الحرس الثوري الإيراني في مهبّ رياح المواجهة مع الغرب

FILE PHOTO: The Iranian flag waves in front of the International Atomic Energy Agency (IAEA) headquarters, before the beginning of a board of governors meeting, in Vienna, Austria, March 1, 2021. REUTERS/Lisi Niesner/File Photo/File Photo

طالبَ البرلمان الأوروبي منذ ساعات بإدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية السوداء، داعياً الى فرض عقوبات إقتصادية عليه، في ما يبدو أنه منعطفٌ خطيرٌ وكبير في العلاقات الأوروبية مع الجمهورية الإسلامية في إيران على خلفية إدانة النظام في طهران أعمال قمع وإعدام المعارضين والمنتفضين من أبناء الشعب الإيراني على النظام.
هذه الخطوة الأوروبية، ولو أنها أتت مع بعض التأخير، فهي تبقى أفضل من أن لا تأتي لا سيما وأن العلاقات الإيرانية - الغربية دخلت مرحلة جديدة من التوّتر منذ اصطفاف إيران الى جانب موسكو في حربها ضد أوكرانيا، وتسليم الروس مسيّرات وصواريخ لضرب البنى التحتية الأوكرانية.
صحيفة " روزكار " اعتبرت أن الغرب دخلَ مرحلة جديدة في التعامل مع إيران، وتصنيف الحرس الثوري الإيراني بمثابة إعلان حرب عليها.
البرلمان الإيراني من جهته ردّ على خطوة نظيره الأوروبي بالإعلان أن معاقبة الحرس الثوري تعرّض مصالح الاتحاد الأوروبي للخطر، وأن فرض مثل هذه العقوبات على الحرس الثوري ستترتّب عليه تكاليف باهظة.
خطوة البرلمان الأوروبي تجاه الحرس الثوري تأتي نتيجة تراكم عمليات إرهابية نفذها الحرس الثوري على مدار أشهر وسنوات على دول الاتحاد، كما على سبيل المثال في المانيا حيث ألقت السلطات الألمانية مؤخراً القبض على مشتبه به إيراني الجنسية كان يستعدّ لعملية إرهابية شديدة الخطورة من نوع "الهجوم البيولوجي"، وقد تمكنت السلطات في دوسلدورف من إيقافه مع العلم أن العلاقات الألمانية - الإيرانية لطالما وصفت بأفضل علاقات بين دولة أوروبية والجمهورية الإسلامية.
السفير الإيراني في موسكو كاظم جلالي كان قد أكد أن التعاون بين بلاده والروس في المجالات العسكرية مستمرة في صورة مستدامة وبنّاءة في إطار المصالح المشتركة بين البلدين، وقد حصلت روسيا من إيران في مجال التعاون على 1700 مسيّرة أو طائرة من دون طيار الى الآن في الحرب على أوكرانيا.
كذلك نقل جلالي أن التعاون تجاوز موضوع الطائرات من دون طيار ليصل الى اتفاق على تصنيع مسيّرات إيرانية في روسيا نفسها،
وأجمعت تقارير استخباراتية غربية على أن إيران وروسيا اتفقتا أيضاً على حصول موسكو على صواريخ باليستية إيرانية.
كل هذه التطورات والمواقف الإيرانية المتورّطة في أعمال إرهابية وحرب تعني أن خطر الجمهورية الإسلامية بات يتجاوز بكثير التأثيرات السلبية في منطقة الشرق الأوسط ليصل الى العمق الأوروبي نفسه، سواء في العواصم الأوروبية أو في تورّط طهران الى جانب موسكو في الحرب الروسية على أوكرانيا، وأوروبا لا تزال الى الآن تبحث وتدرس معاقبة الحرس الثوري الإيراني.
حتى في قلب مجلس الأمن الدولي تعالت أصوات ومواقف تطالب بتصنيف ميليشيا الحوثي منظمة إرهابية، وقد جدّد نائب المندوبة الأميركية في مجلس الأمن السفير ريتشارد ميلز دعوة جماعة الحوثي لتغيير مسارهم والانخراط جدياً في مفاوضات السلام بالتزامن مع إحباط البحرية الأميركية عملية تهريب أسلحة وعتاد من إيران الى ميليشيا الحوثي في خليج عمان،
فالدور التخريبي لإيران بلغَ مداه الأقصى وباتت اللعبة الإيرانية الإبتزازية للغرب مفضوحةً ومكشوفة لأن طهران لم يعد لديها ما تخسره : فالاتفاق النووي انتهى والتخصيب عاد الى وتيرته العالية وطهران تخسر شيئاً فشيئاً الورقة العراقية مع انعطافة رئيس الوزراء العراقي إيجابياً تجاه الوجود الأميركي في العراق ولصالح استمراره، كما أن الانتفاضة الشعبية داخل إيران والتي تقمع بالقوة والدم والعنف فاقت قدرة احتمال أوروبا لها وقدرة السكوت عنها، خاصة مع إعدام نائب وزير الدفاع الإيراني السابق على رضا أكبري والذي وصفته بريطانيا بالعمل الجبان والهمجي …
حتى أن كوريا الجنوبية اشتبكت مع طهران على خلفية تصريح الرئيس الكوري الجنوبي أثناء زيارته دولة الإمارات مؤخراً حيث صرّح بأن أمن الوطن الشقيق هو أمن كوريا الجنوبية وأن عدو الإمارات أكثر دولها تهديداً إيران وعدونا كوريا الجنوبية، فالوضع بين كوريا الجنوبية والإمارات متشابه كما وصف الرئيس الكوري الجنوبي الوضع الإيراني، وقد أدت هذه التصريحات الى استفزاز طهران التي استدعت السفير الكوري الجنوبي في طهران للتعبير عن احتجاجها على هذه التصريحات،
وبالتالي فإن الطوق الدولي يشتد حول عنق نظام الملالي في طهران، ما يحتم توقّع الكثير من ردود الفعل الإيرانية من خلال أوراق ضغطها ومنها على سبيل المثال الورقة اللبنانية مع ميليشيا حزب الله التي انعكست تشنّجاً داخلياً وتعذراً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية،
فوقت تنازل طهران عن بعض أوراقها في مقابل مكاسب لا يزال باكراً ومن هنا الإطالة المتوقّعة لانتخاب رئيس جديد للبنان .

البرلمان الأوروبي أدان بأشد العبارات أحكام الإعدامات المتلاحقة و إعدام المتظاهرين السلميين في إيران، مطالباً السلطات الإيرانية بإنهاء أعمال القمع ضد شعبها، وحثّ المشرعين على ضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المتظاهرين المحكوم عليهم بالإعدام، كما أدانوا حقيقة إستخدام النظام الإجراءات القانونية وعقوبة الإعدام بوصفها سلاحاً لقمع المعارضة ومعاقبة المواطنين لممارستهم حقوقهم الأساسية. النواب الأوروبيون يريدون محاسبة المسؤولين عن مقتل المئات من المتظاهرين داعين إلى توسيع الإجراءات التقييدية ضد إيران إذا استمرت في تزويد روسيا بطائرات من دون طيار وصواريخ.

أهمية ما يحصل من تصعيد للتوتر بين الاتحاد الأوروبي وإيران تكمن في أن طهران بدأت تخسر صديقاً أوروبياً لطالما كان يشكّل لها الممر الإلزامي الاستراتيجي والصديق المستمع والمتفهّم الذي كان يضمن للإيرانيين على الدوام التواصل مع الأميركيين خاصة في موضوع التفاوض في الملف النووي، وبالتالي خسارة طهران لهذا الطرف يعني أكثر فأكثر ليس تصاعد المواجهة بين الغرب وإيران فقط بل وأيضاً سقوط آمال استثمارات أوروبية لديها، أي سقوط الأمل بانتعاش اقتصادي ومالي كانت تعوّل طهران الآمال عليه لو استمر الدور الأوروبي الإيجابي معها، وبالتالي فإن انفصال نظام الملالي عن العالم وزيادة عزلته يوماً بعد يوم يضيّق من مجالات المناورة لدى الإيرانيين، علماً أن الحرس الثوري هو العصب الأساسي اقتصادياً ومالياً وعسكرياً لهذا النظام، فأي ضربة توجّه اليه تكون حكماً موجّهة مباشرةً ضد النظام في طهران وتزيد من هشاشته ووَهَنه رغم كل ما تحاول البروباغاندا الإيرانية الإيهام به.

تراجع العلاقات الأوروبية - الإيرانية يبدو بلا فرامل وقد تصل العلاقات بين الطرفين الى أقصى درجات التوتر الذي يصبح معه من الصعب إيقاف التصعيد، وبالتالي اللجؤ الى خيارات تقلب الطاولة على ما عهدناه من نمطية أوروبية في النظرة البراغماتية الى إيران ودورها في المنطقة والعالم.

الحرس الثوري في مهبّ رياح المواجهة مع الغرب، وهذه الواقعة من علامات انحدار النظام في طهران وتلاقي ما سبق وقيل وكُتب في أكثر من مقال لنا، فالعدّ العكسي لانتهاء النظام الإيراني على قدم وساق، وقد يشهد فصولاً جديدة من الانحدار ليس فقط مع أوروبا لا بل مع الغير سواء في الإقليم أو خارجه، فلا يجب أن ننسى مثلاً إسرائيل التي قد تفاجئنا جميعاً بضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني لأن كل العناصر والظروف مجتمعة ومتلائمة لمثل هكذا تطوّر مفصلي.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: