خطاب بوتين... تصعيد خطير وإقرار بالضعف

220907-putin-vladivostok-mb-1042-5d1096

جاء إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صباح أمس التعبئة الجزئية ليسجل دخول الحرب في أوكرانيا مرحلةً جديدةً أكثر خطورة وتهديداً للأمن الدولي، لاسيما وأن الرئيس الروسي بإعلانه هذا واعتباره أن الغرب والناتو يريدان تدمير روسيا وتلويحه باستخدام السلاح النووي إنما يحاول نقل المواجهة من كونها عملية خاصة في أوكرانيا الى تصويرها على أنها مواجهة روسية مع الغرب والناتو، خصوصاً بعد التراجع الميداني والتعثرات التي يعيشها الروس على جبهات أوكرانيا الشرقية.

فالرئيس بوتين يحاول الهروب الى الأمام بقراره التعبئة الجزئية وليس العامة، وهي بالمناسبة تعني إعلان الحرب، الأمر الذي لا يتحمّله بوتين والشعب الروسي على الإطلاق.

وهذا الهروب الى الأمام يتجلّى من خلال الآتي :

أولاً : لو صحّ أن عدد الضحايا حوالي ٦٠٠٠ قتيل روسي الى الآن بحسب تصريح وزير الدفاع الروسي فلماذا اذاً الحاجة الى التعبئة الجزئية لغاية ٣٠٠ ألف مجنّد؟ فثمة فارق كبير بين ٦٠٠٠ و٣٠٠ ألف يطلب الآن زجّهم في الحرب التي لا يزال بوتين يعتبرها عملية خاصة.

ثانياً : الرئيس بوتين يحاول قلب المعادلة من غزو روسيا لأوكرانيا الى تصوير ما يحصل بأنها حرب يشنّها الغرب لتدمير روسيا، بغية ليس فقط استنهاض الداخل الروسي بل وأيضاً بهدف تبرير تراجعه الميداني وعدم احتسابه لصالح الأوكرانيين وتبرير لجوئه الى تعبئة ٣٠٠ ألف، إذ لو لم "يكّبر حجره" في خطابه حول إرادة الغرب بتدمير روسيا لما استطاع تمرير رسالته لشعبه الخاضع الى الآن، ولكن الذي لن يبقى خاضعاً متى عادت طلائع الجثث من على الجبهات المختلفة.

ثالثاً : اذا فشل الجنود الروس المحترفون على الجبهات فماذا سيحققه المجنّدون أكثر ولو كان عددهم ٣٠٠ ألف مجنّد لعملية لا يزال بوتين يعتبرها خاصة، الأمر الذي يدعو للتساؤل والإستغراب؟فروسيا لوحدها في معركتها، والسؤال حول موقف الروس عندما سيرون جثث مجنّديهم تُعاد الى ذويهم، عندها لا بد من أن تكون ردات الفعل ثقيلة على بوتين، وقد تتسبّب بثورة عليه، وقد بدأت منذ الآن الأصوات الداخلية المعارضة لحربه والمطالبة باستقالته تتصاعد، والشعب الروسي يشعر ببداية أزمة تموين ومعيشة نتيجة العقوبات الدولية وعزلة روسيا غربياً.

رابعاً : كيف يمكن الاعتراف باستفتاء يقيمه محتل أُحادياً على أرض دخلها واحتلها ويدعي سيادته عليها من طرف واحد، ليعود ويستند على الاستفتاء نفسه هذا ليعتبر أنها أرضاً روسيةً ؟هذه أبرز مفاعيل أي استفتاء سينظمه الروس، وقد خان الرئيس الروسي نفسه عندما دعم الاستفتاء في خطابه صباح أمس وأعلن في نفس الوقت "روسية" مقاطعتي زاباروجيا وخيرسون، حتى قبل تنظيم الاستفتاء للدلالة على مدى التعسّف والأُحادية وغياب الشفافية والمصداقية، علماً أن أي استفتاء ليكون شرعياً يجب أن يتم تحت إشراف مراقبين دوليين، ووفق أرقى المعايير الديمقراطية الأممية، وهي تبدو كلها غائبة كلياً طالما أن المطلوب بالقوة قضم جزء من أرض أوكرانيا لإلحاقها بروسيا وإعلانها أرضاً روسية.

خامساً : إيحاء الرئيس بوتين بمحاربة الغرب والناتو له تبرير تضخيمي لإقناع الداخل الروسي بأن ما يحصل من خسائر وتراجع وحاجة لتجنيد ٣٠٠ ألف هو لمواجهة الناتو وليس الأوكرانيين، تقليلاً منه لأهمية الهزائم الميدانية التي حصلت على يد الأوكرانيين الذين يعتبرهم بوتين "نكرة"، لكن الحقيقة الساطعة تبقى أنه إذا كنا لا نزال أمام عملية خاصة في أوكرانيا فلماذا اذاً الدفع باتجاه ٣٠٠ ألف احتياطي، فماذا لو أعلن الحرب؟الرئيس بوتين في خطابه، وبقدر ما أعطى من إشارات الى طول الحرب، بقدر ما أثبت وجود إقرار بالضعف بعد سبعة أشهر على اندلاع ما يسميها العملية الخاصة، وبالتالي من الواضح أن الاستعانة ب٣٠٠ ألف مجنّد إحتياطي قد تؤدي الى تعميق الخسائر في وقت لن تعترف فيه الأسرة الدولية بأي استفتاء يتم تنظيمه من قبل موسكو بهذه العُجالة وبهذا التعسّف.روسيا دخلت أوكرانيا فاتحةً وها هي تتحوّل شيئا فشيئاً الى أسيرة خططها وفشل تحقيقها لأهدافها وضحية "توحّلها" في الوحول الأوكرانية …

ما إن أنهى بوتين خطابه حتى اهتزت الأسواق العالمية الإقتصادية، فارتفعت أسعار الغاز الأوروبي ٧% وأسعار النفط قفزت الى أكثر من ٣% وارتفع سعر الدولار بشكل جنوني الى أعلى مستوياته منذ ٢٠ عاماً فيما بلغت أونصة الذهب سعر ١٦٧٥ $.

الأمر الثابت حتى الآن هو أن الحرب مرشّحة للتصعيد والإطالة وأكثر، وقد تتوسع أكثر اذا بات تورط الناتو أمراً لا مفر منه.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: