أسئلة مشروعة كثيرة تُطرح في الساعات القليلة الماضية حول مصير الحرب في أوكرانيا ﻻ بل مصير العالم بعد حادثتين خطيرتين : كلام الرئيس الأميركي جو بايدن عن ارمجدون نهاية العالم في حال استخدمت موسكو سلاحاً نووياً (ارمجدون أو هرمجدون هو إسم معركة نهاية العالم في التوراة) وحادثة تفجير جسر كيرتش اﻻستراتيجي، "فخر روسيا بوتين" والرابط بين شبه جزيرة القرم والأراضي الروسية.يضاف اليهما تسمية بوتين لقائد عسكري جديد ملقب " بالجنرال ارمجدون " لتاريخه الدموي في سوريا هو الجنرال سيرغي سوروفيكين قائداً للمجموعة المشتركة من القوات الروسية في منطقة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
الجنرال سوروفيكين شارك في الحرب الأهلية في طاجكستان خلال تسعينيات القرن الماضي كما في حرب الشيشان الثانية في بداية الألفية الثالثة، بالإضافة الى التدخّل الروسي في سوريا عام ٢٠١٥.تفجير جسر كيرتش يمكن اعتباره بمثابة "١١ سبتمبر روسي" لأن موسكو لطالما حذرت على لسان أكثر من مسؤول رفيع في الدولة من مغبة مهاجمة الجسر اﻻستراتيجي، كما أن التصريحات الرسمية في الساعات الأخيرة، وﻻ سيما تلك الصادرة عن نائب رئيس الدوما، اعتبرت التفجير بمثابة "إعلان حرب" .
السؤال الكبير الآن يُطرح حول ردة الفعل الروسية ﻻ بل الإنتقام الروسي، حيث ترتسم سيناريوهات تبدأ بمهاجمة روسيا البنى التحتية الأوكرانية وﻻ تنتهي باستخدام السلاح النووي التكتيكي ضد مواقع أوكرانية هامة مثل مراكز قيادة وتحكّم، وصوﻻً ربما الى مواقع السلطة في كييف .استخدام السلاح النووي التكيتكي ضد أوكرانيا سيستتبع ﻻ محالة رداً أميركياً قوياً ضد مواقع روسيا في أوكرانيا ما سيعني وقوع المحظور : مواجهة بين القوى النووية الكبرى وبخاصة بين واشنطن وموسكو.
الرئيس الأميركي جو بايدن يُحذر من أن حتى استخدام السلاح التكتيكي اذا ما استُعمل من قبل الروس يمكن أن يخرج عن السيطرة بسرعة ويتسبّب بدمار عالمي، معتقداً ان التهديد النووي وصل الى أعلى مستوياته منذ أزمة صواريخ كوبا عام ١٩٦٢، مستعيناً بهرمجدون المصطلح التوراتي الشهير حول نهاية العالم لوصف ما سيكون عليه العالم عند استخدام سلاح نووي تكتيكي بسهولة.
مسؤولون أميركيون يتخوفون من إقدام روسيا على استخدام قنابل نووية تكتيكية في أوكرانيا لحملها على اﻻستسلام في وقت قالت فيه المتحدثة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن بلادها ﻻ تزال ملتزمة بمبدأ عدم السماح بقيام حرب نووية.من جهتها، صرّحت رئيسة مجلس اﻻتحاد الروسي ( الغرفة العليا في البرلمان) فالنتينا ماتفينينك أنه لم يبقَ لم يبقى لدى الغرب من الأدوات " للإساءة الى سمعة روسيا سوى ترويج الأكاذيب " عن إمكانية استخدام موسكو للسلاح النووي.على المقلب الآخر في كييف، قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إن بلاده تلقّت إشارة واضحة من البيت الأبيض بتوجيهه رسالة قوية الى موسكو بشأن الأسلحة النووية، مشيراً الى أن الحالة الفنية للأسلحة النووية الروسية مشكوك فيها، وأن استخدامها قد يُسفر عن عواقب غير متوقعة.وأشارت تقارير الى أن القوات الروسية قد تستخدم أسلحة نووية تكتيكية في أماكن ذات كثافة سكانية محدودة بعد سلسلة التراجعات التي سجّلتها على جبهات أوكرانيا، وبعد تفجير جسر كيرتش اﻻستراتيجي حيث كل اﻻحتماﻻت من أقصاها الى أقصاها مفتوحة حول تقدير ردة فعل الرئيس بوتين.مما ﻻشك فيه أن ما قبل تفجير الجسر لن يكون كما بعده، فأوروبا اليوم في موقف خطير ومدمّر، لذا وفي معلومات ديبلوماسية أوروبية شديدة اﻻطلاع ثمة تململ أوروبي داخلي من ضغوط كييف والرئيس زيلنسكي عليهم من خلال مطالبهم السياسية والعسكرية والتسليحية والتصعيدية ضد روسيا، ومن نهج إدارة الرئيس بايدن التي ﻻ تقيم وزناً لمصالح حلفاء واشنطن الأوروبيين في مواجهتها بوتين ودعمها أوكرانيا، وقد ذهب بعض المحللين الى حد اتهام واشنطن بتقوية " رأس " الرئيس زيلنسكي على حساب أمن اﻻتحاد الأوروبي واستقراره ومصالحه.
