الخليج والشرق الأوسط : بيضة القبان في المعادلات الدولية الجديدة

102470

بات من المؤكد أن منطقة الشرق الأوسط أمام مرحلة هامة جديدة، تُنسج خيوط نظامها الجديد على وقع تراصف الصفوف العربية بقيادة المملكة العربية السعودية ومصر، ووقع الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والنفطية والغازية على أوروبا والعالم.
ليس من غريب الصدف أن يقوم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بجولته الأخيرة على مصر والأردن وتركيا، وفي كل زيارة يوقّع إتفاقيات ومذكرات تفاهم لاستثمارات سعودية في تلك الدول، لأن ما يقوم به ولي العهد هو تدشين لمرحلة جديدة من النمو والنهوض العربيين، بعدما تمكّنت دول الخليج ومصر والأردن وحتى العراق من إعادة إطلاق عجلة وحدة عربية استراتيجية تلاقي تدفّق الحاجة الدولية الى موارد المنطقة واقتصاداتها.

  • أولا : الحرب في أوكرانيا بدّلت الكثير من الحسابات الدولية لصالح المنطقة العربية فتغيرت المعطيات مع تطور الحاجات، في ظل استعداد أوروبي للتخلي عن الغاز الروسي في نهاية العام الجاري، فبدأت الدول العربية تقطف ثمار التحولات كمصر مثلاً في تصدير الغاز المسيل المستورد من إسرائيل الى أوروبا.
    تلك الحاجة الملحّة هي نفسها التي أجبرت الرئيس الأميركي جو بايدن على إعادة قراءة سياسته تجاه المملكة العربية السعودية والأمير محمد بن سلمان تحديداً، وهو الذي قام بزيارة المملكة “مرغماً” الى حد ما بعدما كان يعد ناخبيه بجعل المملكة دولة منبوذة، ذاك الوعد الذي تلاشى أمام هول ارتفاع أسعار النفط وتأثيراته على الاقتصاد الأميركي، بحيث باتت المملكة ودول الخليج والمنطقة العربية أولوية الأولويات الأميركية والأوروبية، والتي سيكون في مقابلها أثمان ستُطلب من الأميركي والأوروبي وبخاصة في ملفي إيران النووية وميليشياتها في المنطقة.
  • ثانياً : أولى الأثمان المطلوب تسديدها أميركياً وأوروبياً في مقابل العودة الى الخليج والمملكة العربية السعودية تحديداً “زعيمة” الأوبيك والأوبيك بلاس وضع الملف النووي الإيراني جانباً ولو لفترة موقتة، مع استبعاد أن يُعاد النظر فيه بنفس الروحية “الإنبطاحية” التي كانت سائدة لدى الغرب في مستهل مفاوضات منصة فيينا، إذ إن واشنطن والأوروبيين باتوا ملزمين بأخذ المطالب السعودية والخليجية بالاعتبار في أي نقاش مع طهران، وبخاصة في الموافقة على المطالب الأمنية المتأتية من إيران وميليشيات الحوثي وحزب الله اللبناني المساند للحوثيين، وفي الموافقة على عودة التنسيق الأمني والعسكري والإستخباراتي بين الخليج والأميركيين، وعودة حزام الحماية الاستراتيجية لحلفاء واشنطن التقليديين.
    وما يسرّع في هذا المنحى الجديد توجّس واشنطن من التقارب السعودي- الخليجي- الصيني -الروسي، وقد أدرك البيت الأبيض عمق الانفتاح الخليجي والعربي وخطورته على العمق الشرقي مع تصاعد وتيرة التعاون والتحالف مع المخيم الشرقي.
    فالرياض أثبتت للأميركيين والغربيين أن لا مشكلة لديها في إدارة ظهرها للأميركيين إن هم أرادوها حرباً عليهم، وقد شكّلت مواقف ولي العهد محمد بن سلمان لمجلة “ذي أتلنتيك” ناقوس الإنذار الخطير للأميركيين الديمقراطيين من مغبة الاستمرار في إرادة عزل ومقاتلة الرياض والخليج، على خلفية ملفات منتهية بالمنظار السعودي ومضى عليها الزمن.

فواشنطن بايدن تنبّهت في النهاية أنها، بمقاتلتها لولي العهد السعودي، لا تقاتل شخصاً بمفرده بل دولةً قويةً لا بل أقوى دولة في مجال الطاقة، وأن الأمير ولي العهد اليوم سيكون غداً الملك لا محال، والذي لا غنى عنه وعن التحدث معه والتعاون.

-ثالثاً : متغيرات الشرق الأوسط، والتي من ضمنها إطلاق عجلة أوروبا الجديدة أو المنطقة الاقتصادية الدولية الممتدة من العراق الى اليونان وأوروبا ستكون لها تأثيراتها على لبنان، بحيث ستروّض الى حد كبير الإندفاعة الأميركية ومعها الأوروبية باتجاه إيران، وستضع لا محالة في الميزان مصالح الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا مع الخليج والمملكة تحديداً في مقابل مصالحها مع طهران، فيما إسرائيل مولجة أميركياً بتدبّر أمورها مع الترسانة النووية الإيرانية، خصوصاً مع تعاظم الحاجة الأوروبية الى الغاز وتشكّل محاور إقليمية – دولية جديدة تجعل خطوط المواجهة مختلفة عن الخطوط الحالية التي من ضمنها لبنان، والتي ربما تصل الى العمق الإيراني، وهي حاصلة حالياً بدليل الخرق الإستخباراتي الإسرائيلي للداخل الإيراني، وما تُسفر عنه من اغتيالات لشخصيات “مفتاحية” وتفجير لمواقع حساسة، ناهيك عن استمرار القصف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية والميليشياوية في سوريا المترافق مع حال الضعف والوهن التي يعانيها بشار الأسد بفعل فقدان المظلة الروسية القوية والتفرّد الإيراني في الدفاع عن مصالح طهران أولاً.
والجدير ملاحظته في السياق السوري بما يجري الحديث عنه من عملية عسكرية تركية في الشمال السوري تحت عنوان “نبع السلام ـ 2 ،”وهي العملية الخامسة والمختلفة نوعياً بحجمها وبأهدافها عن العمليات السابقة والتي كانت (” درع الفرات” عام 2016″ ،غصن الزيتون” عام 2018 ، “نبع السلام” عام 2019 ،و”درع الربيع” عام 2020 ،) وغاية العملية الخامسة هي تكريس وجود تركي في المنطقة لوأد الخطر الكردي عنها مهما طال الزمن في مواجهة “قوات سوريا الديمقراطية” – قسد ).
تلك العملية العسكرية ستنطلق من منبج وتل رفعت في غرب الفرات لربط منطقة جرابلس بمبنج في ريف حلب الشرقي، ومنطقة عفرين بتل رفعت في ريف حلب الشمالي، وبين مناطق عملية “درع الفرات” – جرابلس – تل أبيض ورأس العين و السيطرة على عين العرب وعين عيسى وربط كل تلك المناطق بإدلب.

اذاً تغييرات جيو سياسية – إقتصادية، وتحالفات جديدة يشهدها الشرق الأوسط وقد بدأ يعيش على وقعها، فيما يبدو أن الدول الخليجية والعربية هي “بيضة القبان”، ليس فقط لتقرير مصير المنطقة بل والعالم الى حد كبير .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: