فضح مرشد الجمهورية الإسلامية في ايران علي خامنئي منذ أيام حقيقة استراتيجية نظامه في المنطقة، مطلقا مواقف مباشرة وصريحة ربط من خلالها وجود وكلاء ايران وميليشياتها في المنطقة بمواجهة ايران لما اعتبره مؤامرة غربية على نظامه .
هذا الكلام سبقه مرارا وتكرارا تأكيد عدد من المسؤولين الايرانيين، ان وكلاء ايران يسيطرون على ست عواصم عربية ويشكلون خط دفاع اول نظام طهران , تلك التصاريح والمواقف ناقضت الوكلاء، وعلى راسهم حزب الله اللبناني , في نفيهم أي ارتباط لهم باجندة النظام الإيراني، ورفض اعتبارهم عملاء لإيران ونظامه ومولجين تنفيذ مخططاته.
ان اهم ما يمكن استخلاصه من كلام المرشد الإيراني انه فضح بشكل واضح لا يقبل أي التباس، الرؤية الإيرانية للمنطقة والدور المنوط بالميليشيات والوكلاء الإقليميين في حماية النظام معتبرا ان العمق الاستراتيجي للنظام مكون من ستة دول كان يجب على الاميركيين ان يسيطروا عليها قبل الوصول الى طهران .
من هنا برر المرشد ضرورة الإطاحة بانظمة الدول التي احتلها نظامه وبخاصة في العراق وسوريا ولبنان حيث تبجح بانتصار حققه نظامه في تلك الدول من خلال الانقلاب على حكوماتها.
لقد اعتبر خامنئي ان ايران نجحت في افشال المخططات الغربية وبخاصة الأميركية التي كانت تستهدفها عبر أنظمة تلك الدول الثلاث .
اللافت ان موقف المسؤول الايراني لم يلق ردود فعل على مستوى خطورته، وهو موقف شكل منعطفا جديدا وخطرا في المواجهة القائمة بين ايران والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية .
المرشد قالها بالفم الملآن : نحن سيطرنا على دول عربية من اجل مواجهة اميركا والغرب في مؤامرتهم على النظام في طهران ونجحنا في احباط هذه المؤامرة بمجرد اننا نجحنا في احتلال تلك الدول وتغيير أنظمتها بما يخدم مصالحنا ومتطلبات المواجهة .
المرشد خامنئي اقر أيضا بان دخول ايران بواسطة وكلائها الى تلك الدول العربية لم يكن لدعم مصالح تلك الدول بل لصون مصالحها.
انطلاقا من كلام المرشد خامنئي لم يعد بامكان الميليشيات الإيرانية المحتلة لتلك الدول ومنها حزب الله في لبنان اقناع الرأي العام بانها مقاومة لإسرائيل وبانها موجودة تلك لحماية سيادة وامن تلك الدول او لاسباب تتعلق بتحرير القدس وفلسطين.
المرشد نفسه اقر بان تلك الميليشيات تعمل باسمه ولصالحه وهي موظفة عنده وهو رب عملها وصاحب القرار الأول والأخير لديها … وبالتالي انكشف المستور بشكل واضح وفاضح وبات على الراي العام في تلك الدول المحتلة ومنها لبنان ان يستخلص العبر ويغير جذريا في مقاربته للتعاطي مع الميليشيات والسلاح غير الشرعي على قاعدة انها قوة احتلال بكل معنى الكلمة وبانها موجودة في التركيبة الداخلية للدول المعنية لمصادرة قراراتها وسيادتها واستقلالها وتحويلها الى ادوات ومساحات لمواجهة إيران لخصومها، من دون اي اعتبار للاثمان الباهظة التي تدفعها شعوب هذه الدول.
كلام المرشد خامنئي عن مواجهات وانتصارات وافشال مؤامرة أميركية غربية ضد نظامه وضدّ الجمهورية الإسلامية يستوقفنا أيضا، خصوصا لجهة مضامين المصطلحات التي استخدمها.
فعندما يتكلم المرشد عن انتصار على مؤامرة أميركية إسرائيلية من خلال التدخل في التظاهرات الشعبية انما يدين نفسه بنفسه اذ يفضح ضعف نظامه وحكومته وقواته الأمنية وحرسه الثوري في منع حصول خروقات أميركية إسرائيلية في الداخل الإيراني، مثل حض الشعب على التظاهر والتأثير على الجامعات والنقابات والهيئات : فكيف يمكن لاميركا وإسرائيل ان تقفا وراء التظاهرات الشعبية على مدار ثلاثة اشهر، ان لم يكن لديهما موطىء قدم وتاثير على الداخل الإيراني، الامر الذي يضعف مصداقية النظام الإيراني وقدرته على حماية امنه القومي والداخلي.
