لا يكاد يمرّ يوم منذ مدة إلا والشرق الأوسط على موعد مع تطورات على جانب كبير من الأهمية والخطورة تشي بقرب حدوث انقلابات دراماتيكية تغيّر معالم المنطقة ووجهها التقليدي باتجاه تحقيق خريطة جديدة ترسم تحالفات وخصومات مختلفة لم نعهدها من قبل.تبدأ هذا التصعيد بالتطور العسكري الخطير جداً الذي حصل منذ أيام عندما قصفت روسيا قاعدة التحالف الدولي التي تقوده الولايات المتحدة في التنف، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال نقلأ عن مسؤولين عسكريين أميركيين.موسكو أخطرت واشنطن بأنها كانت ستردّ على هجوم ضد قوات النظام السوري.وبحسب الصحيفة، نفذت موسكو خلال هذا الشهر سلسلة من العمليات ضد قوات التحالف في سوريا.هذا التطور الخطير إن دل على شيء فعلى أمرين أساسيين : الأول تصعيد نوعي في ردة الفعل الروسية حيث أن الروس أصبحوا، ونتيجةً للإصطفاف الدولي ضدهم في حرب أوكرانيا، أكثر شراسة في الدفاع عن مصالحهم في المنطقة، ولا سيما تحالفاتهم كما في سوريا، والثاني أن الخطوط الحمر بين موسكو وواشنطن وتل أبيب سقطت، وباتت موسكو توصل رسائل واضحة الى كل من أميركا وإسرائيل بوقف الإعتداء على مصالحهم. فما حصل في التنف، وفي حال أي خطأ تقديري من قبل الروس، يمكن إن تكرّر أن يؤدي الى مواجهة أميركية روسية مباشرة. التطور الثاني وهو المتعلق بالتغيير الحكومي في إسرائيل عشية زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى الدولة العبرية، حيث اتفق رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير خارجيته يائير لابيد على تبادل الأدوار بإحلال لابيد في رئاسة الوزراء وإجراء تعديلات وزارية وحلّ الكنيست والدعوة لانتخابات ستكون الخامسة خلال السنوات الأربع الأخيرة، إستعداداً لمرحلة جديدة من المواجهة الإسرائيلية- الإيرانية في المنطقة، مع تسلّم بينيت ملف إيران واطمئنان اليسار الإسرائيلي الى سقوط نتانياهو وصعوبة عودته، علماً أن حكومة بينيت الحالية إئتلافية مؤلفة من قوى متناقضة لم يكن يجمعها الا التخلص من بنيامين نتانياهو، وبالأمس أعلن الرئيس بايدن استمرار زيارته لإسرائيل في منتصف شهر تموز المقبل رغم التعديلات الوزارية.التطور الثالث يتمثّل في تبلور التحالف الخليجي- الإسرائيلي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران وتصاعد الاختراق الإستخباراتي والعسكري الإسرائيلي لإيران واستمرار وتصاعد مسلسل الإغتيالات فمنذ أيام معدودة قُصف موقع عسكري إيراني بطائرة من دون طيار فقُتل مهندس إيراني نتيجة هذا القصف، وقد اعترفت طهران بما نقلته نيويورك تايمز بحصول القصف داخل الموقع العسكري المذكور .واللافت أن القصف حصل من داخل الأراضي الإيرانية على المركز العسكري المذكور.صحيفة وول ستريت جورنال نشرت تحقيقاً مهماً جداً أعلنت فيه إقدام إسرائيل على توسيع عمليات استهداف المنشآت النووية الإيرانية من خلال اغتيالات أو مسيّرات قاتلة.ويتم تبادل معلومات إستخباراتية بين أجهزة المخابرات الموجودة في التحالف العربي- الأسرائيلي، ولا سيما المصرية والأردنية والإماراتية حول ما يحصل في إيران من عمليات.في المقابل، أعلنت طهران استعدادها للعودة لاتفاق نووي جديد لكن واشنطن لم تعد متحمسة للعودة لهذا الاتفاق في ظل تعاظم ضغوط الكونغرس الأميركي على الرئيس بايدن وإدارته المناهضة لأي اتفاق بحيث لا يراه كثيرون ذا فائدة بعد اليوم، خصوصاً في ظل الحاجة الى الخليج وتحديداً المملكة العربية السعودية.نفتالي بينيت أعلن أن محادثاته مع الضيف الأميركي بايدن ستتركز على البرنامج النووي الإيراني، أي بطبيعة الحال البحث في كيفية ردعه وتوقيفه، ما يعني مناقشة خطة عسكرية بين الأميركيين والإسرائيليين والخليجيين، إذ لا بد من تنسيق عربي- إسرائيلي لقصف إيران تحت مظلة أميركية.القيادة المركزية في منطقة الشرق الأوسط والتي باتت تضم إسرائيل الى جانب الدول العربية والخليجية أصبحت هيكلة تحالفية متكاملة لضرب ايران.أما التطور الرابع فهو جولة ولي العهد السعودي الى كل من مصر والأردن وتركيا- أردوغان التي تخلت عن عدائها للقيادة السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان بعدما فشلت سياسة التضييق وتطويق المملكة وولي عهدها، على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وملف الإخوان المسلمين.
في الخلاصة، نحن أمام تحولات كبيرة واستعدادات أكبر وتطورات دراماتيكية متسارعة تقلب المعادلات والحسابات من أوكرانيا الى الشرق الأوسط، مروراً بشرقي آسيا، فالغليان يزيد وشهر تموز المقبل قد يكون من أصعب أشهر السنة على المنطقة.