الأبعاد الاستراتيجية الإقليمية لزيارة بن سلمان لليونان

WhatsApp Image 2022-07-27 at 11.13.17 AM

ترتدي زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لليونان طابعاً إستثنائياً وتاريخياً في لحظة إقليمية ودولية متشابكة الخطوط والمصالح وبالغة الدقّة والخطورة، ليس بالنظر الى طبيعة العلاقات الهامة بين الدولتين وحسب بل أيضاً لأن كل الأنظار متجهة الى الرياض التي، ومنذ قمة جدّة، وضعت الى جانب الدول الخليجية والعربية المشارِكة أسس شرق أوسط مختلف لا تتجاذبه التحالفات الحصرية ولا صراعات المحاور الدولية والإقليمية على حساب دول المنطقة.

إنطلاقاً من هذه المعادلة، تأتي زيارة ولي العهد السعودي الى اليونان حاملةً أكثر من رسالة سياسية لأكثر من طرف إقليمي وحتى دولي، لاسيما أن العلاقات الثنائية بين السعودية واليونان تاريخية ومميزة ومستمرة، وهي تشمل فضلاً عن النواحي السياسية ملفات التعاون الاقتصادي والتجاري والإستثماري والدفاعي والأمني والثقافي والسياحي وغيرها.
وكان رئيس الوزراء اليوناني قد قام بزيارة إلى المملكة العربية السعودية في 26 أكتوبر 2021، إلتقى خلالها ولي العهد، واتفق الجانبان على بحث إمكانية إنشاء صندوق إستثماري مشترك.
والمعلوم أن قيمة صادرات المملكة الى اليونان بلغت 783 مليون دولار في العام 2021، فيما بلغ حجم الصادرات السعودية غير النفطية الى اليونان في نفس العام أكثر من 176 مليون دولار .
وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة 40 كشريك تجاري بالنسبة الى اليونان، فيما تُعتبر شركة (كيان ) السعودية أكبر الشركات المصدرة الى اليونان
هذا وبلغت قيمة مساهمات الصندوق السعودي للتنمية في اليونان 80 مليون دولار في العام 2021، فيما بلغت قيمة واردات المملكة من اليونان في العام نفسه 578 مليون دولار.
وبلغ حجم الاستثمارات اليونانية في المملكة 2.3 مليون دولار، في الوقت الذي تستثمر فيه 56 علامة تجارية يونانية في المملكة.
هذا وتُعتبر شركة أرامكو للتجارة أكبر الشركات المستوردة من اليونان، وقد بلغت قيمة المستوردات في العام المذكور آنفاً 253 مليون دولار.
وقد رحب الجانب السعودي بدخول القطاع الخاص اليوناني في شراكة مباشرة مع القطاع الخاص السعودي في مجالات محطات تحلية المياه، ومياه الشرب، وخطوط نقل المياه، ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، والسدود في المشاريع الجاري تنفيذها والمشاريع المستقبلية، وتنظيم أنشطة تجارية في المجال الزراعي، لمناقشة إمكانيات الاستثمار في الصناعات الزراعية والغذائية والسمكية والحيوانية.
واتفق البلدان على تزايد الإستفادة من أوجه التقاطع بينهما في قطاع الطاقة المتجدّدة، والصناعات العسكرية والدوائية والخدمات اللوجستية، ومناقشة فرص التعاون المستقبلية بين البلدين لفتح مجالات نوعية للتعاون الاقتصادي وتسهيل التفاعل المستمر بين قطاعي الأعمال السعودي واليوناني، وتمكين الشراكات التجارية والإستثمارية المتاحة في إطار رؤية المملكة 2030، للإرتقاء بحجم التبادلات التجارية والإستثمارية بين البلدين، كما تم تأسيس مجلس الأعمال السعودي- اليوناني.
كما اتفق سابقاً، خلال زيارة رئيس الوزراء اليوناني الى المملكة، على العمل لترتيب عقد منتديات استثمار سعودية – يونانية بشكل دوري تجمع عدداً من كبار رجال الأعمال ورؤساء القطاع الخاص من البلدين، على أن تتم الاستفادة من منصّة مجلس الأعمال السعودي- اليوناني الذي تم توقيع إتفاقية إنشائه بين مجلس إتحاد الغرف السعودية وإتحاد الشركات اليونانية (SEV) أخيراً، في تنظيم تلك المنتديات والعمل على تبادل الخبرات في مجال التدريب والتعليم البحري، وتعزيز التعاون بين الإدارات البحرية في مجال بناء وصناعة السفن وتنظيم عمليات نقل الركاب بين البحار.
و في مجالي الدفاع والأمن، إتفق الجانبان خلال زيارة رئيس الوزراء اليوناني العام الماضي على العمل على رفع مستوى قواتهما العسكرية وجاهزيتها ومهارتها من خلال التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة، والقيام بالتنسيق والتعاون وتبادل الخبرات العسكرية لتحقيق أمن البلدين واستقرار المنطقة، والعمل على توطين التقنية والصناعات العسكرية والمساندة. كما أشاد الجانبان بما تم تحقيقه من تعاون في المجالات الأمنية، ورغبتهما في تعزيز ذلك التعاون وتطويره بما يخدم تحقيق الأمن والاستقرار في البلدين.
أما في القطاع الثقافي، فقد امتاز البلدان بتنوعهما الثقافي العريق، وما يولياه من جهود بارزة للحفاظ عليه ومشاركته مع العالم، وتنطلق رؤية المملكة 2030 وفق فلسفة جديدة لإحياء التراث العربي والإسلامي في الجزيرة العربية، وتعزيز إسهام السعودية في الثقافة والفنون والحضارة العالمية، وقد اتفق الجانبان على بحث سبل رفع مستوى الحراك والتبادل الثقافي بينهما.
أما على الصعيد السياسي والدولي، فالجانبان السعودي واليوناني متفقان حول القضايا السياسية والأزمات في منطقة الشرق الأوسط، كما القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، خصوصاً ضرورة إضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلام الدوليين، ووقف أشكال التدخل كافة في الشؤون الداخلية للدول لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم، كما أن البلدين ملتزمان إلتزاماً تاماً بالقانون الدولي على أساس المبادئ الرئيسية لحرمة الحدود، وسلامة أراضي الدول ذات السيادة، بما في ذلك الحقوق السيادية على مناطقها البحرية وفقاً للقانون الدولي، ولاسيما إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وكذلك التزام جميع الدول بالإمتناع عن إستخدام القوة أو التهديد باستخدامها وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

