هل يتصاعد الصراع الدولي والإقليمي انطلاقاً من الميدان الأوكراني ؟

علم-اوكرانيا (2)

تسجّل يوميات الحرب في أوكرانيا منذ فترة وجيزة تقدماً أوكرانياً ميدانياً على جبهات الشمال في منطقة خاركيف وضواحيها، حيث تمكن الجيش الأوكراني من إحداث خروقات ميدانية أجبرت القوات الروسية على التراجع بخاصة في منطقة " ايزيوم " الاستراتيجية التي كان الرئيس الروسي بوتين يتباهى بإسقاطها والسيطرة عليها سابقاً.وقد أعلنت كييف عن قيام جيشها بهجوم إرتدادي ناجح في منطقة خاركيف شمال البلاد ضد القوات الروسية والانفصاليين المدعومين من موسكو، أسفر عن توغّل العناصر اﻷوكرانية بعمق 50 كيلومتراً داخل خاركيف، فضلاً عن استعادة مدينة ايزيوم وقرية كوبيانيسك ذات اﻷهمية الاستراتيجية للقوات الروسية.والمعلوم أن خاركيف كانت قد سقطت خلال الحرب في قبضة الروس بعد أيام من بداية الغزو في نهاية شهر شباط الماضي، ولكن يبدو أن فشل الهجوم ضد خيرسون دفع بالقيادة الأوكرانية إلى تغيير أولوياتها نحو الشمال.

ويُعتبر سقوط قرية كوبيانيسك على وجه التحديد أثناء الهجوم الأوكراني المضاد تطوراً مهماً جداً لأن كوبيانسك تضم محطة القطار التي تربط القوات الروسية بشمال وشرق أوكرانيا بحيث أن استعادة الأوكرانيين لتلك المحطة يستتبع حتماً عزل القوات الروسية في خاركيف عن المجموعات الروسية والأخرى الموالية في أوكرانيا وعزلهم عن القيادة العامة الروسية نفسها. فهذا التطور الميداني الهام من الجانب الأوكراني يعكس تبدّلاً ميدانياً على جبهات القتال نَجمَ عن تبدّل أولويات كييف الميدانية واستغلال ضعف الوجود الروسي في شمال البلاد لمقايضة الضغط العسكري الروسي في الجنوب بالضغط العسكري الأوكراني في الشمال وإعادة شيء من التوازن الى خريطة العمليات العسكرية والانتصارات الميدانية.هذه التطورات تزامنت مع الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية اﻷمريكي أنتوني بلينكن إلى العاصمة اﻷوكرانية كييف منذ 3 أيام، حيث أعلن خلالها عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة للجيش اﻷوكراني بقيمة 2 مليار دولار، بالاضافة إلى 675 مليون دولار لسدّ الفجوة في القدرات العسكرية بين اﻵليات اﻷوكرانية ونظيرتها الروسية.

فهذه الميزانيات الهائلة التي توازي ميزانية دولة بحد ذاتها بدأت تتبيّن نتائجها من التحوّل النوعي في القتال من الجانب الأوكراني، والذي يصرّ الرئيس زيلينسكي على اعتبار أنه انتقل من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم المضاد لتحرير الأراضي التي احتلها الجيش الروسي، وقد أكد في الساعات القليلة الماضية أن كييف استعادت حوالي 2000 كلم من الأراضي فيما الجيش الروسي ولى فارّاً على حد قوله.

والمعلوم مؤخراً أن وزارة الدفاع اﻷميركية قدّمت صواريخ بعيدة المدى إلى الجيش اﻷوكراني على الرغم من استمرار المخاوف في مجلس النواب اﻷميركي من إمكانية استغلال اﻷوكرانيين لتلك الصواريخ في ضرب العمق الروسي، فيما يُعتبر مثل هذا العمل بمثابة "مخاطرة أميركية" كبرى قد تجرّها الى مواجهة مفتوحة مع موسكو، خصوصاً اذا ما استخدمت تلك الصواريخ من الجانب الأوكراني لتوسيع رقعة الإستهدافات داخل الأراضي المحتلة من روسيا أو ربما داخل الأراضي الروسية نفسها.

