هم أربعة محامين بالأسماء: فاروق المغربي، مازن حطيط، حسام الحاج وطارق الحجار، قرروا التوكّل عن ٧٢ ضحية غير لبنانية من ضحايا إنفجار المرفأ، هذه الفئة من الضحايا التي إصطُلح على تسميتها ب” الفئة المهمشة” نظراً للظلم الذي لحق بها قبل الإنفجار وبعده. فالظلم قبله ينسحب على ظروف عمل هؤلاء الضحايا الذين لا يملك غالبيتهم إقامات أو بوالص تأمين على الحياة أو سندات إقامة رسمية أو كفالات أو أوراق ثبوتية، ما حال دون حصول ذويهم على المساعدات المالية التي أقرّتها الدولة اللبنانية في بداية الأمر عبر الهيئة العليا للإغاثة، ثم عبر القانون ١٩٦/٢٠٢٠ الا قلة قليلة منهم، ومن هنا ندخل في خانة الظلم الذي لحق بالضحايا بعد الإنفجار لناحية عدم مراعاة معيار المساواة بين اللبنانيين والأجانب لناحية التعويضات.
جنسياتهم متنوعة: مصريون، سوريون، فلسطينيون، بنغلاديشيون، باكستانيون، أثيوبيات، فيليبنيات، الى ضحايا من ألمانيا وهولندا وفرنسا وإيران وأوستراليا.
تسعة من هؤلاء الضحايا كانوا يعملون داخل المرفأ وعلى متن بواخر راسية فيه وفي شركة تصليح بواخر وكافيتريا، أما مَن كانوا خارج حرم المرفأ فهم عمال مطاعم في المنطقة المحيطة بالإنفجار، عمال محطات وقود، نواطير أبنية، عمال توصيل ( delivery)، حدادون، تجار، عمال ورش، موظفو شركات وعاملات منازل.
وللمصادفة أن آخر إجراء طال ملفات هؤلاء الضحايا، سُجّل أمس الأربعاء مع استحصال وكلاء الدفاع الأربعة من السجل البريطاني على قرار تجميد شركة ” سافارو” مالكة شحنة نيترات الأمونيوم لغاية ٣١ كانون الثاني المقبل.
ومن قصص الضحايا المهمشين، نورد من كتاب ” بيروت 6,07 رماد حي قصة إيتانو تولو المرأة الأثيوبية التي دفعتها ظروف الحياة القاسية في موطنها للقدوم الى لبنان للعمل من أجل تأمين احتياجات إبنتها كيديست البالغة من العمر سبعة أعوام. عملت إيتانو في منزل ريمون الشامي مدة سنتين إلا أنه بعد وفاة مخدومها، خُيّرت بين البقاء في لبنان أو العودة الى أثيوبيا، ففضلت البقاء سنة أخرى لتأمين تعليم إبنتها وشراء كومبيوتر لها، وهذا ما حصل إذ بقيت تنتقل مداورة لدى بنات الشامي الثلاث. في الرابع من آب، كانت إيتانو في منزل ستيفاني إبنة ريمون الآتية من الكويت لقضاء عطلة الصيف في منزلها في الأشرفية.حوالي الساعة السادسة عصراً، سمع سكان المنزل صوت الإنفجار الأول ثم شاهدوا دخاناً يتصاعد لجهة البحر، فطلبت ستيفاني من ابنتها عدم الاقتراب من النافذة، ومع وقوع الإنفجار الثاني زلزل المكان بأصحابه الذين حاولوا الإختباء في الغرف لكنهم وجدوا أنفسهم بين غائب عن الوعي ومصاب إصابات بليغة، وهو ما حصل لإيتانو التي حاولت ستيفاني إسعافها الا أنه لم يمكن من السهل وصول سيارة إسعاف الى المنطقة المنكوبة، لكن ناطور المبنى وشقيق ستيفاني تمكنا من نقلها الى مستشفى رزق.
كان الأمل بنجاة إيتانو ضئيلاً جداً فهي أصيبت في رأسها ووجهها وأذنيها، الى نزيف كبير من أنفها، وقد بقيت أربعة أيام في العناية الفائقة قبل أن تفارق الحياة في الثامن من آب. عائلة الشامي التي أحبت إيتانو، أقامت قداساً لراحة نفسها في حضور أصدقائها، كما تعهدت أن تتكفل بتعليم إبنتها كيديست حتى إنهاء تعليمها الجامعي.
نموذج آخر للظلم القاسي يتمثل في قصة جمال دودميا الذي اختار لبنان بلداً لتحصيل لقمة عيشه وعيش والديه وإخوته، فجاء من بنغلادش الى بيروت في العام ٢٠١٦ عبر وسيط، وبعد سنة ونصف السنة ترك كفيله الأول بحثاً عن عمل آخر بمردود أفضل، فاتخذ مع مواطنين له مسكناً بالقرب من مستشفى الروم في الأشرفية، كما وجد عملاً في مطبخ أحد مطاعم الجميزة. كان جمال من العمال الأكثر بؤساً، إذ كان يساعد أسرته في بنغلادش، ورغم معيشته الصعبة، كان بحسب عارفيه دائم التفاؤل والإبتسام والنشاط.في السادسة وسبع دقائق من ذاك اليوم المشؤوم، كان جمال يعمل داخل مطبخ المطعم المواجه للعنبر رقم ١٢، فرماه عصف الإنفجار عدة كيلومترات ليسقط جريحاً وسط دمار هائل، وعند العاشرة ليلاً نُقل الى مستشفى الروم وبعدها الى مستشفى جبل لبنان حيث مكث فيها ٢١ يوماً، خضع خلالها لعدد من العمليات الدقيقة، وبقي يصارع الآمه من جراء الزجاج الذي استوطن جسده النحيل لتوافيه المنية في ٢٥ آب.
بقيت جثة جمال في براد المستشفى أياماً عدة قبل إنجاز تأشيرات ومعاملات ترحيل جثث الرعايا البنغلادشيين الذين قضوا في الإنفجار.
هي فصول لا تنتهي عن أهوال جريمة العصر، طاول فيها الظلم أهل الأرض ومَن يقيم معهم، وبعد سنتين لا يزال الجميع يسأل عن حقيقة ما جرى وعن إحقاق الحق في بلدٍ يعلّق فيه مسؤولوه القوانين بدل المشانق.
