دخل الشرق الأوسط ( غرب آسيا ) في صلب الصراع الدولي الإقليمي، ومعه دخلت المنطقة في تجاذبات حادة تشرّع أبواب المشهدية على شتى التطورات الممكنة.
في مقالته الأخيرة المنشورة منذ يومين في “الواشنطن بوست”، يعطي الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارته الى المنطقة بعد أيام وللمملكة العربية السعودية تحديداً بعداً إستراتيجياً تحالفياً يستعيد من خلاله شبكة التحالفات التاريخية مع دول الخليج، إنطلاقاً من معادلة مواجهة التمدد الصيني في المنطقة والمثلث الصيني – الروسي – الإيراني.
زيارة بايدن للسعودية تتقاطع مع نمطية النظرة السلبية الى المملكة منذ أحداث 11 أيلول، وكأن الزيارة تنبىء بانتهاء مرحلة تلك الأحداث وحساباتها وتداعياتها ( من اجتياح أفغانستان والعراق وما نَجمَ عنه من تغيّرات في المنطقة وإعادة خلط أوراق كبيرة) لتبدأ مرحلة جديدة من التعاون إنطلاقاً من ثوابت التحالف التاريخي الذي استمر زهاء 80 عاماً.
يعدّد الرئيس بايدن في مقالته قضايا المنطقة التي بحاجة الى معالجة إنطلاقاً من البرنامج النووي الإيراني، الى الحرب في سوريا وتداعياتها، الى أزمة الغذاء العالمي وانتشار ميليشيات إيران في الدول العربية وتحكّمها بها، وصولاً الى حال الجمود السياسي في الدول المحتلة من إيران وميليشياتها كلبنان وسوريا وليبيا والعراق.
الرئيس بايدن يريد القفز فوق تراكمات عربية وخليجية ستواجهه أثناء زيارته لأنه، في أولوياته، ثمة سباق مع الوقت بالنسبة للصراع مع روسيا وسباق آخر في تجميع أوراق واشنطن في المنطقة في سياق المواجهة مع الصين، التي ومن خلال لقاء وزيري خارجية البلدين على هامش قمة العشرين، توافق كل من بلينكن ووان غيي على أفضلية التفاهم على اعتماد الإيجابية في الصراع بينهما، وقد ذهب الرئيس الصيني الى حد حث أوستراليا ( العضو في حلف أوكوس الثلاثي الى جانب بريطانيا والولايات المتحدة) والمنخرط في حرب باردة آسيوية في مواجهة الصين، على معاملة الصين كشريك وليس كخصم، ما يعني محاولة إعادة تنظيم الخلافات والصراعات إنطلاقاً من أولويات وأجندات متضاربة بين الجبارين.
إيران غاضبة من الزيارة، وقد عبرت عن غضبها من خلال ما صرّح به وزير الإستخبارات الإيراني من أن زيارة بايدن ليست لإلقاء خطب بل هي عودة رسمية لأميركا الى المنطقة، لأنها لم تستطع تنفيذ وعدها غداة اغتيال قاسم سليماني بإخراج أميركا من المنطقة، وقد أدى تعثّر مفاوضاتها النووية مع الجانب الأميركي الى إطلاق يد واشنطن في ممارسة شتى الضغوط على طهران، وصولاً الى إعادة النظر في انسحابها من المنطقة باتجاه معاكس.
والأهم مما يُستشف من كلام الوزير الإيراني أن إيران تنظر الى الزيارة والى تداعياتها السلبية عليها نظرة تجعلها مستنّفَرة للمواجهة، خاصة وأن إسرائيل أعلنتها بصراحة تامة من خلال يائير لابيد القائم بأعمال رئيس الحكومة الإسرائيلية بالأمس من أن إسرائيل تحتفظ بحرية التصرّف السياسي والعسكري ضد برنامج إيران النووي.
ايران لا تريد عودة للعلاقات بين واشنطن والخليج العربي والعرب السنّة، فيما تحشد روسياً وصينياً لمواجهة أي حلف عسكري أمني إقليمي موجّه ضدها، وقد باتت طهران مكشوفة سياسياً وأمنياً مع فشل عودة الحوار مع واشنطن حول ملفها النووي، الأمر الذي قد يصل الى حد إخضاعها للبند السابع، خاصة وأن وكالة الطاقة الذرية أصدرت في حقها، كما سبق وقلنا، مضبطة اتهام واضحة بالمخالفات.
فهل ستحقق زيارة بايدن الى المنطقة بدءاً من إسرائيل هدفين استراتيجيين على جانب كبير من الأهمية :
تحوّل إسرائيل الى شرطة المنطقة بدل إيران؟
وتثبيت حلف إقليمي أمني بين دول المناطق لإطلاق الحملة ضد ميليشيات إيران وأذرعها لتقليم أظافرها؟
طهران ردّت على الفور على مقالة الرئيس بايدن معتبرة أن إنشاء منظومة دفاعية جوية إقليمية هو استفزاز لإيران وتهديد للأمن القومي والإقليمي.
