حفل اليومان الماضيان بثلاث محطات تزامنت في توقيتها ولم تتبلور بعد كل نتائجها:
المحطة الاولى الاجتماع الامني القومي الاميركي الصيني الذي عقد في روما، والذي دام سبع ساعات بين مسؤولي الامن القومي الاميركي ونظيره الصيني .
وتناول البحث انطلاقا من حرب اوكرانيا كيفية تجنّب اي تورّط صيني – اميركي مباشر في الصراع الاوكراني كل الى جانب حليفه . لم يرشح الى الان الكثير من المعلومات حول نتائج الاجتماع، فيما اشارت بعض التسريبات الى ان الجانب الاميركي حاول الضغط على الصينيين، لعدم كسر سلة العقوبات المفروضة على الرئيس بوتين، انطلاقا من المصالح الصينية في الغرب .
وقد صرح قائد القيادة المركزية بالامس بان الصين تتنافس لنفوذ اكبر على الشرق الاوسط ،على حساب الولايات المتحدة . وجاء هذا التصريح بعد الاجتماع الامني القومي الصيني الاميركي .
المحطة الثانية زيارة وزير خارجية ايران عبدالله اللهيان لروسيا، والاتفاق مع نظيره الروسي لافروف على عدم عرقلة موسكو، لقرب التوصل الى اتفاق في الملف النووي، بعدما كانت الاجواء خلال الايام القليلة الماضية قد سجلّت توترا في العلاقات بين الحليفين اللدودين، على خلفية اشتراط موسكو على واشنطن ضمانات، بعدم تأثر علاقات موسكو التجارية مع طهران، بالعقوبات الدولية المفروضة على موسكو بسبب حربها ضد اوكرانيا.
وقد علمنا من مصادر ديبلوماسية مطلعة ان اتفاقا حصل بين الجانبين، على ضمان استمرار العلاقات التجارية بين موسكو وطهران بعد التوقيع على اتفاق نووي .
اما المحطة الثالثة فهي في حركة الاستقبالات اللافتة التي ستشهدها الرياض، لاستضافتها بدءاً من الرئيس الصيني ، ثم الرئيس الاميركي ثانيا في شهر ايار المقبل، وزيارة رئيس الوزراء البريطاني جونسون خلال ايام، وكلها تصبّ في خانة محورية الدور السعودي، بعدم اعادة خلط الاوراق الدولية والاقليمية اثر حرب اوكرانيا، وظهور الحاجة الماسة الى اعادة ترتيب اوراق الطاقة، وكيفية تحيّيدها عن الصراعات، ما يطرح مجددا الدور الريادي للمملكة العربية السعودية في وضع الامور في نصابها مع الاميركيين اولا، من خلال رفض الاستكبار الاميركي السابق على القيادة السعودية، واضطرار واشنطن للعودة باتجاه السعوديين ومع الصينيين، للاتفاق على مشاريع واستثمارات ضخمة بين البلدين، تثبت استدارة المملكة عن الحليف الاميركي التاريخي، نظرا لسياسات الادارة الاميركية الحالية منذ اليوم الاول لحملة الرئيس جو بايدن الانتخابية .
كذلك تسعى الرياض الى اقناع موسكو بتحيّيد الطاقة من نفط وغاز عن السياسة، وعدم تحويلهما الى اداة صراع مع الاميركيين، لان الطاقة بالنسبة للرياض خط احمر، لا يجوز التلاعب بها من خارج منصتيّ اوبيك واوبيك بلاس، وبما يتوافق وتوازنات الاقتصاد العالمي وحاجات الاسواق العالمية .
والجدير ذكره ان مجمل هذه التطورات تأتي غداة قصف ايران لكردستان العراق منذ ايام حيث كانت رسالة طهران واضحة في انها تستطيع خربطة اوضاع الشرق الاوسط ان لم تحصل على اتفاقها النووي الموعود .
وبالامس زار رؤوساء وزراء التشيك وبولندا وسلوفينيا كييف، زيارة ظلت سرية، إلى حين الإعلان عنها امس الثلاثاء لدعم الرئيس زيلنسكي والشعب الاوكراني وتحدي الروس ما يدل على استنهاض اوروبي جدي لطاقاتها وسبل مواجهتها ويشي بتبدلات جيو سياسية وتوازنات دولية جديدة تقوي اوروبا التي صعقت بالحرب الروسية وسببت لها اعادة نظر شاملة بادوارها وكيانها ومستقبل استراتيجياتها في العالم .
المنطقة والعالم في حالة غليان فالحرب جغرافيا على ارض اوكرانيا لكن سياسيا واستراتيجيا باتت عالمية والمفاوضات والاتصالات منها تحت الطاولة ومنها فوق الطاولة على اشدها بين عواصم القرار والصراع الدوليين فيما يبدو بداية مرحلة جديدة من تغيير وتبديل الخرائط وخلط اوراق اساسية سوف تنطلق مع انعقاد الناتو في القسم الثاني من هذا الشهر بحضور الرئيس الاميركي جو بايدن شخصيا .