اعادة تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال تشكيل الحكومة لم تكن سوى “صفارة انطلاق السباق الرئاسي” وفق تعبير مصادر نيابية، مؤكدةً أنّ تكليف ميقاتي كان بمثابة “التسليم بأن عنوان المرحلة المقبلة سيكون رئاسياً أكثر منه حكومياً، وعلى هذا الأساس كان القرار بتكليفه إدارة المرحلة الانتقالية الفاصلة عن نهاية العهد إدراكاً من الجميع بعدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة خلال هذه المرحلة”. غير أنّ المصادر نفسها لم تستبعد أن تشهد الأسابيع الآتية “محاولات حثيثة لاستيلاد حكومة جديدة ترتكز على فكرة استنساخ حكومة تصريف الأعمال مع إضافة بعض التنقيحات الوزارية على تركيبتها بشكل يتيح لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إدخال وزراء “صقور” محسوبين عليه في التشكيلة الحكومية”، معتبرةً أنّ الاتصالات والمشاورات ستنصبّ من هذا المنطلق على بلورة “مسودات ترقيعية” للحكومة الحالية، على أن يبدأ الرئيس المكلف “جوجلة الأفكار وبلورة التصورات المطروحة حيال الأسماء والحقائب المقترح استبدالها مع القوى المعنية فور الانتهاء من مشاوراته مع الكتل النيابية والنواب المستقلين والتغييريين في ساحة النجمة”.أما الأوساط المواكبة للأجواء المحيطة بعملية التكليف والتأليف، فشددت على أنّ “ميقاتي قد يعمل ما بوسعه لتدوير الزوايا مع رئيس الجمهورية في سبيل التوصل معه لتقاطعات معينة حيال المسودات الحكومية المقترحة، لكنه على الأغلب سيصطدم بشروط تعجيزية من باسيل تصعّب عليه محاولة التأليف، وسيبقى بالتالي في المرحلة المقبلة يعبّد الطريق صعوداً ونزولاً إلى قصر بعبدا بين الحين والآخر “لزوم المشهد” لكنه في نهاية المطاف لن يجد ما يضطره للخضوع إلى شروط باسيل للتأليف طالما أنه ضَمِن الإمساك بزمام التكليف حتى نهاية العهد”.لا يمكن تجاهل ابرز الدلالات المهمة التي حملها تكليف “ميقاتي الرابع” والوقائع السياسية التي واكبته خصوصا انها سترخي ظلالها واثارها على مهمته الصعبة في انجاز تأليف سريع قياسيا للحكومة العتيدة المحكومة مبدئيا ودستوريا بعمر قصير لا يبلغ الأربعة اشهر الا اذا حصل طارئ مجهول – معلوم في اجراء الاستحقاق الرئاسي .ابرز هذه الدلالات تمثلت في ان اللامفاجأة صحت بحصول الرئيس ميقاتي على ما بات يمكن ادراجه تحت خانة “الاكثريات الصغيرة” او “الأقليات الكبيرة” التي صارت سائدة مع المجلس النيابي المنتخب بحيث توحي هذه الظاهرة بأفول زمن الاكثريات الوازنة كما الاجماعات او شبه الاجماع. بـ 54 نائبا صار ميقاتي الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الأخيرة في عهد الرئيس ميشال عون فيما هو باق في الوقت نفسه رئيس حكومة تصريف الاعمال الامر الذي يضعه امام مفارقة موقع بالغ الحساسية وعند “فالق” اهتزازات او زلازل الاستحقاق الرئاسي الاتي في الأشهر القليلة المقبلة. فسواء نجح ميقاتي في تاليف حكومة جديدة ام تعثر او بالأحرى جرت عرقلة مهمته تعمداً، فان ثمة احتمالا أساسيا ينظر من خلاله الى واقعه الجديد وهو انه سيكون على رأس الحكومة الانتقالية التي يفترض ان تجرى الانتخابات الرئاسية خلال ولايتها او انها ستغدو هي “القائم مقام” رئيس الجمهورية في حال عدم انتخابه في الموعد الدستوري .
اما الدلالة الثانية فاكتسبت واقعيا بعداً خطيراً سياسيا وطائفيا عبر بروز الحجم الكبيرة للممتنعين عن تسمية أي مرشح لتشكيل الحكومة وقد بلغ عددهم 46 نائبا اكثريتهم الساحقة تتشكل من كتلتي “الجمهورية القوية” و”التيار الوطني الحر” . طبعا هذا التقاطع بين اكبر كتلتين مسيحيتين لا يعني توافقا بين الاخوة – الأعداء على أي شيء يتصل بالمرحلة الفاصلة عن نهاية العهد العوني . لكن الدلالة التي استوقفت كثيرين في هذه “المقاطعة” المبطنة لاختيار أي مرشح لتشكيل الحكومة تتمثل في البعد الميثاقي الذي ترددت اصداؤه لدى الأوساط الأخرى. وبدا لافتا مثلا ان يغرد النائب السابق عاصم عراجي قائلا: “من منطلق وطني غير مقبول ان لا يسمي حوالي خمسين نائبآ مسيحياً اليوم اي شخص سني لتشكيل حكومة، كان بامكانهم تسمية شخص غير الرئيس ميقاتي او نواف سلام، ألا يوجد بالطائفة السنية شخص لديهم ممكن أن يشكل الحكومة؟ اذا طبق النواب السنة هذا على انتخابات رئاسة الجمهورية، سنكون امام اشارة خطيرة”.ويبقى ان العد العكسي انطلق من لحظة تكليف ميقاتي لاستحقاق التاليف الذي سيكون بلا أي نقاش وجدل شاقا وشاقا للغاية.