بايدن يهنىء نفسه بأن منطقة الشرق الأوسط باتت أكثر أمناً واستقراراً عما كانت عليه قبل ولايته، غامزاً من قناة الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن لهذا الإستقرار مكونات ومتطلبات ينبغي على الرئيس بايدن تأمينها لاستمرار هذا الإستقرار، فتحقيق اتحاد منطقة الشرق الأوسط دونه صعوبات وعقبات يجب على الإدارة الديمقراطية أن تعالجها أولاً مع المملكة العربية السعودية والدول العربية اذا أراد فعلاً أن يكون تاريخ 15/7 كما يقول، تاريخ تقرير الشراكة الاستراتيجية على المصالح والمسؤوليات المشتركة بين أميركا والسعودية …
وفي مقالته، يضيف الرئيس بايدن “أن علينا مواجهة الروسي والتغلب على الصيني والعمل من أجل استقرار أكبر في المنطقة، وهو يعتبر المنطقة ضرورة حيوية للتجارة العالمية وممراتها المائية استراتيجية للطاقة الحيوية، ومع ذلك يذكر أن في هذه المنطقة بالذات تعرّضت مصالح الولايات المتحدة لأكبر عدد من العمليات العدائية شملت سفاراتها وقواعدها العسكرية.
فمواجهة الروسي تتطلب أخذ الإدارة الأميركية بحقيقة ضرورة ترميم الثقة بين العرب والأميركيين أولاً، كما وحقيقة أن العرب اتخذوا قراراً تاريخياً بتأمين ما يخدم مصالحهم في علاقاتهم الدولية والإقليمية وتنويع مصادر تبادلاتهم الإستثمارية والتجارية وحتى العسكرية، حيث تتلكأ واشنطن أو تماطل أو ترفض، فالروس يدركون أنه، ومهما تعمّقت علاقتهم بالخليج والعرب، الا أن لمصالح أميركا حيز أساسي لا يمكنهم تجاهله أو إحباطه.
ومع ذلك، يسعى الرئيس فلاديمير بوتين الى توطيد وجوده في المنطقة من ضمن سياق المواجهة الكبرى مع الأميركيين والغرب في أوكرانيا للمقايضة بين مصالح روسيا الاستراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى وبين مصالحها في المنطقة من إيران الى سوريا.
بايدن أمام أولوية الاتفاقيات الإبراهيمية ويريد توسيعها وتدعيمها، فرسالته للإيرانيين واضحة : مقابل سقوط الإتفاق النووي، نمو وتوسيع لاتفاقيات التطبيع العربي – الإسرائيلي، ولكن المهمة الصعبة ستكون في إقناع الرياض بالسير في هذا التوجه، وقد أوضح ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان في أكثر من مناسبة أن تسوية القضية الفلسطينية شرط أساسي لأي تطبيع، وقد وصف الأمير إسرائيل بالحليف المحتَمل بناءً على هذه الرؤية القومية.
فهل يملك بايدن تصور حل للقضية الفلسطينية على قاعدة التعاون المصري الأردني في أي تسوية؟
طبعاً يجب أن لا ننسى أن للرئيس بايدن هاجس الإنتخابات النصفية في بلاده لعدم خسارة غالبيته الديمقراطية، في وقت يراهن فيه الرئيس الروسي بوتين على خسارة بايدن تلك الأكثرية، ومن هنا استراتيجيات الكرملين في أوكرانيا وفي تسعير مناطق التماس كافة مع الأميركيين، وصولاً الى أفريقيا للضغط باتجاه إسقاط الديمقراطيين وعودة الجمهوريين الى السلطة في واشنطن.
بداية فصل جديد في الشرق الأوسط تُنسج خيوطها حالياً وستطبعها زيارة الرئيس بايدن، فهل تعيد الزيارة خلط الأوراق مجدداً وتغيير في أساليب وأولويات المواجهة الدولية والإقليمية؟
يعدّد المفكر والفيلسوف الاستراتيجي الصيني ” سون تزو ” في كتابه الشهير ( فن الحرب) خمسة أمور أساسية للنصر من بينها :
إن من ينتصر يعرف جيداً متى يحارب ومتى لا يحارب ويعرف كيف يتعامل مع مختلف أشكال القوة، كثيرها وقليلها، وهو من جهّز نفسه جيداً ثم انتظر ليأخذ عدوه على غفلة منه.
ففي المعسكرين المتقابلين اليوم في المنطقة تحدي الإنتصار، فأي من المعسكرين تتوفر فيه أسباب وظروف النصر ؟ وهل للعرب قدرة على قلب الموازين الإقليمية لصالح هذا المعسكر أو ذاك؟
الأيام القليلة المقبلة قد تحمل بعضاً من الإجابات .