سر القلق الايراني من ناتو عربي

5202220165135187

من الواضح والجلي، من خلال التصاريح والبيانات الصادرة عن طهران، تعليقاً على القمة الخليجية -العربية -الأميركية أن إيران لا تشعر بالارتياح من مشروع قيام تحالف عربي يوحّد الدول العربية الفاعلة ضدها، ما دفع ببعض الدول ومنها الإمارات والكويت وحتى المملكة العربية السعودية ومصر الى إصدار بيانات تنفي عن القمة واللقاءات الجارية فيها أي غرض عدائي ضد إيران. لكن ومع ذلك لا تزال طهران قلقة، ولعل سبب هذا القلق يتجاوز ما يحصل حالياً الى ما هو أعمق وتعود جذوره الى أساس وجود نظام الملالي الحالي في الجمهورية الإسلامية .فالرئيس جو بايدن أول مَن لمس من لقاءاته أمس مع القيادة السعودية ما كان مستشاره للأمن القومي جاك سوليفان قد نبّه منه ألا وهو أن العالم العربي، ولا سيما دول الخليج ومصر والأردن، لم يعد كما كان في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، بحيث ينفذ ما يمليه عليه الحليف الأكبر والضامن الولايات المتحدة، بل ثمة شيء أساسي قد تغيّر، وهو استعادة تلك الدول المبادرة في تحديد ما يخدم مصالحها أولاً ومن ثم مصالح الحليف الأميركي.فلم يعد بإمكان جو بايدن فرض ما يريد خاصة في مرحلة الغرب برمّته بحاجة فيها الى الدول العربية ولا سيما المملكة ودولة الإمارات، وبالتالي ليس هذا الغرب في موقع يسمح له بفرض ما يريد، بل وفي أحسن الأحوال بالحصول على بعض جرعات الدعم كفتح مجال جوي مدني من هنا وتسليم جزر من هناك وإبرام اتفاقات تعاون نديّة في قطاعات الطاقة والإستثمار والتجارة.من هنا، فإن فكرة أي “ناتو عربي” موحّد، هدفه الأساسي التصدّي للمشاريع الأجنبية التي تستهدف الدول العربية و المشروع الإيراني، ربيب أخطر المشاريع الأجنبية والمشاريع الأخرى شرقية كانت أم غربية.وما يميز بخطورته المشروع الإيراني هو أنه الوحيد الذي لا ينبع من مصالح وتبادل مصالح بين الدول، بل من مشروع يهدّد الحالة الوجودية للعالم العربي، وتمثله إيران على حساب البلاد العربية.فمشروع بناء دولة إسرائيل إستُهلك كلياً ولم يعد قابلاً للعيش، وهو آيل للسقوط بشكل طبيعي لأسباب عدة، منها أن إسرائيل لا تمتلك عناصر البقاء:فلا العدد في إسرائيل قابل للتمدّد، ولا العقيدة الإسرائيلية عابرة للحدود الإقليمية، وبخاصة العالمين العربي والإسلامي، ولا موقع إسرائيل الإستراتيجي يشمل خطر اختراق أماكن أخرى. فجلّ ما يعنيه الموضوع الإسرائيلي هو استعادة الأرض العربية، ولهذا ثمة صيغ تُناقش في الأروقة المقفلة في المنطقة وعواصم القرار، وبالتالي فإن إسرائيل محكومة بالتقوقع وبعدم تجاوز خطرها الى صلب النسيج العربي الإسلامي.فكل مَن يحاول طمس هذه الحقيقة يريد إعطاء مبرّرات للمشروع الإيراني الأخطر للتمدد في البلاد العربية، إذ إن إيران تمتلك مكونات البقاء نظراً لتداخلها الإجتماعي والديني في بلدان عربية معينة لاستخدامها جسر عبور لتحقيق مآرب عقائدية، فضلاً عن تخادم مصالح أجنبية مع إيران.لذا فإن إيران تشعر بأنها هي الخطر وأي توحّد بين العرب سيكون مصوباً نحوها بالتأكيد، وهي التي تتغذى من القوى العالمية التي تريد تصفية البلاد العربية لأنها الوحيدة التي تستطيع تمزيق تلك البلاد وتفتيتها، إنطلاقاً من الدين والمذاهب، ما يسهّل سيطرة القوى الكبرى على ثرواتها ومواردها ومواقعها الجيو سياسية بأبخس الأثمان.من هنا، فإن أي ناتو عربي سيشكل خطراً على طهران، كما وعلى ميليشياتها في المنطقة.فإيران التي تتهم العرب بخدمة مصالح الغرب هي التي تملك تفويضاً من الغرب لضرب المنطقة العربية منذ استقدام نظام الخميني لزرعه في منتصف المنطقة العربية، تمهيداً لاستيلاء الغرب على مقدرات البلاد من جهة وخدمة مشروعها الصفوي التمددي في المنطقة من جهة ثانية.ثمة حقيقة تاريخية على الجميع معرفتها وهي أنه، وحتى ما قبل ظهور الأسلام، لطالما أراد الفرس الإستيلاء على أراضي العرب، وقد تقاسموا المنطقة في حينه مع البيزنطيين أو ما يُطلق عليهم عربياً لقب “الروم” عبر المناذرة أو اللخميون،‎ وهم قبيلة عربية من لخم من إتحاد تنوخ وقد حكموا العراق قبل الإسلام، وكانوا حلفاء الرومان في البدء ثم تحالفوا مع الفرس وقد اتخذ ملوكهم لقب «ملك العرب» وهو اللقب ذاته الذي كان ملوك الحضر يلقبون به أنفسهم، وجودهم بالعراق بدءاً من أواخر القرن الأول قبل الميلاد ولطالما كان هدفهم منع أي توحّد للقبائل العربية آنذاك، وقد شيّد الفرس المدائن عاصمة لكسرى في قلب العراق على بعد خمسين كيلومتراً من بغداد لتأكيد السيطرة الفارسية على المناطق العربية وللتشجيع على الفتن والاقتتال بين العرب، والتي استمرت ٤٠ عاماً لإضعاف القبائل العربية.من هنا القلق الإيراني الحالي المتوارث من هاجس فشل مشروعها التفتيتي للمنطقة و من توحد الدول العربية مع بعضها البعض، وخصوصا بين دول الخليج وبينها وبين مصر والأردن والعراق.وعليه فإن خوف إيران من عودة الوحدة العربية وإلصاقها بالدول العربية تهم زعزعة استقرار المنطقة والخضوع للأميركي الذي هي حليفته الأولى.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: