريّة الروسيّة فكانت بالتعاون مع الجمعيّة الخيريّة الأرثوذكسيّة. وقد كانت مجّانيّة للذكور والإناث وقائمة بالقرب من الكنائس والأديرة، حسب البيانات المذكورة في السجلاّت المرفوعة الى "دائرة المعارف". وكانت تُذكر المدرسة الواقعة ضمن دائرة الدير أو الكنيسة.وختم فلاّح كلمته بالإضاءة على علامات فارقة في الحضور الارثوذكسي، تربوياً (مدرسة الثلاثة اقمار تأسست 1935، ومدرسة زهرة الإحسان تأسست 1880)، صحياً (مستشفى القديس جاورجيوس، أقدم مستشفى لبناني تأسس في 1878 ) وفكرياً (مجلة "الهدية" تأسست 1883، ومجلة "المحبة" تأسست 1889(