الخليج العربي في مهب الحرب العالمية

_99996294_mediaitem99996293

بدأت الغيوم منذ أيام تتلبّد في سماء الخليج العربي نتيجة تداعيات اشتداد الصراع الدولي من أوكرانيا الى تايوان.
بالأمس قررت أوبك + في قرار تاريخي غير مسبوق خفض إنتاج النفط بمليوني برميل ما يعني ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي التسبّب بإنعكاسات وتداعيات سياسية كانت باكورتها إعلان الإدارة الأميركية رفضها للقرار وشنّها حملة على قرار تخفيض الإنتاج عشية اﻻنتخابات اأميركية الجزئية، واعتبار واشنطن القرار بمثابة عمل عدائي.
مَن يقول أوبك بلاس يقول روسيا والمملكة العربية السعودية، فالمتحدث بإسم البيت الأبيض جون كربي صرّح بأن أميركا بحاجة الى أن تكون أقل اعتماداً على أوبك والمنتجين الأجانب للنفط، ما يعني أن ثمة مواجهة أميركية غربية مقبلة ستقع المملكة العربية السعودية ودول الخليج في قلبها.
أوبك بلاس باتت طرفاً في حرب الطاقة العالمية المواكِبة للحرب العالمية الثالثة التي تدور رحاها حالياً في أكثر من منطقة مشتعلة ومتوترة، فالأميركي بات ينظر الى أوبك بلاس بعين الريبة ﻻ بل العداء حيث ﻻ مجال للمساومة في حربه ضد الروسي : فإما الى جانب روسيا والصين وإيران وأما الى جانب أميركا والغرب وحلف الناتو.
من هنا يبدو أن تداعيات الصراع الدولي بدأت تشتد حول سلاح الطاقة، ودول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية في وضع دقيق حيث تحاول الحفاظ على توازنات في علاقاتها مع كل من روسيا وأميركا، مع أن دون ذلك عقبات ﻻ بل إستحالة كلما تعمق الصراع الدولي وتصاعدت المواجهة بين المعسكريَن.
الرياض تحاول اللعب على التوازنات لضمان عدم انحياز دول مجلس التعاون الخليجي كطرفٍ في الصراع الدولي المحتدم لكن واشنطن لم تعد مستعدة بعد تخفيض الإنتاج الى المهادنة مع أي كان خاصة وأن المستفيد الأول من قرار أوبك هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومهما حاولت الرياض تدوير الزوايا كمثل صفقة تبادل الأسرى بوساطة الرياض مؤخراً وسواها إﻻ أن إيران عادت الى رفض التهدئة في اليمن رغم الانفتاح السعودي على الحوار مع طهران، فيما العراق على طريقه نحو الفوضى مجدداً وتسجيل عودة تهديد فصائل إيران في العراق للمملكة والإمارات العربية.
فالمملكة تخفض الإنتاج فيما يبدو أنها تسدي خدمة لبوتين، بينما إيران تصعّد فيما يبدو أنها تستجيب أكثر لمصالح أميركا والغرب في هذه اللحظة الحاسمة من الصراع الدولي.
في إيران ثورة شعبية متمادية للأسبوع الثالث وستدخل الرابع، فيما واشنطن والغرب لا زالوا يدعمون النظام الإيراني ولو بخجل تجاه الرأي العام الإيراني المنتفض، فهل يؤثر تخفيض الإنتاج على العلاقة بين إيران والغرب باتجاه المزيد من التقارب بعد قطع الجسور مع أوبك للأسف السعودية- الروسية؟
وهل يؤدي التقارب الغربي الإيراني الى نسف الجسور الأميركية- السعودية ما ينعكس سقوطاً للإتفاقيات والتفاهمات كافةً في أكثر من ملف إقليمي ومنه الملف اللبناني؟
باأمس إتفقت الدول الأوروبية على تحديد سقف لسعر النفط الروسي كعقوبات جديدة على روسيا، وأهمية هذه العقوبات الجديدة ضد روسيا أنها ستقيّد بشكل أكبر القدرة التصديرية لروسيا والعلاقات التي تسعى الشركات الروسية الكبرى للقيام بها في القطاعات التكنولوجية.
في الحقيقة، إن سياسة الخليج والسعوديين بخاصة في خضم صراع دولي ليست بالأمر اليسير ومن الصعوبة بمكان السير بين الألغام كما تفعل المملكة لأنه، في أي اتجاه تذهب اليه، ثمة ثمن سيدفعه الخليجيون.
التعاون الخليجي مع روسيا أمر واقع لأن موسكو اليوم هي التي تبادر الى تغيير النظام العالمي بغض النظر عن مدى نجاح أو فشل بوتين في ذلك،
