بنسبة عالية جدا تكاد تقارب اليقين شبه النهائي، يقف لبنان وإسرائيل على مشارف تطور استثنائي يتمثل في موافقة مرتقبة للسلطات الرسمية في كل منهما هذا الأسبوع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية كما انجزه وارسله الى سلطات البلدين الوسيط الأميركي في هذا الملف آموس هوكستاين.صحيح ان هذا الاتفاق لا يرقى الى مستوى اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل، ولا هو يقترب طبعا من صيغة معاهدة سلام شبيهة باتفاق 17 أيار، ولا هو اتفاق يحتوي على بنود سياسية تخرج عن الاطار الترسيمي التقني البحت، ومع ذلك ليس تطورا عاديا ان تسجل الولايات المتحدة عبر وسيطها هوكشتاين بعد اكثر من عشرة أعوام من نشوء هذه الوساطة والمفاوضات المكوكية التي تناوب عليها موفدون اميركيون عديدون، اختراقا بهذا الحجم نأى بلبنان وإسرائيل عن شبح مواجهة على قاعدة تلبية حقوق لبنان السيادية ومتطلباته الاقتصادية الملحة في الشروع في التنقيب عن الغاز والنفط، وتلبية متطلبات إسرائيل الاقتصادية والاستراتيجية والأمنية من جهة مقابلة. بذلك شكل اتفاق الترسيم الذي ستشكل الأيام القليلة المقبلة المساحة الزمنية ما قبل الأخيرة لابرامه، في الناقورة على الأرجح في منتصف الشهر الحالي، تطورا واختراقا استثنائيا في الشرق الأوسط برمته، اذ تتركز انظار الأوساط المعنية في المنطقة كلها حيال احتمال ان تتكشف ابعاد إقليمية ودولية يكتسبها ويمكن ان تظهر تباعا ناهيك عن الابعاد النفطية التي لا تنفصل ابدا عن الظروف الخارجية والأوروبية التي ساهمت في بلوغ هذا التطور خاتمة إيجابية نادرة كهذه. ولعل التطور الأكثر دلالة في هذا السياق جاء في الإيحاءات المرنة والايجابية لكلمة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، اذ بدا كأنه يستبق الموقف الرسمي في الموافقة على "نص الجهة الوسيطة" من دون ان يسمي اميركا او هوكشتاين . وقال "في موضوع الحدود البحرية وحقوق النفط والغاز، بعد أشهر من الجهد والنضال السياسي والميداني والاعلامي، شاهدنا اليوم ان الرؤساء تسلموا النص المكتوب من الجهة الوسيطة ، كنت أردد دائما ان الدولة هي التي تأخذ القرار المناسب الذي تراه لمصلحة لبنان ونحن امام ايام حاسمة في هذا الملف" واضاف "سيتضح خلال الايام المقبلة ما هو موقف الدولة اللبنانية ونحن نأمل ان تكون خواتيم الامور جيدة وطيبة للبنان واللبنانيين جميعا" واوضح "اذا كانت النتيجة طيبة فإن ذلك سيفتح آفاقا جديدة وطيبة للبنانيين ان شاء الله وهذا سيكون نتاج التعاون والتضامن الوطني".توقعت مصادر سياسية ان يوافق لبنان رسميا على مسودة الاتفاق التي تسلمها المسؤولون من الجانب الاميركي يوم السبت الماضي، وان يمضي قدما بالسير بباقي الإجراءات التي تثبت الاتفاق ، بما يمكن لبنان بعدها من المباشرة فعليا،بواسطة الشركات، المباشرة بعمليات التنقيب واستخراج النفط والغاز ضمن المنطقة المحددة له بموجب الاتفاق وقالت: ان ردود الفعل الاولية استنادا الى قراءة بنود الاتفاق، يمكن القول،ان ماتم التوصل اليه في الخلاصة النهائية، هو بمثابة تسوية بين لبنان وإسرائيل، بتدخل فاعل ووساطة من الولايات المتحدة الأمريكية، لانه لم يعط كل دولة ما كانت تطالب به،لا لبنان ولا إسرائيل، بل تم التوصل الى تقسيم المنطقة المختلف عليها، بحيث اعطيت كل دولة مساحة وسطية، بين ماتطالب به وما هو ممكن، وفي الخلاصة ظهرت الدولتان رابحتين من الوساطة الاميركة، بما يمكنها من المباشرة باستخراج النفط والغاز من المنطقة بأجواء هادئة ومؤاتيه، بعيدا عن التهديد بالحرب اوالتوتير المتواصل.واشارت المصادر الى ان النقاش بعد ذلك سينتقل الى كيفية تخريج هذه التسوية الفاقعة نسبيا، ان كان من خلال اجتماعات الناقورة، او بوثيقة رسمية ترعاها الأمم المتحدة، توقع خلالها الدولتان،الأوراق الرسمية، كل بمعزل عن الاخرى، بما لايدع مجالا للشك، بانه مقدمة لاتفاق سلام او ما يشبهه بين لبنان وإسرائيل.وكشف مصدر سياسي لبناني بارز أن الجديد في العرض الأميركي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، الذي سلّمته السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا، لرؤساء: الجمهورية ميشال عون، والمجلس النيابي نبيه بري، وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، يكمن في تأكيد الحق اللبناني في ملكية النقطة «B-1» الواقعة في خليج رأس الناقورة، واعتبارها ضمن حدوده البحرية، وعدم ربطها بترسيم الحدود البرية من جهة، وفي تحقيق التلازم بين بدء إسرائيل في استخراج النفط من حقل «كاريش» وبين مباشرة لبنان التنقيب عنه في مياهه البحرية فور توقيعه على الاتفاق، بعد أن أبدت شركة «توتال» الفرنسية استعدادها للقيام بعملية التنقيب، وهذا ما أبلغه الوسيط الأميركي آموس هوكستاين في زيارته الأخيرة لبيروت، للجانب اللبناني.ولفت إلى أن استعادة لبنان لملكيته الكاملة للنقطة «B-1» يؤدي حكماً إلى فصل مسار الترسيم البحري عن الترسيم البري؛ خصوصاً أن إسرائيل كانت قد لجأت في عام 2016 إلى تفجيرها وتغطيتها بالباطون المسلّح، على الرغم من أن لبنان يملك الوثائق والمستندات التي تؤكد ملكيته لها، حسب الترسيم الحدودي الأول المنجز عام 1923، والآخر عام 1949، وسأل ما إذا كان هناك من ترتيب أمني خاص لهذه النقطة التي تعتبرها إسرائيل استراتيجية لإطلالتها المباشرة على القسم الأكبر من الساحل البحري لفلسطين المحتلة، المحاذي لحدودها البحرية مع لبنان.
