لم يكن مفاجئا ان تتحول المواجهة بين “بعض القضاء” والمصارف الى فتيل بالغ الخطورة على مجمل الوضع في البلاد في ظل الخشية من تفلت هذه المواجهة من اطارها القضائي الى التسبب بفوضى لا يمكن التكهن بمداها وتداعياتها المثيرة للمخاوف على بقايا الاستقرار المالي والمصرفي او على الاستقرار الأمني والاجتماعي في مرحلة العد التنازلي لاجراء الانتخابات النيابية . ولذا جاء اعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من قصر بعبدا عن توافقه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء قبل ظهر اليوم في السرايا ليعكس جدية المعطيات التي أنذرت بان هذه المواجهة تجاوزت الخطوط الحمر وباتت تهدد بأحداث انقسام عميق داخل السلطة قد يفضي الى واقع ينسف كل إمكانات احتواء العاصفة ويطيح ببقايا الامن المالي والاجتماعي ويهدد تاليا مصير الانتخابات . ومع ان المشاورات والاتصالات التي تلاحقت بكثافة وسط استنفار واسع لجميع المسؤولين السياسيين والمصرفيين والقضائيين بحثا عن مخارج لاحتواء المواجهة لم تتوافر حتى ليل امس إمكانات الجزم بان فتيل المواجهة سينزع بعد قبل معرفة الاتجاهات التي ستشهدها جلسة مجلس الوزراء اليوم التي سيحضرها مدعي عام التمييز غسان عويدات . والأكيد في هذا المنحى ان تهيبا لافتا برز امس لدى الجميع من تطور المواجهة الى حيث قد تهدد فعلا بتطورات غير عادية في القطاع المصرفي وسط اعلان جمعية المصارف اضرابا تحذيريا اوليا يومي الاثنين والثلثاء المقبلين كما وسط تفاقم التباينات السياسية الحادة حول المسار الذي تتبعه الجهة القضائية المولجة بهذا الملف والمحسوبة على العهد . وبرز عمق المأزق في تنصل رئيس الجمهورية من أي تدخل او تبعة له في الإجراءات التي تتخذها القاضية غادة عون فيما كان الرئيس ميقاتي وكذلك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يسجلان موقفين جازمين جديدين بإدانة الممارسات القضائية الأخيرة.
وما زاد تفاعل قضية النزاع القضائي المصرفي المعلومات القضائية التي أفادت ان النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون ادعت على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة بجرم “الإهمال الوظيفي وهدر المال العام وإساءة الأمانة” وأحالت الملف مع الادعاء إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور، وطلبت استجواب المدعى عليهما واتخاذ القرار المناسب بحقهم في ضوء نتائج التحقيق الاستنطاقي.وفي أعقاب الاجتماع الثلاثي الذي عقد في بعبدا بين الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والذي خصص لبحث ملف ترسيم الحدود، أعلن ميقاتي عن جلسة لمجلس الوزراء ستخصص للملف المصرفي- القضائي فيما عقدت جمعية مصارف لبنان جمعية عمومية قرّرت على اثرها اعلان الاضراب التحذيري يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين “كخطوة اولى للتنبيه والتوعية الى خطورة ما آلت اليه الاوضاع الراهنة، مطالبة بتصحيح الخلل الحالي الحاصل وصدور قانون الكابيتال كونترول باسرع وقت ممكن واقرار خطة تعافي والمباشرة بتنفيذها، محتفظة بحقها باتباعها بخطوات اخرى قد تكون ضرورية للمحافظة على الاقتصاد الوطني والمصلحة اللبنانية العليا”. ووصفت الجمعية الإضراب بانه “تحذيري ضد التعسف” معددة مجالات اعتراضها في تطبيق السياسات المالية والنقدية وبعض الإجراءات القضائية “وأعلنت “ان المصارف اللبنانية لم تعد تحتمل القرارت التعسفية التي تتناولها من كل حدب وصوب والتي يستغّلها بعض سيئي النية لوضعها في مواجهة المودعين ” وسالت “ألا يعي المعنيون التداعيات الكارثية للتدابير التعسفية المتخذة بحق المصارف تجاه الهيئات الرقابية الاجنبية والمصارف المراسلة، الامر الذي قد يؤدي الى انهيار كامل ليس فقط للمصارف والودائع لديها، بل للاقتصاد الوطني والقدرة على تمويل الاستيراد لا سيما الادوية والاغذية والمحروقات والسلع الحيوية الاخرى وتسهيل التحويلات الفردية من الخارج إلى العائلات والأفراد في لبنان. فهل يصبّ تقويض القطاع المصرفي في مصلحة المودعين؟ ” وإذ اكدت “احترام المصارف منذ البداية للقضاء وللسلطات النقدية، وتكرّر انها تحت سقف القانون الا ان ذلك لا يمنعها من التساؤل حول مغزى بعض القرارات القضائية والادارية التي تفتقر الى الحدّ الادنى من السند القانوني والمصلحة العامة، وقد تنبثق من الشعبوية ومن التوجه لتأجيل المعالجة الصحيحة”.
وأفادت المعلومات أن جمعية المصارف ماضية في إضرابها التحذيري، في انتظار ما ستؤول إليه جلسة مجلس الوزراء المقررة قبل ظهر اليوم.وتحدثت مصادر مطلعة عن قرار اتخذ بوجوب معالجة النزاع سريعا نسبة للمخاطر التي قد تترتب جراءه، خصوصا في ضوء اعلان جمعية المصارف الاضراب التحذيري ، والتوجه الى تحويله مفتوحا ان استمرت ملاحقة المصارف على النحو الذي هي عليه راهنا. وتوقعت ان تبرز إعادة نظر في المضي في الإجراءات المتخذة ضد مصارف وضد حاكم مصرف لبنان وتعليقها لدواع تتصل بالتداعيات التي أدت اليها وان المخرج لهذه الإعادة سيتبلور اليوم.
وكشفت مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن "لا قرارات مسبقة ستتخذها الحكومة في جلستها، بل اقتراحات سيقدّمها وزير العدل هنري خوري، وسيكون هناك تشاور بما يمكن اتّخاذه من خطوات على الصعيدين المصرفي والقضائي".