يحترف بعض الافرقاء في لبنان تغليف كيديتهم وفائض قوتهم بشعارات رنانة ومواقف صورية تعزّز “التكاذب” المستدام بين اللبنانيين والشعور بالغبن لدى شرائح عدة. في هذا الاطار، يندرج “25 أيار” ذكرى جلاء الاحتلال الاسرائيلي عام 2000 – التي أطلق عليها تسمية “عيد المقاومة والتحرير” – جراء الازدواجية في التعاطي مع الاحداث.
في علم السياسة وكذلك وفق القانون الدولي تعريف الاحتلال واضح. فالاحتلال العسكري بعرف الأمم المتحدة، هو “سيطرة موقتّة فعّالة من قبل سلطة معيّنة على إقليمٍ لا يخضع للسيادة الرسميّة من قبل تلك السلطة”. كما أن الاتفاقيّات الدوليّة، وفي طليعتها اتفاقية لاهاي عام 1907 واتفاقيّات جنيف عام 1949، حددّت بشكل واضح قواعد الاحتلال وميّزت بينه وبين الغزو حيث “يعتبر الإقليم محتلاً عندما يتم وضعه بالفعل تحت سلطة الجيش المعادي”.
بناء على ما تقدم، الاعتراف بالاحتلال الاسرائيلي لا يحتمل وجهات نظر. لكن والاهم ان الاعتراف بالاحتلال السوري لا يحتمل وجهات نظر أيضاً، لأن المعايير الدولية تنطبق على احتلال الجيش الاسرائيلي للبنان كما احتلال الجيش السوري له منذ العام 1975 (حيث دخل مموهاً في المرحلة الاولى بلواء اليرموك وفصائل فلسطينية أخرى وفق ما اعترف الرئيس السوري يومها حافظ الاسد في خطاب جامعة دمشق الشهير في 20 تموز 1976) حتى جلائه مرغماً في 26 نيسان 2005.
ان “الكيل بمكيالين” في مسألة تصنيف الاحتلال للبنان جراء كيدية فريق “الممانعة” يهشّم “25 ايار” ويعمّق الشرخ بين المواطنين ويكرّس الشعور بالغبن الذي ساد مع انتهاء الحرب اللبنانية عام 1990 حين رفع شعار “لا غالب ولا مغلوب” لفظياً ومورست سياسة إنتقامية عملياً على وقع الانقلاب على “إتفاق الطائف”.
تكريس “25 أيار” “يوم عطلة وطنية لمناسبة عيد المقاومة والتحرير” بناء على مذكرة ادارية من رئاسة الحكومة وتخصيص “حصص في كل المدارس والمعاهد والجامعات لشرح أهمية هذه المناسبة الوطنية”، مقابل طمس “26 نيسان” وعدم إعتباره يوماً وطنياً هو كيل بمكيالين .
تكريم المحررين من السجون الاسرائيلية وتكريس حقوق لهم عبر قوانين أقرت في مجلس النواب مقابل رفض إقرار أي قوانين تكفل حقوق المحررين من السجون السورية هو كيل بمكيالين .
ملاحقة من تعاونوا مع اسرائيل ومحاكمتهم وزجهم في السجون وعدم معالجة ملف المنفيين من بينهم مقابل ليس فقط عدم ملاحقة من تعاونوا مع سوريا ووشوا باهلهم اللبنانيين وتسببوا بتعذيب واعتقال بعضهم حتى اليوم حيث أضحى مصيرهم مجهولاً بل حتى إغداق المناصب والوظائف على هؤلاء المتعاملين هي كيل بمكيالين .
في الحقيقة صحيح ان كيدية فريق الممانعة تهشّم “25 ايار” لأنها حولته من يوم وطني الى يوم فئوي يكرّس الشعور بفائض القوة لدى جزء من اللبنانيين وبالغبن لدى جزء آخر. لكن الاصح ان تخاذل او “تذاكي” بعض الافرقاء في قوى “14 آذار” عبر عدم تكريس “26 نيسان” يوماً وطنياً أسوة بـ”25 أيار” تحت ذرائع عدة كعدم إثارة غضب فريق “8 آذار” أو التحجج بـ”ربط النزاع” أو “الحفاظ على السلم الاهلي”، أدت الى تنغيص عيدي التحرير من سوريا وإسرائيل وتعزيز الشعور بالغبن لدى فئة من المواطنين. وما هكذا ممارسات إلا نفخ في الجمر تحت الرماد وترك وطن لم يتفق أبناؤه على كتاب التاريخ في مهب ازدواجية المعايير وضبابية المصير.