لطالما شكلت بعلبك- الهرمل خزاناً بشرياً لـ”حزب الله” فهي مهد إنطلاقته مع وصول مجموعة من “الحرس الثوري الايراني” الى مدينة بعلبك عام 1982 حيث عملت على نشأته في إطار مشروع “تصدير الثورة”. كما لطالما شعر أهل المنطقة بالغبن والتمييز مقارنة بشيعة الجنوب أكان من حيث كيفية توزيع المواقع والمناصب والوظائف أو من حيث الانماء والازدهار.
إلا ان “الحزب” كان دوماً مطمئناً أن هذه النقمة جراء الشعور بالغبن لا أفق لها إذ أسهمت القوانين الانتخابية منذ العام 1992 بجعله سائق “المحدلة” وبسيطرته على ركاب “البوسطة” المتوجهة الى ساحة النجمة. كما كرست متلازمة “فائض القوة” و”عنجهية السلاح” سيطرة “الحزب” على المنطقة بعدما نجح بالتمدد في بنيتها المجتمعية والعشائرية خصوصاً الشيعية.
مع إدخال البعد النسبي في “قانون جورج عدوان” الذي ابصر النور عام 2017 ومع تجربته في صناديق الاقتراع عام 2018، استحق “الحزب” الواقع الجديد في بعلبك – الهرمل التي تشكل الدائرة الوحيدة التي خرق بها “الحزب” وليس من مرشح عائلي او رجل اعمال حدود لعبته المنطقة ولا وقع له على مشروع “الحزب” الاستراتيجي بل من مرشح قواتي أي يشكل خطراً على هذا المشروع كونه يستند على حزب فاعل وكتلة نيابية ويستطيع تعرية اداء “الحزب” وطنياً ومحلياً وقد نجح بإظهار البعد التعددي بمنحاه اللبناني في تركيبة بعلبك – الهرمل.
كما ان الهاجس لدى “حزب الله” هو قدرة حزب “القوات” جراء الكتلة الانتخابية الصلبة والمنظمة التي يتمتع بها على تشكيل رافعة إنتخابية للرأي الاخر في بعلبك – الهرمل وان يعطي الأمل لأي عمل تراكمي للسياديين الشيعة الذين سئموا تكريس الحرمان والفلتان في المنطقة وخطف هويتها التاريخية وجعل بعلبك مدينة الشمس والمهرجانات والحياة أشبه بقندهار.
في تحديد معالم المعركة الانتخابية، تشكل بعلبك – الهرمل “أم المعارك” بالنسبة للحزب الذي تتوزّع الدوائر الانتخابية بالنسبة له على ثلاث فئات:
1- الدوائر التي يعتبر “الحزب” انه الامر الناهي فيها وهي: دائرة الجنوب الثانية (صور وقرى صيدا)، دائرة الجنوب الثالثة (النبطية، بنت جبيل، مرجعيون وحاصبيا) ودائرة البقاع الثالثة (بعلبك – الهرمل).
2- الدوائر التي يوجد فيها مرشحون شيعة ولديه إما كتلة انتخابية صلبة أو فائض اصوات وهي: بيروت الثانية، جبل لبنان الاولى (كسروان جبيل)، جبل لبنان الثالثة (بعبدا)، البقاع الاولى (زحلة) والبقاع الثانية (البقاع الغربي وراشيا).
3- الدوائر التي لا مرشحين شيعة فيها ولكن ثمة كتلة ناخبة فاعلة في تحديد هوية الفائزين كالجنوب الاولى (صيدا جزين) أو “سرايا سياسية” تابعة له.
من هنا، يضع “حزب الله” كل ثقله من أجل قطع الطريق على فوز النائب انطوان حبشي مجدداً وينيشن على اسقاطه استراتيجياً لأسباب عدة منها:
- قطع الطريق على أي خرق في هذه الدائرة التي يعتبرها “الحزب” معقله وإغلاق الباب أمام إمكان تبلور اي حالة إعتراضية شيعية تستفيد من الرافعة “القواتية”.
- تسجيل نقطة على “القوات” في دائرة تشكل خزاناً بشرياً لها والحد من حركيتها السياسية فيها والجهود التي تبذلها اجتماعياً وتنموياً لتثبيت اهلها في ارضهم.
- سعي “الحزب” لتكبيد “القوات” خسارة هذا المقعد مقابل منح العونيين المقعدين المسيحيين في بعلبك –الهرمل اذ جوهر المعركة الانتخابية في العام 2022 هو من يمتلك التمثيل المسيحي الاكبر لأنه في حال فاز العونيون به يضمن “حزب الله” الغطاء المسيحي لمشروعه. وفي هذا الاطار، عمد “حزب الله” الى ترشيح عونيين اثنين احدهما عن المقعد الماروني والاخر عن المقعد الكاثوليكي واخرج “البعثي” و”السوري القومي الاجتماعي” من نادي المرشحين.
- ضرب النموذج الذي تقدمه “القوات اللبنانية” عبر شخصية كأنطوان حبشي الذي قارع “حزب الله” ولم يهادن خطورة مشروعه السياسي ولم يسكت عن سلاحه ولكن لم يقع ايضاً بفخ الشعبوية أو التعميم.
كما نجح حبشي بمخاطبة الشيعة بلغة وطنية مدعّمة بمواقف لأهل البيت من الامام علي الى السيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين وقد ظهر ذلك جلياً خلال زيارة وفد قواتي المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى.
كذلك، يدرك “حزب الله” جيداً الانطباع الوطني عن انطوان حبشي كنموذج عن القواتي الشاب المتحدّر من عائلة متواضعة، المثقف والدمس وصاحب السيرة العلمية الباهرة، المناضل في زمن النظام الامني اللبناني – السوري وأحد معتقلي حوادث 7 آب ، الضابط في صفوف المقاومة العسكرية في زمن الحرب والنائب الديناميكي الذي يتابع الملفات ويقدم الاسئلة والاستجوابات في مجلس النواب والاخبارات امام القضاء.
لـ 15 ايار المقبل وقع في بعلبك – الهرمل مختلف عن باقي المناطق حيث في البعد الوطني المواجهة الاسطع بين مشروع “حزب الله” الذي يجعل لبنان ساحة مستباحة وورقة في يد محور الممانعة والذي اوصله الى العزلة والانهيار وبين المشروع السيادي الذي تمثل “القوات” رأس حربته. أما في البعد المسيحي، فالمعركة بين وصول انطوان حبشي نائباً بأصوات المسيحيين وكافة السياديين وبين وصول مرشح عوني بأصوات هزيلة مسيحياً واصوات الفائض لدى “حزب الله” وملحقاته الممانعة من البعث الى القومي و”سرايا المقاومة” في ما بينهما.