تشكل بعلبك – الهرمل ببنيتها المجتمعية وطبيعة وطباع اهلها منطقة دقيقة يتعامل معها “حزب الله” دوماً بحذر. إنها الدائرة الوحيدة من بين الدوائر حيث “الحزب” هو اللاعب الاول التي تشكل خاصرة رخوة لخرق لوائحه جراء البعد النسبي في القانون الانتخابي المعتمد. هذا ما اثبتته انتخابات العام 2018، حيث رغم شوائب عدة رافقت العملية الانتخابية في الداخل والخارج استطاعت “القوات اللبنانية” و”تيار المستقبل” بالتحالف مع وجوه شيعية من ايصال النائب الماروني الدكتور انطوان حبشي والنائب السني بكر الحجيري فيما نجح “الحزب” ومن معه بحصد المقاعد الشيعية الستة ومقعد سني وآخر كاثوليكي.
في الشريحة الشيعية من البنية المجتمعية، يشكلّ البعد العشائري عاملاً اساسياً تفتقده دوائر الجنوب الى جانب الطبيعة الشخصية للافراد. لذا كيفية التعاطي مع اخصام “الحزب” من الشيعة تختلف بحيث أن الاعتداءات الجسدية او التهجير من البلدات كما في الجنوب غير مجدية بقاعاً لأن التعاضد بين ابناء العشيرة ومتفرعاتها ما زال قوياً وتسقط امامه الاعتبارات الاخرى.
في الشريحة السنية، شكل “تيار المستقبل” منذ العام 2005 متنفساً لها بعدما عانت لسنوات من الكبت جراء الاحتلال السوري من جهة و”الفوقية” السياسية للحزب من جهة أخرى. ثم خلقت “شيطنة” عرسال – الخزان الديمغرافي السني الاكبر بصفة “الاصولية” و”الارهاب” من قبل “الحزب” منذ بدء الحرب السورية عام 2011 – نفوراً عند اجزاء كبيرة من هذه الشريحة يلامس الخصومة الشرسة مع “الحزب”.
أما في الشريحة المسيحية، فهي موزّعة على ثلاثة محاور بلدات السهل وقرى منطقة دير الاحمر وبلدات البقاع الشرقي. “الحزب” كان يتوهم ان الحضور القواتي هو فقط في منطقة دير الاحمر التي فشل أكان عبر النواب الموارنة الذين اوصلهم او عبر “سرايا المقاومة” – كما فشل ايضاً “القومي السوري” وحتى النظام السوري بمخابراته وعسكره – في تغيير هويتها السياسية.
إلا ان انتخابات العام 2018، أظهرت ان “القوات” هي الفريق السياسي الاكثر تمثيلاً في الشريحة المسيحية على اختلاف مذاهبها ويتقدم بأشواط عن سواه في كل محافظة بعلبك – الهرمل.
في انتخابات 2022، اعتمد “الحزب” مقاربة جديدة مع هذه الشرائح لمحاولة صد اي خرق للائحته وتحديداً من “القوات” التي يتواجه معها على مساحة الوطن بعدما بقيت وحيدة كقوة سيادية وزانة ومنظمة من قوى “14 آذار” وأثبتت في صناديق الاقتراع عام 2018 انها الرافعة الاساسية في اللائحة المواجهة للائحة الحزب في هذه الدائرة عبر حصدها 15 الف صوت.
لذا في الشريحة الشيعية، سعى “الحزب” لتعزيز وضعيته عبر:
1- بادئ ذي بدء اخراج النائب السابق يحيى شمص من المعادلة الانتخابية وتوّج ذلك باللقاء الذي جمع شمص بالامين العام للحزب شخصياً.
2- تخوين كل من يقترع للائحة التي تضم “القوات” الى حد يشبه هدر الدم واعتبار أن أي صوت يمنح لها هو صوت ضد من سقطوا في الطيونة او لمصلحة المشروع الامريكي – الصهيوني.
3- أخيراً، انسحاب المرشح رامز امهز ثم المرشح هيمن عباس مشيك من لائحة الشيخ عباس الجوهري و”القوات” في مشهدية “هزلية” عبر تحججهما بأنهما تفاجآ ان حبشي “قوات” واعلنا تأييدهما للائحة “الحزب”.
في الشريحة السنية، يعوّل “الحزب” على تداعيات انسحاب الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية والفراغ الذي سيخلفه ويسعى الى إما ملء الفراغ بالخدمات متى تيسّر الامر أو الرهان على المقاطعة حيث لا امكانية له للخرق او شرذمة الاصوات حيث ستفشل المقاطعة عبر الاكثار من المرشحين.
في الشريحة المسيحية، واجه “الحزب” صعوبة في مواجهة حبشي بالشخصي جراء طبيعته الصلبة ولكن بدماسة وخطابه المدعّم بالوقائع وحركته الميدانية الجريئة بعيداً عن اي إستفزاز. لذا ضم هذه المرة الى لائحته العونيين مع ضآلة حجمهم الشعبي في الدائرة. كما بما ان هم “الحزب” الحفاظ على صدارة التمثيل المسيحي لدى العونيين، عمد الى ترشيح عونيين اثنين عن المقعدين المسيحيين الماروني والكاثوليكي بعدما نجح باستيعاب حزبي “البعث” و”القومي” اللذين خرجا للدورة الثانية من دون اي مرشح حزبي لهما.
في المحصلة، اكثر من سيناريو وضعه “حزب الله” لمواجة “القوات” في الدائرة:
1- السعي لإفشال تركيبها للائحة – كما في مرجعيون – ولم يوفق.
2- السعي لرفع الحاصل بشكل كبير يعيق تأمينها له.
3- السعي لضعضعة اللائحة عبر الانسحابات وخلق مناخ من الخوف في اوساط الناخبين علّه يخفضّ نسبة الاقتراع لمصلحتها ويخلق مفاجأة في تأمين الحاصل.
لكن بعيداً عن آنية المشهد الانتخابي وعدد الحواصل الذي قد يؤمنه كل طرف، ثمة خسائر مؤكدة لـ”الحزب” في بعلبك – الهرمل سجلت حتى قبل فتح صناديق الاقتراع وثابتة اياً تكن النتيجة.
فإنسحاب أمهز ومشيك يحمل تفسيرين لا ثالث لهما، إما ان “ثقافة السحسوح” التي يحترفها الحزب مورست عليهما فرضخا للضغوط أو انهما رضيا ان يكونا “عدة الشغل” لدى “الحزب” لممارسة الاعيب انتخابية رخيصة، وفي كلا الحالتين فقد “الحزب” الصورة التي يصر على ترويجها عن نفسه بأنه قوي بما فيه الكفاية ولا يخاف من وجوه شيعية لا تمثيل له شعبياً وبأنه ديمقراطي ويحتكم الى صناديق الاقتراع كما يدعي مسؤولوه.
أما مسيحياً، فأهدر “الحزب” كل مساعي الانفتاح التي عمل عليها في السنوات الماضية خصوصاً من باب الكنيسة ومحاولة اقامة الاحتفالات في الاعياد المسيحية كعيد الميلاد.
كما خسر أي مفاعيل ايجابية لورقة “مار مخايل” على قلتها في البيئة المسيحية في بعلبك –الهرمل وأظهر انه مسكون بذهنية إلغائية تتخطى اللعبة الديمقرطية المشروعة وصناديق الاقتراع الى اساليب معتورة تعزّز شعور المسيحيين بأنه يواصل سعيه الى فرض عنجهية السلاح وفائض القوة عليهم رغم فشله المتكرر في هذه المنطقة.