هذا كله في الخطوط العريضة للعلاقة الثنائية وفي التوجهات التي توصّل اليها البلدان لتعزيز العلاقات والشراكة وتطويرهما.

أما في الشق الجيو سياسي، فمما لا شك فيه أن زيارة ولي العهد لليونان في هذا التوقيت تحمل أكثر من رسالة كما سبق وذكرنا لعل أبرزها :

-أولاً : التأشير بنهاية العزلة الدولية التي أُريد لولي العهد أن يجد نفسه فيها، خاصة من الأميركيين وإدارة الرئيس جو بايدن والرئيس بايدن نفسه، على خلفية الوعد الإنتخابي الذي كان قد قطعه بعزل المملكة ومقاطعتها واتهام ولي العهد بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وفتح ملف حقوق الانسان في المملكة، الى ما هنالك من عناصر هجمة كبيرة استهدفت ولي العهد خصوصاً.
فها هو ولي العهد يستقبل الرئيس الأميركي جو بايدن في قمة جدّة ويترأس وفد بلاده في المحادثات مع الجانب الأميركي، والآن يزور اليونان في أول زيارة رسمية له لبلد أوروبي منذ سنوات، ومن ثم سيزور فرنسا، بما يعني إنطلاق عجلة سياسة ولي العهد الخارجية على نار حامية من دون حواجز ولا قيود.
وللعلم، فإن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، وبالتعاون مع الرئيس القبرصي نيكوس أنستاسياديس، لعب “دوراً هاماً ” لإنهاء العزلة الدبلوماسية على ولي العهد السعودي، حسب تحليل لموقع “المونيتور” المختص بشؤون الشرق الأوسط.
الأمير بن سلمان في اليونان على رأس وفد كبير وجدول أعمال واسع، والملفت في البيانات الرسمية للبلدين هو أن تعميق التعاون العسكري بينهما على رأس جدول أعمال الزيارة. وقد ذكرت وسائل إعلام يونانية أن البلدين سيوقعان إتفاقية حول توسيع التعاون العسكري بينهما.