وسط كل هذه الضبابية المقلقة، ثمة قناة تواصل أميركية - روسية لمعالجة مسألة السلاح النووي وإشكالية التهديد به، وهذه القناة الخلفية هي التي تسمح لكل من الأميركيين والروس قراءة ما يدور في خلد كل منهما بالموضوع النووي، ما سمح للرئيس بايدن والمسؤولين الأميركيين بالقول إن تهديد بوتين والقيادة الروسية بالسلاح النووي ليس خدعة بل تهديداً جدياً، في وقت تؤكد فيه موسكو أنها لن تستخدم السلاح النووي إﻻ اذا شعرت أن وحدة أراضيها معرّضة للتهديد.المتحدث بإسم الكرملين ديميتري بيسكوف هو مَن أعلن عن وجود قنوات اتصال بين البلدين رغم محدوديتها ما يسمح كما قال بتبادل رسائل طارئة بين أكبر قوتين نوويتين في العالم.ما بات واضحاً لدى الجميع هو أن الرئيس بوتين، إذا شعر بخسارته في أوكرانيا، قد يلجأ الى الخيار النووي، علماً أن استخدام السلاح النووي لم يُطرح منذ الأزمة الكوبية عام ١٩٦٢ لكن الوضع حالياً مختلف : فالحديث المتزايد عن إمكانية استخدام السلاح النووي يشير الى استعدادات لولوج خيارات محتملة من قبل روسيا إن هي شعرت بالتهديد، خاصة بعد ضمها لمقاطعات أوكرانية أربع للسيادة الروسية واعتبارها بالتالي أراضّ روسية، وبالتالي فإن أي تمادٍ للقوات الأوكرانية في تحرير تلك المقاطعات سيُعتبر بنظر موسكو اعتداءً وتهديداً لأمن روسيا القومي وسلامة أراضيها، ما يبرر لها وفق النظرة الروسية استخدام الوسائل كافة بما فيها السلاح النووي لحماية أمنها وسيادتها، أي بعبارة أوضح استخدام السلاح النووي ضد أوكرانيا، ما سيعني تورط واشنطن والناتو في الرد القوي والمدمّر من الجانب الأميركي على الروس في أوكرانيا، والدخول في دوامة صراع نووي بين القوى الكبرى يقضي على البشرية.
إنها لحظة حبس الأنفاس، وعلى ما يقوله المفكر الروسي الكسندر دوغين صاحب نظرية " الأوراسية " في مؤلفه "الخلاص من الغرب وأساسيات الجيو بوليتيك"، إن الأوراسية هي المنطقة التي تمتد بين أوروبا وآسيا وتشمل حضارات أربع هي : الروسية، الصينية، الهندية والإيرانية بصفتها الممثلة للحضارة الإسلامية، ويزيد قائلاً : إنها في صراع مع الحضارات البحرية الأطلسية التي قادتها بريطانيا وفرنسا قديماً والآن أميركا ...فهل تدفع روسيا ومعها العالم ثمن رغبتها بالسيطرة على أوروبا وآسيا واقتسام العالم مع الحلف الأطلسي .. تيار أوراسي يهدد بتدمير العالم اذا لم تنجح روسيا في تنفيذ خطتها الأوراسية في أوكرانيا، هذا هو الخطر الداهم ... وكما يقول الفيلسوف العسكري اﻻستراتيجي سون تزو في مؤلفه "فن الحرب" : "المحاربون المنتصرون هم الذين يربحون الحرب أوﻻً ثم يخوضون غمارها، والمحاربون المنهزمون هم الذين يخوضون الحرب أوﻻً ثم يسعون الى تحقيق النصر،فأي نصر يمكن لموسكو أن تحققه بعد ...؟