لم يكن الانحسار النسبي امس لعاصفة المطاردات التي استهدفت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان سوى هدنة ظرفية أضطرت معها الجهة النافذة المحركة لهذه المطاردات او الراعية لغطائها القضائي، اي رئاسة الجمهورية، الى التزام بعض التهدئة بعدما بدأت الاصداء وردود الفعل الحادة على هجمة الاستهدافات تنذر بارتدادات خطيرة على العهد ومجمل الأوضاع في البلاد سياسيا ودستوريا وطائفيا. ومع ان أي مؤشرات او معطيات لا توحي بأن التداعيات التي رتبتها هذه الهجمة بدأت تسلك طريقها الى احتواء لها او تلمس نهايات معروفة او واضحة لها، فثمة اوساط معنية بمقاربة التوتر الكبير الذي نشأ عن الملاحقات التي حصلت وما أدت اليه من تفجير تصعيد سياسي في البلاد حذرت من ان يشهد الأسبوع المقبل تطورات جديدة مباغتة على غرار ما حصل قبل أيام قليلة، قد يكون من شأنها هذه المرة ان تفجر الوضع تماماً داخل السلطة والحكومة، وحتى بين "بعض" السلطة القضائية و"بعض"آخر من الأجهزة الأمنية. ونبهت هذه الأوساط الى خطورة الواقع الذي دفعت اليه البلاد في ظل الاندفاع الى الاقتصاص من حاكم مصرف لبنان ومن ثم ممارسة سياسة ليّ الأذرع على مسؤول امني رفيع لانه التزم الأصول بحذافيرها ومنع انجرافا خطيرا نحو ممارسات اكتسبت طابعا بوليسيا غير قانوني على يد سلطة قضائية عصت على الأصول التي تلزمها تبلغ طلب قانوني بكف يدها عن هذا الملف.
وقالت " ان المعطيات الراهنة تشير الى ان الرادع الوحيد الممكن لمنع تصعيد الوضع اكثر هو الخشية من انفراط دراماتيكي واسع للواقع الحكومي والا لكانت صحت معلومات على جانب من الخطورة اشارت الى تحضيرات اتخذت لتنفيذ خطوات امنية – قضائية جديدة ذات طابع مباغت كان يمكن ان ينشأ عنها لو نفذت تطورات على درجة عالية من الخطورة سياسيا ودستوريا وقضائيا.
وحذرت أوساط مطلعة على موقف بيت الوسط وتيار المستقبل لـ»البناء» الى أن «ما يجري في قضية سلامة وعثمان يكشف عشوائيّة وإفلاس العهد من خلفه والتصويب على بعض المؤسسات التي تشكل ركائز استمرارية هذا البلد لا سيما قطاع المصارف والقضاء والجيش اللبناني والقوى الأمنية»، لافتة الى أن «مكافحة الفساد والتدقيق الجنائي واستعادة الأموال المنهوبة لا يكون بملاحقة سلامة وحده وتحميله كافة المسؤولية دون التدقيق بالأسباب التي أدت الى هذه النتائج والتعاون للعمل على معالجة الازمات وإنجاز الإصلاحات المطلوبة».
وقالت مصادر متابعة من قرب لهذه القضيّة لـ"الجمهورية" انّ المواجهة بين الجانبين ربّما تنحسر لكنها حتماً لن تنتهي، أولاً في اعتبار أنّ القاضية عون أعلنت أنها لن تتراجع، وثانيا أنّ «التيار الوطني الحرّ» يخوض جزءاً وازناً من معركته الانتخابية تحت شعار ازاحة سلامة عن حاكمية مصرف لبنان، أو في الحد الأدنى إضعافه، الأمر الذي اعتبرته محفوفاً بالمخاطر، فسلامة لديه مهمّات حساسة وفي مقدّمتها التفاوض مع صندوق التقد الدولي، ولا يمكن تغييره في المرحلة الراهنة.
وذهبت المصادر الى أبعد من ذلك لتؤكد ان الدعم الاميركي لسلامة لا يزال قويا الى حدّ أنّ واشنطن وجّهت رسائل الى المعنيين مفادها «ممنوع حدا يدِق بالحاكم»، ثم انّ مَن ترددت أسماؤهم لخلافته في حاكمية مصرف لبنان هم لا يريدون.