  • ثانياً : رسالة مشتركة سعودية – يونانية الى الأتراك،
    فانطلاقاً من شعور البلدين بتهديدات خطيرة لجهة السعودية حول تنامي نفوذ عدوها اللدود إيران، ولجهة اليونان في تطلعات تركيا ومطامعها، اقدم البلدان في ربيع عام 2021 على تنفيذ مناورات جوية مشتركة مع سلاح الجو اليوناني فوق بحر إيجة. وقبل ذلك كانت دولة الإمارات، الحليف القوي للسعودية، قد أرسلت مقاتلات إف 16 إلى جزيرة كريت اليونانية، في ذروة الأزمة والتوتر بين أنقرة وأثينا، وقد أثارت مشاركة الإمارات في المناورات الحربية اليونانية إستياء تركيا بشكل كبير، والتي كانت المناورات موجهة ضدها. فالمملكة العربية السعودية، بتحالفها مع اليونان، تقطع الطريق أمام الإتراك إن هم فكّروا بالإعتداء على مصالح اليونان، خاصة في ترسيم الحدود البحرية بين تركيا واليونان وتقاسم الثروات النفطية والغازية بينهما. والمعلوم أن نزاعاً نشأ بين أنقرة وأثينا منذ سنتين حين اعتبرت أنقرة أن اليونان تجاوزت حدودها البحرية في التنقيب عن النفط والغاز.
    من جهته، حاول الرئيس رجب طيب اردوغان الذي لا ينظر بعين الرضى الى الخطوة السعودية مع اليونان حضّ ولي العهد على عدم القيام بهذه الزيارة والتعاون مع اليونان باعتباره بلداً غيرمسلم وعلى الدول المسلمة التعاضد والتضامن مع بعضها في وجه ما اعتبره إعتداءً يونانياً على مصالح تركيا الدولة المسلمة في شرق البحر المتوسط، متناسياً أن بلاده عضو في حلف شمال الأطلسي الذي يضم دولاً غير مسلمة في غالبيته.
    إلا أن الرياض، وانطلاقاً من موقع اليونان الاستراتيجي في شرق حوض المتوسط، ومن علاقاتها الطيبة والعميقة مع جمهورية مصر العربية الحليف العربي للمملكة في حوض المتوسط، قررت السير في شراكات إقليمية متوسطية مع أقل الدول الأوروبية تأثيراً لكن أكثرها حيوية بالنسبة للمشاريع التنموية في المتوسط لربط مصر بالأردن والخليج والمنطقة العربية باليونان وعبرها بالقارة الأوروبية في مشاريع مناطق تبادل إقتصادي واستثماري مستقبلي.
  • ثالثاً : رسالة الى الغرب ولا سيما الأميركيين بأن المملكة العربية السعودية لم تعد تسعى في سياساتها الخارجية إلا الى تأمين مصالحها، وهي منفتحة على العالم للتبادل والتعاون وبناء المستقبل، غير آبهة بالاصطفافات المجانية لأي محور إقليمي أو دولي، فولي العهد قادر على نسج علاقات خارجية دولية هامة جداً، وحيث تكون مصلحة المملكة يكون التعاون والاتفاق.
    أما في الجانب العسكري فإن ولي العهد يعطي أهمية كبيرة لتوسيع التعاون العسكري بين البلدين، ففي مقابل التعاون العسكري والسياسي السعودي، أعارت اليونان بعد مدة قصيرة نظام الدفاع الصاروخي باتريوت مع فريق تشغيل كامل للسعودية للتصدّي للهجمات الصاروخية الحوثية.
    تبقى الإشارة الى أنه، الى جانب المسائل العسكرية، سيتم خلال المحادثات الثنائية في أثينا بين الطرفين بحث توسيع التعاون في المجال الاقتصادي والتقني أيضاً. وقد أكد وزير الإستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، على هامش ملتقى إقتصادي عقد في أثينا نهاية مايو/ أيار الماضي “أن السماء هي الحدود”، في إشارة إلى إمكانية التعاون غير المحدود بين بلاده واليونان، وإلى الموقع الجيوستراتيجي لليونان بين أوروبا والشرق الأوسط، وسوف يتم تمديد كابل في قاع البحر المتوسط لتحسين نقل البيانات بين أوروبا والعالم العربي.
المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: