كانت التحضيرات قائمة على قدم وساق لتجهيز أطباق المأدبة السويسرية في دار السفارة، وقد تنوعت لائحة الطعام بين السفرة اللبنانية والمائدة السويسرية المنتقصة من النكهة التي تجمع بين أنواع الجبنة السويسرية الفاخرة لغياب النبيذ المرافق تقليدياً وكؤوسه التي تفتتح العشاء عادة بشرب نخب المناسبة، والمناسبة تستحق الأنخاب، فهي تجمع الأضداد في وطن يعاني ما عانته سويسرا منذ حوالي المئتي عام قبل إعلانها فدرالية.
لم تكد أخبار العشاء في السفارة السويسرية تنتشر حتى بدأت التحليلات بتحميل اللقاء أكثر مما يحتمل، من ناحية بعض المدعوين على الأقل مثل القوات اللبنانية التي استجابت للدعوة على قاعدة اللياقات والعلاقات السياسية الجيدة مع سويسرا وطاقم السفارة، وتوسعت الإنتقادات يميناً وشمالاً ووسطاً ليدخل غير المدعوين على خط الإنتقادات بسبب تغييبهم عن الوليمة السويسرية الدسمة، ليختلط الحابل بالنابل ويفرض ظروفاً سياسية غير مؤاتية لعشاء بات تحت مقصلة تحميله ما لا يحتمل.
عند هذا الحد، ومنعاً للتأويلات والإصطياد في المياه العكرة، قررت القوات اللبنانية الإعتذار عن تلبية الدعوة وسحب مشاركة ممثلها في العشاء مما أفقد اللقاء زبدة المائدة، أي جلوس ممثلَي القوات والحزب على طاولة واحدة خارج الإطار المعتاد للقاءات الطبيعية بين الطرفين في قاعات المجلس النيابي وتبادل الأحاديث الإجتماعية بينهما في أمسية غير معدّة سلفاً لناحية وجود مواضيع حوارية حول مسائل خلافية، حتى لو كان العشاء بالنسبة للبعض تمهيدياً من أجل الدعوة للحوار في مرحلة لاحقة فيكون لها موقفاً لاحقاً تتخذه القوات اللبنانية التي تعتبر أن الأولويات اليوم هي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، وبعد ذلك، يبنى على الشيء مقتضاه، ومع تفاقم المواقف والمزايدات اعتذرت القوات عن المشاركة وطار العشاء وكما يقال في العامية “القوات تغدّت المزايدين قبل ما يتعشوها”.