حقائق إيرانية

iran-4610902_1920

لطالما كانت إيران في عهد الشاه الراحل محمد رضى بهلوي أرض التقاء وتحاور بين الشرق والغرب، وقد لعبت في فترة من التاريخ الحديث وبدعم أنكليزي وثم إميركي دورَ "شرطية المنطقة" حيث كانت كلمتها مسموعة ومواقفها متوازنة رغم التوترات التي شابت العلاقات بين طهران وعواصم دول الخليج والمنطقة على خلفيات مطالبات تاريخية جغرافية ونفطية.لكن ثمة حقائق بات من الملّح وضعها أمام الرأي العام حول إيران ما قبل وما بعد الشاه، وبخاصة منذ العام ١٩٧٩ حين قررت عواصم القرار الغربي زرع نظام في إيران يزعزع أنظمة المنطقة وبخاصة الأنظمة الخليجية والعربية، فدخلت المنطقة منذ قيام الثورة الخمينية مرحلة تاريخية من عدم اﻻستقرار والصراعات بدأت مع الحرب العراقية - الإيرانية أيام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وصوﻻً الى ما سمي بالربيع العربي وتداعيات فشله التي تعيشها المنطقة الى الآن.بداية دعونا نتفق بأن إيران ﻻ تعني الثورة الإسلامية الحالية، ولذا اعتمدت تعريف الجمهورية الإسلامية في إيران بدل جمهورية إيران الإسلامية أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية على سبيل المثال.كذلك ﻻ بد من التذكير بأن اللغة الفارسية في إيران ليست لغة إتنيات وأعراق الشعوب الإيرانية لأن اللغة الفارسية فُرضت على مناطق وشعوب ليست إيرانية وﻻ فارسية وﻻ شيعية في إيران.

من هنا ﻻ بد من تسجيل الملاحظات الآتية :

أوﻻً : يتألف الشعب في إيران من أعراق وإتنيات متعددة مختلفة ﻻ يجمعها مع العرق الفارسي شيء، فالأكراد ليسوا فرساً ولغتهم ليست فارسية، كذلك العرب في الأحواز ليسوا فرساً والبلوش ليسوا فرساً ولغتهم ليست فارسية، وكذلك الآزريون ليسوا فرساً ولغتهم ليست فارسية، ما يعني أن القومية الفارسية مفروضة على تلك الأعراق والإتنيات التي تكوّن النسيج الإيراني.

ثانياً : النظام الإيراني الحالي في إيران كما سلفه ليس وريث الإمبراطورية الفارسية لأن عقيدة الإمبراطورية الفارسية ليست عقيدة دينية بل إيديولوجيا توسعية جغرافياً وثرواتياً، فيما النظام الإيراني الحالي عقائدي ديني مبني على تفسير ديني خاص أطلقه مرشدها الأول آية الله الخميني، وبناء عليه وضعت نظرية تصدير الثورة الى مختلف مناطق المنطقة كوسيلة لزرع الشقاق في المجتمعات العربية بين السنّة والشيعة، وبالتالي تهديد الأنظمة الدولتية القائمة، علماً أن النظام في إيران هو مزيج غامض من هيكلية دولة وهيكلية ثورة، ومن هنا التركيبة الإيرانية المعقّدة في حكم البلد حيث نجد على الدوام صعوبة في تحديد مصادر القرارات وإن كانت كلها تصبّ وتصدر من رأس الدولة المرشد الذي يميل أكثر الى منطق الثورة من ميله نحو منطق الدولة، خاصة وأن الثورة الممثّلة بالحرس الثوري هي أساس القرار السيادي والحرس الثوري هو الذي يمتلك مؤسسات عصب النظام بدءاً من مؤسسات الأمن واﻻستخبارات، مروراً بمؤسسات دستورية أساسية، وصوﻻً الى المؤسسات والشركات وشبكات المصالح اﻻقتصادية والمصرفية والمالية، وهذا ما يفسر إصرار طهران في مرحلة من مراحل التفاوض حول النووي مؤخراً على رفع الحرس الثوري من ﻻئحة الإرهاب وحصرها بفيلق القدس، الأمر الذي رفضه الأميركي والغرب.

ثالثاً : النظامان الإيرانيان السابق والحالي ﻻ يقبلان فكرة طغيان العرق العربي على مجال إيران الحيوي، ومن هنا على سبيل المثال ﻻ الحصر تُطلق بإمعان تسمية الخليج الفارسي على الخليج العربي رغم أن كافة المناطق الإيرانية المطلة على الخليج هي مناطق عربية وأهمها الأحواز التي تشمل كل الساحل الإيراني مع دول الخليج، ولا من منطقة فارسية مطلة في إيران على الخليج، ومع ذلك هناك نية "لفرسنة" حتى المياه المطلة على الدول الخليجية والعربية.

رابعاً : في العالم نماذج دول إتحادية بين أعراق وإتنيات تلاقت على الخير العام المشترك كالوﻻيات المتحدة وسويسرا وسواها حيث تعيش هذه الأعراق والإتنيات جنباً الى جنب بمساواة وحرية وندّية، الأمر المفقود في إيران حيث العنصر الفارسي هو الذي يطغى على الأعراق والإتنيات الأخرى كافة، وصولاً الى فرض لغته، لذا فإنه من الصعب أن تسلك أيران كباقي الدول المركّبة مجتمعياً وحضارياً وعرقياً وإتنياً طريق إنشاء اتحاد أو دولة اتحادية لأن الحقيقة أن هناك احتلالاً فارسياً لإيران اجتاح كل الأعراق غير الفارسية، ولذا نجد أن الأكراد مجبرين على أن يكونوا فرساً والآزريون أن يكونوا فرساً وكذلك العرب، فالثقافة التي تسود إيران تهيمن عليها الشخصية الفارسية ويعتمد فقط التاريخ الفارسي فيما تهمل حضارات سائر الأعراق وتاريخها، فعلى سبيل المثال ﻻ الحصر أيضاً للأكراد صلاح الدين الذي يكرهه الفرس ويغيبونه عن كتب التاريخ ويمنعون حتى التداول بتاريخه، كما أننا ﻻ نجد في كافة الحكومات المتعاقبة في إيران وزيراً كردياً أو عربياً أو بلوشياً، من دون أن ننسى غياب العدالة في معاملة السلطات الإيرانية لتلك الأعراق بحيث نجد أن السنّة العرب والأكراد والبلوش ﻻ يحصلون على حقوقهم كما الفارسي، وأكبر دليل على ذلك المظاهرات وتفجّر الغضب والنقمة الشعبية في مناطق غياب الفرس ضد النظام والمرشد منذ مقتل مهسا أميني التي كانت الشرارة ﻻ السبب في اندﻻع اﻻنتفاضة الحالية المستمرة منذ ٥ أسابيع من دون انقطاع أو توقف، ناهيك عن جولات ثورات وانتفاضات سابقة قُمعت بالقوة تحت مسميات الخيانة والعمالة للخارج.

خامساً : انطلاقاً من الحقائق الواردة أعلاه نرى أن إيران مرشحة مع الوقت للتغييرات الجذرية، وهذه حقيقة سوسيولوجية علمية، خاصة وأن حكم النظام الإسلامي الفارسي للعراق خرّب العراق، ما يعني بأن الفرس فشلوا في إدارة بلدهم أوﻻً ودول جوار إيران، وهم جعلوا الريال الإيراني أسوأ عملة في التاريخ، كما زرعوا الجوع والفاقة في إيران، البلد النفطي والزراعي والشعب المثقف، بحيث يصح القول إن الفرس هم أول من أسس ويؤسس لتقسيم إيران. وعود زعيم الثورة الإسلامية آية الله الخميني الى كل من الأكراد والأحوازيين ومجاهدي خلق والبلوش لم تُحترم، وكانت الجبهة العربية لتحرير الأحواز قد صدّقت الخميني ووعوده فجلست في حضنه بدايةً في ظل وعود بالحرية والديمقراطية واحترام اللغة العربية والعرب والكرد والآزريين، لكن ومع وصول الخميني الى طهران اختفت كل الوعود التي كان قد قطعها وهو في فرنسا.

سادساً : الصراع التاريخي قائم بين الفرس والعرب وبخاصة المسلمين السنّة لأن الفرس ﻻ يريدون لهم الخير، وقد انحرف الخطاب الفارسي نحو الطائفية والمذهبية وتكفير الآخرين في الوقت الذي يكفّر فيه الفرس صحابة رسول المسلمين محمد .. من هنا فإن إيران دولة مركّبة إذ لم تكن موجودة قبل الإنكليز والشاه، وقد جاء اﻻنكليز بعد انقراض الدولة القاجارية فاستجلبوا رضى بهلوي ونصّبوه امبراطور كما ابنه محمد رضى أيضاً، ومن بعده قامت الثورة الخمينية فجاء آية الله الخميني ثم علي الخامنئي في وقت قُضي على دولة الأكراد في مهاباد عام ١٩٢٢ لإلحاقهم بالفرس وهم ليسوا فارسيين، و كذلك الأمر بالنسبة للآزريين الذين ألحقوا بإيران بموجب صفقة عُقدت بين ستالين ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، اما في الأحواز فقد قُضي على إمارة الشيخ خزعل بتآمر إنكليزي وأعطيت الأحواز للشاه رضى.اما بالنسبة للبلوش فقد تم تقسيم شبه القارة الهندية التي حكمها المغول المسلمون، فنشأت باكستان والهند وبنغلادش وبلوشستان التي قُسّمت بين إيران وباكستان ...لذلك كله وبحكم التاريخ والجغرافيا والعلم السياسي وعلم السوسيولوجيا السياسية، نجد أن مستقبل إيران الجيو سياسي أمام مفترق طرق حيث من المحتمل جداً أن تنال المناطق الإتنية غير الفارسية ( وﻻ سيما الأحواز العربية وبلوشستان والأكراد والآزريين ) حكماً ذاتياً كمثل إقليم كردستان العراق، فالنسيج الإيراني بالذات وكما هو مكوّن حالياً، وفي ظل تنامي الغضب الشعبي في الأقاليم والمناطق غير الفارسية، يجعل من التركيبة المجتمعية الإيرانية تركيبة هشّة تحمل في ثناياها بوادر التفجّر من الداخل ... ولم ينفع نظام إيران الإسلامي اصطناع ما بات يُعرف بالقضية الشيعية في المنطقة العربية والخليج لأن هذه الورقة احترقت واستنُفدت كاملةً، ولم يحصل اقتتال سنّي- شيعي شامل وعام، بل وفي العديد من دول المنطقة كلبنان على سبيل المثال حيث كانت اﻻصطفافات المذهبية في أوجها بين السنّة والشيعة، لم يحصل أي صدام مباشر شامل وعام، وبالتالي شكّل لبنان نموذج فشل طهران في أثارة الفتنة بين المكونَين المسلمَين داخل مجتمع عربي واحد.

فهل وصل المشروع الإيراني الثوري الى خواتيمه القريبة في المنطقة العربية؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: