لا يخفى على أحد علاقات نظام الملالي مع كلٍ من تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني والمنظمات الإرهابية المختلفة الأخرى التي ترعاها طهران وتمولها وتأويها وتستخدمها لأغراضها السياسية في أي وقت، كما استخدمت ورقة داعش في اتهامها بالوقوف وراء تفجير شيراز الأخير . ولا يخفى على أحد أيضاً التوتر المتصاعد بين الطرفين التركي و الإيراني على خط أذربيجان والأقلية الاذرية شمال إيران، خاصة في ضوء تطوّر هام جداً حصل في اليومين السابقين مع انعقاد "قمة منظمة الدول التركية السابعة" في سمرقند والتي تضم الدول التركية السبع وهي : تركيا -أوزباكستان - أذربيجان - قرغيزيا - وتركمستان والمجر بصفتي مراقب.هذا التطور تمثّل في تصريحات الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الذي أطلق مواقف أقل ما يُقال فيها أنها تعكس نظرة دول القمة الى الوضع الاذري في إيران، في استيعاب تلك الأقلية من ضمن البوطقة التركية لدولة أذربيجان.
فما قاله الرئيس الأذربيجاني يُعتبر بمثابة دعوة غير مباشرة الى انفصال الاذريين عن دولة إيران والالتحاق بدولتهم الأم.و مما قاله علييف : " إن الوقت قد حان للمنظمة لحماية أمن الهويات الوطنية لمواطنينا الذين يعيشون خارج البلدان الأعضاء وأن يتم استيعابهم".هذا الكلام الخطير والخطير جداً لا يمكن أن يبقى مجرد حبر على ورق، فالغاية من إعلانه التعبير عن توجّه اذري - تركي الى انفصال الاذريين عن الجمهورية الإسلامية في إيران والالتحاق بوطنهم الأم لتأمين أمنهم وسلامتهم، خاصة بعد الذي يجري من ثورة شعبية عارمة في الأقاليم كافة ضد نظام الملالي، ما يزعزع يوماً بعد يوم وحدة إيران ويدفعها باتجاه مرحلة من التفتّت والانقسام والتحلّل منذراً بسقوط النظام من الداخل الإيراني.
والأخطر في الموضوع أنه، وفي نظرة جيو سياسية الى واقع الوجود التركي في المنطقة، نجد أن ثمة احتلالان، إيراني وروسي لمناطق تركية، ما يعني أن أبعاد موقف علييف لا تقتصر فقط على إيران بل تتعداها الى المناطق التركية التي هي تحت سيطرة الروس والمنضمة الى الاتحاد الروسي.إنها لعنة الجغرافيا السياسية التي يبدو أنها بدأت تطل برأسها في منطقة القوقاز وتهدّد بتسونامي جارف من حركات الانفصال المطالِبة بالانضمام الى أوطانها التركية الام.
كلام علييف خطير لصدوره عن رئيس أغنى بلد نفطي في المجموعة التركية، وصعود نجم أذربيجان في وسط العالم التركي أمر متوقّع ويتحقق يوماً بعد يوم، وقد صح الحديث عن اعتبار أذربيجان "صندوق مال" المجموعة التركية، أما خطورته فهي أنه يؤكد أمرين :الأول: تهديد مصير ووحدة أراضي كل من إيران وروسيا الاتحادية ( علماً أن روسيا حليفة أرمينيا ضد أذربيجان فيما تركيا حليفة أذربيجان بطبيعة الحال) من خلال إيقاظ النزعات الإنفصالية لدى المكوّنات الإتنية والعرقية والدينية والثقافية الأقلية الواقعة تحت حكم كلي البلدين.والثاني: أنه يفسّر في قسم هام مبرّرات التحالف الإيراني- الروسي في حرب أوكرانيا من منطلق أنها حرب روسية لمنع تصدّع الاتحاد بفعل النزعات الإنفصالية كما حصل مع الأوكرانيين الذين أرادوا الانضمام الى الناتو والى الاتحاد الأوروبي على حدود روسيا، إذ إن لطهران مصلحة في دعم رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحفاظ على الأراضي السوفياتية السابقة، وبالتالي إعادة توحيد الاتحاد ومنع أي بلد من الخروج عن طاعته، تماماً كما لإيران مصلحة في منع النزعات الإنفصالية لأقلياتها التي تكوّن الشعوب الإيرانية مثل الاقلية الاذرية شمالاً.
إيران مهدَّدة من أذربيجان بوحدتها وأمنها وسلامة أراضيها تماماً كما أن روسيا الاتحادية مهدَّدة من تركيا بوحدتها وأمنها وسلامة أراضيها، وما إشارة الرئيس التركي السابق عبدالله غول الى احتمال إعلان روسيا الحرب على تركيا الا دليلا على وجود احتمالية الصدام المباشر نتيجة السياسة التركية الإقليمية والمدعومة من الدول التركية الست.من تبريز الى أرومي، هناك حوالي 25 مليون اذري تركي شمال إيران وصولاً الى الحدود الاذرية، غالبيتهم من المذهب الشيعي غير المؤمنين بولاية الفقيه لأنها دولة علمانية ومرشحة لضم أكبر كتلة شعبية شيعية في العالم، ما يُسقط النموذج الإيراني الذي يدّعي تمثيل الشيعة حالياً.
موقف الرئيس الأذربيجاني، بالتزامن مع الثورة الإيرانية الشعبية، يدلنا على مدى عمق وخطورة التقلبات والتغييرات الجيو سياسية الآتية في المقبل من الأيام على إيران، ما يدفع بالقيادة الإيرانية الى تصعيد أعمال القمع الدموي ضد الشعوب الثائرة، بحيث تقتل وتنكّل بالبلوش والعرب والأكراد وحتى الفرس المتعاطفين والمشاركين في الثورة من دون المس بالاذريين، ذلك لأن نظام الملالي يُدرك مدى هشاشته من الداخل ومدى احتمالية تسارع سقوطه وتفتّت البلاد فيما لو تجرأ على قمع الاذريين لأن تفجير الصاعق الاذري سيفجّر إيران فوراً ويقضي على النظام بأسرع من المتوقّع.
الواقع الاذري الديمغرافي في ايران والمهدد لوحدة الأراضي الإيرانية مع تصريحات علييف لا يقابله طبعاً من الجانب التركي ارتياح كامل للعنصر الكردي إذ، وفي حال تحرّر المنطقة الاذرية من إيران، فسيعني ذلك تحرّر قسم من الأكراد من السيطرة الإيرانية أيضاً، ما سيشكل مصدر قلق للأتراك لأن الاكراد سيلجأون الى الحدود التركية وخارج السيطرة الإيرانية،لكن بموازاة القلق فإن تركيا ستستفيد بشكل كبير من تحرّر شمال إيران إذ ستتوسع منطقة نفوذ أنقرة على كامل البقعة الجغرافية الرابطة بين الدول التركية الستة أي وصول الإمتداد التركي الى آسيا.
الى جانب الاذريين، فإن الأكراد أيضاً جاهزون لمعركة الانفصال عن إيران، وهم مدعومون من كردستان العراق الذي يشكل الظهير الاستراتيجي لهم، وكذلك البلوش حدودهم مفتوحة بينهم وبين كل من باكستان وأفغانستان ما يضمن انفصالهم عندما يقررون، والعرب كذلك يستطيعون الانفصال بدعم عربي- خليجي- استراتيجي كبير،وبالتالي فإن تركيبة إيران الهشة تجعل نظامها الحالي أكثر شراسة في مواجهة التحديات، وهذا ما قد يفسّر تفجير تقسيم التركية بالأمس والجهة التي تقف وراءه : فسواء كانت داعش أم القاعدة أم العمال الكردستاني، فإن إيران صاحبة المصلحة الأولى والأكيدة في إيصال الرسائل النارية الى الجانب التركي الراعي لمنظمة الدول التركية كتحذير دموي من مغبة التآمر التركي عليها.وسواء هي مَن نفذت أو هي مَن سمحت بتفجير اسطمبول، فإن إيران بدأت ترتكب الأخطاء المميتة انطلاقاً من ذعرها وقلقها المتنامي، والذي عززه حديث الرئيس الأذربيجاني علييف، الأمر الذي قد يؤدي الى مواجهة تركية إيرانية مقبلة ما لم يتراجع النظام الإيراني عن مواقفه ويسلّم بالامر الواقع، وهو ما لا يبدو من طبيعة هذا النظام،وبالتالي لا نستبعد أن يكون انفجار تقسيم في اسطمبول شرارة انطلاق المواجهة الكبرى ... والأيام والأسابيع والأشهر المقبلة ستحمل لنا الجواب اليقين .