من هنا يطرح السؤال: عن أي انتصار يتكلم المرشد ان كان التدخل الأميركي والإسرائيلي على حد زعمه موجود في الداخل الإيراني، وتاثيره شامل على القطاعات الشعبية والنقابية والطلابية في ايران ؟
ثم عندما يتكلم عن انتصار على المؤامرة الغربية الأميركية الإسرائيلية الا يفترض به ان يعرض نتائج الانتصار ؟
فاي انتصار مثلا في لبنان وقد اصدر البنك الدولي حديثا اخطر تقرير عن الوضع في لبنان والذي استبعد تعافي لبنان من الانهيار، مرجحا ان يصبح هذا البلد في أسوأ مركز من بين مجموعة من الدول، وارتفاع التضخم الى نسب جنونية تلامس ال 150% والانكماش الكبير التراكمي منذ العام 2018 والذب بلغت نسبته 37% وهي اعلى نسبة عالميا، وقد قضت هذه النسبة على نمو اقتصادي كان حققه لبنان في مرحلة سابقة.
والأخطر ان التقرير ذكر اجمالي الخسائر المالية في لبنان بلغ 72 مليار دولار … فاين الانتصار في مثل هذه الجردة الكارثية لبلد من بلدان الاحتلال الإيراني ؟
نتكلم عن لبنان دون ان نغفل كارثية الأوضاع في اليمن والعراق والتي يتبجح المرشد بانتصاره على اعدائه فيها .
الى جانب كل هذا تشدد ادبيات المسؤولين الإيرانيين وعلى راسهم المرشد علي خامنئي على مفهوم المواجهة : مواجهة من ؟ وكيف ؟ ومتى ؟
فهل بقصف وضرب مقرات أحزاب إيرانية معارضة في إقليم كردستان العراق يواجه المرشد مؤامرة اميركا وإسرائيل ؟ هل بقصف كردستان العراق تواجه الجمهورية الإسلامية المؤامرة الغربية الإسرائيلية وهي التي ومنذ العام 1979 ترفع لواء الدفاع عن القدس وفلسطين ومحو إسرائيل من الوجود ومحاربة الاستكبار الأميركي الشيطان الأكبر … ؟
بتدمير العراق يواجه المرشد المؤامرة الغربية عليه ؟ وهو ونظامه كانوا لسنوات ينسقون مع الاميركيين لا بل منذ بول بريمر حاكم العراق اثر سقوط نظام صدام حسين كان التنسيق على اكمل الوجه بين البلدين، وقد بلغ الامر بالرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي الى البوح بتعاون وتنسيق مباشر مع الاميركيين في العراق فمنذ ذلك الحين لا حكومة في العراق الا بالتوافق بين واشنطن وطهران …حتى ان واشنطن دعمت المالكي للبقاء في السلطة مرتين والمالكي هو حليف علني لايران.
اذا منطق المواجهة والانتصار يبقى من صنع خيال القيادة الإيرانية يسوقه للدعاية المحلية الداخلية ولحلفاء المحور الإيراني.
هل نسي المرشد اغتيال قاسم سليماني ؟
وهل يسجل المرشد عمليات الاغتيال المتكررة داخل ايران ضد علماء ورجال حرس ثوري إيراني وتفجير مواقع وهجوم سيبراني تلو الهجوم ، كانتصارات ايضاً؟
وهل مئات الغارات إلاسرائيلية على مواقع إيران وحزب الله في سوريا دون أي رد او اية مواجهة عسكرية تُعدّ انتصارات؟
المواجهة الوحيدة على ما يبدو التي يفقهها النظام في ايران هو مواجهة الشعوب في اليمن ولبنان والعراق وسوريا والانتصار في تلك الدول يعني انهيارها على اكثر من مستوى،
كلام المرشد الأخير فضيحة كبرى بكل المقاييس ودليل إضافي جديد على ان العد العكسي لتراجع النظام واحتمال سقوطه قد بدأ، وما تصورات ومواقف القيادة في ايران الا انعكاس لانفصال تام عن الواقع وعن الحقائق.
