في الوقت الذي يتزايد فيه السجال حول تفسير الدستور والذي بات يتكرر مع كل جلسة إنتخابية لرئيس الجمهورية، تبرز تفسيرات عدة للمواد الدستورية، وتتداخل فيها العناصر السياسية مع النصوص القانونية وذلك سواء بالنسبة لنصاب جلسة الإنتخاب أو تشريع الضرورة في المجلس النيابي أو دعوة حكومة تصريف الأعمال إلى الإجتماع لأسباب إستثنائية متصلة بالقطاع الصحي، كما هي الحال اليوم وفق ما طرحه أكثر من نائبٍ على هامش الجلسة الإنتخابية بالأمس.
وبينما ترتفع وتيرة الخلافات حول إدارة الفراغ الرئاسي ومهام المجلس النيابي، تكشف مصادر نيابية مطلعة عن أن كل فريقٍ سياسي، بات يفسّرها بحسب مصالحه وأهوائه السياسية، وظهر هذا الخلاف خلال افتتاح الجلسات الأخيرة، وبشكلٍ خاص منذ الجلسة الخامسة وصولاً إلى الجلسة الثامنة الأخيرة، وهو مرشّح للإستمرار في الجلسات المقبلة.
ومن الواضح أنه، حينما افتّتحت معركة نصاب الدورة الثانية وما يليها، التي يجب أن يُنتخب فيها الرئيس بالأغلبية المطلقة، وبالتالي، بدأ الخلاف على هذا المستوى تحديداً، ولذا تشير المصادر النيابية إلى أن موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، من نصاب الدورات التي تلي الأولى، يجب أن يكون الثلثين، وذلك من أجل ضمان حضور الأطراف السياسية، وذلك بالإستناد إلى رأي دستوري، وبمعزلٍ عن التفسيرات والتأويلات السياسية التي باتت تتكرر في كل جلسة إنتخابية.
وإذ تسأل هذه المصادر عن الجهة المخوّلة تفسير الدستور في هذه الحالة، فهي تكشف أن كلّ هذه التفسيرات لا تتعدى كونها آراءً، لأن من يُفسّر الدستور اليوم، هو مجلس النواب، وإن كان اتفاق الطائف قد نصّ على أن الجهة المخوّلة تفسير الدستور هي المجلس الدستوري. وبالتالي، فإن التفسير اليوم محصورٌ بالمجلس، حيث يحصل في كل جلسة نقاشٌ يبقى من دون أي حسم نتيجة هذا الواقع القانوني.
ومن هنا، تشير هذه المصادر، إلى أنه على المجلس، أن يُفسّر مسألة نصاب الدورات التي تلي الأولى، بعدما لم تعد هذه الصلاحية لدى المجلس الدستوري، علماً أن كل فريق داخل المجلس، يفسّر المواد الدستورية بالشكل الذي يتناسب مع مصالحه ووفق مقاربة غير معروفة من الجميع، وهو ما يساهم في زيادة منسوب الإنقسامات السياسية والنيابية، ولسبب واضحٍ وهو أن الجهة المخوّلة تفسير الدستور هي نفسها عرضة للجدل في لبنان.
لكن هذا الواقع لا يجب أن يحول دون أن يقوم المجلس النيابي ورئاسة المجلس بعرض مرتكزات التفسير لمسألة النصاب، كون هذه المهمة باتت تقع على عاتقه، حيث تؤكد المصادر النيابية نفسها، أنه من الأهمية اليوم، أن يُصار إلى وضع نصٍّ صريح يُحدّد بدايةً الجهة المخوّلة تفسير الدستور، ومن ثمّ اعتماد نصوصٍ تفسيرية أصلية، تكون المرجع النهائي للمسائل العالقة، وذلك بدلاً عن الإستناد إلى نصوصٍ مُبهمة وخلافية بين النواب كما بين الدستوريين.