وقد أكد وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أن "أوكرانيا تمضي بطريقة مدروسة للغاية وبخطة قوية يتم تمكينها بشكل حاسم من خلال الموارد التي يوفرها الكثير منا ..."، كذلك زارت وزيرة الخارجية الألمانية انالينا بربوك كييف يوم السبت الفائت بصورة مفاجئة أيضاً حيث قالت عنه" إنها لإظهار التزام برلين بدعم أوكرانيا في دفاعها ضد الغزو الروسي وإن بإمكان كييف مواصلة الاعتماد على ألمانيا مع تسليم الأسلحة والدعم الإنساني والمالي".

هذه التطورات تزامنت أيضاً مع منح الرئيس الأوكراني زيلينسكي رئيس شركة تصنيع الطائرات من دون طيار التركي هالوك بيرقدار أرفع وسام أوكراني ( وسام الاستحقاق ) تكريماً لدور تلك المسيّرات في تفعيل عمليات المقاومة الأوكرانية للغزو الروسي، بحيث بإمكان تحميل كل مسيّرة أربعة صواريخ دقيقة، وقد رفض بيرقدار تزويد موسكو بالمسيّرات والأسلحة في حديث له لشبكة سي أن أن في شهر آب الفائت معلناً دعمه لكييف وسيادة أوكرانيا ومقاومتها من أجل الدفاع عن استقلالها.

وعلى هامش الحرب في أوكرانيا، لا تزال واشنطن على سعيها المحموم لفرض سقف على أسعار النفط الروسي، وذلك للحد من العائدات النفطية الضخمة التي تزود الخزانة الروسية بنفقاتها اللازمة في الحرب الروسية - الأوكرانية.

وقد حذر الرئيس بوتين الأميركيين والأوروبيين من مغبة اللجوء الى هذه الخطوة، مهدداً بقطع كامل وشامل للغاز والنفط والفحم والطاقة عن أوروبا، واصفاً تلك الخطوة ب "الغبية"، علماً أن واشنطن تنظر الى فرض عقوبات صارمة على كل مَن يستورد من موسكو الغاز والنفط بغض النظر عن سقف الأسعار، ما يعني حقيقة استهداف كل من الصين والهند أكبر مستوردتين للطاقة الروسية، وفي تقرير نشره موقع "فايننشال تايمز"، تأكيد على وجود تلك الرغبة الأميركية في فرض عقوبات على الدول التي ترفض الالتزام بسقف الأسعار المشار إليه.لعبة الشطرنج الدولية تتفاعل وتتصاعد انطلاقاً من الأرض الأوكرانية وأوروبا، وتتغير مواقع وتتبدل أخرى فيما يبدو من المشهدية العامة اتجاه الى التوتر والتصعيد، ومن تجليات هذا التصعيد البيان الأوروبي الثلاثي الفرنسي- الألماني- البريطاني الذي أدان إيران واتهمها بعدم الرغبة في التوصّل الى اتفاق نووي، وبتفويت طهران فرصة ديبلوماسية لحل ملفها، ما يعني على ما يبدو الابتعاد أكثر فأكثر عن أي اتفاق، وبالتالي بروز البدائل التي من ضمنها الخيارات العسكرية وعرابتها إسرائيل التي استقتلت في الأسابيع الأخيرة لمنع التوقيع على الاتفاق، وذلك لمنع إيران من الاستحصال على أموال طائلة تقوي بها أذرعها الإقليمية وميليشياتها.

الأيام والاسابيع القليلة المقبلة ستحمل معها الكثير من المفاجآت لكن الأكيد الأكيد أن ما عوّلت عليه قوى الممانعة منذ فترة من انفتاح دولي على إيران وحوار عربي - خليجي - -إيراني للإيحاء بتغيّر المعادلات لصالح طهران بات في حكم المنتهي لا سيما وأن التطورات الميدانية والسياسية تتسابق بسرعة جنونية في ظل استحقاقات داهمة إنتخابية في كل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ولبنان، والترابط بين الساحات الإقليمية والدولية محكم الإغلاق.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: