حكمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يوم الخميس الماضي غيابياً، على عنصرين في حزب الله بالسجن مدى الحياة ( مؤبد خمس مرات) لإدانتهما باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، و جاء الإعلان على لسان رئيسة المحكمة الخاصة بلبنان إيفانا هرد ليكوفا، بأن "غرفة الاستئناف قرّرت بالإجماع الحكم على حبيب مرعي وحسين عنيسي بالسجن المؤبد".
وقد اعتبر قضاة الإستئناف أن غرفة الدرجة الأولى كانت قد وقعت في العام ٢٠٢٠ بأخطاء قانونية عندما برّأت المتهمَين الجديدين مرعي وعنيسي".
اللافت في الموضوع أنه، ما إن صدر الحكم الإستئنافي من لاهاي حتى اشتعلت مجدداً بين المملكة العربية السعودية وحزب الله، بما يهدّد بالإطاحة بمحاولة عودة المملكة الى لبنان عبر سفيرها البخاري الذي تعرّض لهجوم كبير من حزب الله، فيما ردّت الرياض على الحكم بالترحيب به واعتبرت بأنه صادر في حق عملاء من حزب الله، داعية المجتمع الدولي للإضطلاع بمسؤولياته تجاه لبنان وشعبه ضد ممارسات حزب الله.
هذا التوتر القديم المتجدّد، إن دلّ على شيء فعلى ثلاث حقائق:
- الأولى : زيف إدعاءات محور المقاومة في لبنان والمنطقة عن أن ثمة حوار سعودي – إيراني بنّاء وهادف ذهب البعض، ومنهم وزير الخارجية الإيراني نفسه، الى الحديث عن تقدّم في المحادثات في العراق منذ فترة، فالرياض باقية على موقفها من حزب الله وميليشيات إيران في المنطقة ومن سياسات طهران التوسعية، فلا مجال لرأب أي صدع بين المملكة والإيرانيين في هذا الملف، لا بل تشير بعض المعلومات المتقاطعة أن الرياض ستبحث مع الرئيس الأميركي جو بايدن في استراتيجية معالجة ملف الوجود الميليشياوي الإيراني في دول عربية، الى جانب البحث في البرنامج الباليستي الإيراني وقضايا الطاقة وسواها.
- الثاني : شعور إيران بالقلق من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المملكة العربية السعودية ولقائه زعماء دول الخليج ومصر والأردن والعراق، خصوصاً أن طهران تشكو من تعثّر مفاوضات فيينا وانعدام التجاوب الأميركي لطلبها برفع الحظر عن الحرس الثوري الإيراني، فهي تشعر وتعرف بأن ثمة "حياكة تحالفية" استراتيجية تُنسج حالياً في المنطقة ضدها ولذلك سوف تلجأ الى المزيد من السلبية، وما تصعيد الحزب لخطابه ضد المملكة وسفيرها في لبنان الا إحدى مؤشراتها ويجب توقّع المزيد.
- الثالث : الوهن السياسي الذي أصاب الحزب بعد الانتخابات النيابية، والقناعة الراسخة لديه بأن الرياض ساهمت بشكل مباشر مع حلفائها في قلب المعادلات داخل البرلمان بتعزيز كتل الأحزاب والقوى الحليفة للرياض، رغم أن لا شيء قُدّم في الحسي يؤكد أو يُثبت هذا الإدعاء، بحيث بات الحزب يتوجّس من الحضور السعودي العائد الى لبنان بقوة، ودعم الرياض لحلفائها وتشجيعهم على تشكيل جبهة في مواجهة مشاريع إيران في لبنان عبر الحزب ولإخراج لبنان من العباءة الإيرانية.
مهما يكن من أمر، يبقى أنه من المؤكد بأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وللمرة الثانية تدين الحزب باغتيال الرئيس الأسبق الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وبذلك تؤكد الصفة الإرهابية للحزب وتعطي اللبنانيين السياديين كما المجتمع الدولي مزيداً من المبرّرات للمطالبة بإنهاء سلاح هذه الميليشيا غير الشرعي وضرورة معالجته إن أُريد إنقاذ لبنان ومساعدته.