لذا يترتب على دول مجلس التعاون وعلى رأسها المملكة العربية السعودية واجب إدارة الأزمة الدولية، وقد أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي قوةً عالمية إقتصادية ومالية مستقرة في خضم اﻻنهيارات الدولية التي تحصل بفعل الحرب في أوكرانيا.
للغزو الروسي لأوكرانيا تداعيات أمنية تتجاوز أوكرانيا ذاتها لتشمل دول العالم وقد أدى الى اشتعال دينامييات خطيرة على دول مجلس التعاون الخليجي بفعل تزايد التهديدات الإيرانية للمملكة والخليج، وتصاعد الهجوم على المملكة من أذرع إيران في المنطقة، من العراق مروراً باليمن ووصوﻻً الى لبنان، مع عودة أمين عام حزب الله حسن نصرالله الى التهجّم على الرياض في خطاباته الأخيرة، كلها مؤشرات تدل على تلبّد الغيوم فوق سماء المنطقة الخليجية رغم محاوﻻت النأي بالنفس التي انتهجتها وﻻ تزال دول الخليج من الصراع الدولي الدائر.
روسيا غزت أوكرانيا والصين تحاصر تايوان وتعتبرها أرضاً صينية ضمن السيادة الصينية، فهل تتشجع إيران على ضم العراق مثلاً واعتباره أرضاً إيرانية أو امتداداً طبيعياً للأمن القومي الإيراني؟
لقد علّمنا التاريخ أن الغزوات التوسعية وأعمال ضم أراضي دول ضعيفة الى دول كبرى مجاورة نمط مدمّر في السياسات الدولية، فأين نحن اليوم من مثل هذه النمطية في العلاقات الدولية وقد فتحت موسكو شهية كل غازٍ لدخول أراضي دولة مجاورة مستضعَفة؟
فالخليج ساحة من هذه الساحات التي باتت مشرّعة لأخطار الغزو والضم إذ لم ننسَ غزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين لأرض الكويت، كما لم ننسَ القلاقل التي تسبّبت بها إيران والتي قد تعود وتتسبب بها في بعض دول الخليج كما في البحرين والكويت لزعزعة أمنهما وأمن المنطقة الخليجية مجدداً.
اذا قررت واشنطن، بناءً على قرار أوبك+ تخفيض الإنتاج و اعتبار أوبك عدواً لضرب روسيا فسيكون على المملكة العربية السعودية اتخاذ قرار بالنأي بالنفس، وستتعرض أوبك بلاس لمحاولات إسقاط أو تفتيت أو تحييد من جانب أميركا والغرب خاصة أننا على أبواب الشتاء الغربي.
اإقتصادات الغربية في أزمة حادة تكاد معها أية دولة الا تحمّل أي تلاعب بأسعار وقودها، وبالتالي فإن المزاج العام الأوروبي والغربي ﻻ يسمح بقرارات كمثل قرار تخفيض الإنتاج النفطي، خاصة وأن مَن سيستفيد من تخفيض اأسعار هما روسيا والمملكة العربية السعودية بينما باقي الدول فانها ستعاني من أزمة طاقة وأسعار.
الخبراء يتوقعون استمرار ارتفاع أسعار النفط لعقود مقبلة لصالح دول مجلس التعاون الخليجي وﻻ سيما المملكة العربية السعودية فيما إيران تعاني، وبالتالي وفي ظل إدعاء إيران التاريخي بأن الخليج "أرض إيرانية" يجب أن نتوقع هجوماً إيرانياً بالمباشر أو من خلال ذرائع على دول الخليج،
فهل يتجه الخليج الى بناء نظام أمني استراتيجي لحماية نفسه من الأخطار المحدقة به؟
كل المعضلة هي أن دول الخليج واقعة في مأزق التعاطي مع أطراف الصراع الدولي، بحيث فاذا انضمت للنظام الإقليمي الإمني أو ما يُعرف بالناتو الإقليمي تنحاز للولايات المتحدة وبالتالي تصطدم بروسيا وينفرط عقد أوبك بلاس ، واذا تحالفت مع إسرائيل فإنها تتورط ضد إيران وتصبح ساحة انتقام عسكري إيراني مع أذرعها على امتداد المنطقة العربية …

إنها المعضلة التي تفرض على دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية اﻻكتفاء في هذه المرحلة بإدارة الأزمة ومتابعة نأيها بنفسها عن الصراع الدولي، ما يعني مزيداً من التعاون مع أطراف الصراع من موسكو الى واشنطن الى طهران الى بكين .. وبالتالي تجنّب المحظور ولو تعذّر تجنّب ردات الفعل الأميركية الهجومية ضد الرياض وسياسة أوبك بلاس.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: