إسرائيل وتدبّر أمر مخلوق إيران الفرانكشتايني

_127315680_gettyimages-1393895060

بات من الواضح والجلي أن برنامج إيران النووي يشكّل مصدر القلق والتهديد الأول والأساسي لإسرائيل كما للمصالح الغربية في المنطقة وأوروبا على خلفية التحالف شبه المكتمل بين روسيا والجمهورية الإسلامية في إيران.
كما بات من الواضح والجلي أن الجمهورية الإسلامية في إيران باتت محاصرة إقليمياً ودولياً، وقد بدأت العقوبات تنهال عليها من كل حدبٍ وصوب لسبب معلن ألا وهو قتل النظام للمتظاهرين والمحتجّين، ولسبب باطني هو اصطفاف طهران الى جانب موسكو في حربها في أوكرانيا وعلى أبواب أوروبا.

هذا القلق الإسرائيلي الكبير تضاعفَ مع تزايد التعاون العسكري بين روسيا وإيران إذ ان هذا التعاون في لحظة ابتعاد أي أمل في إنجاز اتفاق نووي جديد يعني إطلاق يد إيران في تهديد الأمن الإقليمي والدولي انتقاماً من الغرب ومن عقوباته وآخرها العقوبات على الحرس الثوري الإيراني.

روسيا التي لم تكن لتستسيغ إيران عندما كانت تتقاسم معها "الكعكة السورية" قبل 25 شباط 2022، تاريخ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبحت اليوم متعاونة ومتحالفة مع نظام الملالي في لحظة تقاطع المصالح المشتركة بين البلدين لكيد الغرب وحلفائهم الإقليميين، لدرجة استعداد موسكو لمساعدة طهران في برنامجها النووي وتطوير أنظمتها العسكرية.

إسرائيل أكثر دول المنطقة قلقاً من اكتساب إيران المعرفة والخبرة النووية وغير النووية اذا ما حصل هذا التعاون الروسي معها على برنامجها النووي، في مقابل معاونة طهران لموسكو في حربها على أوكرانيا، ما يعزّز من قدرتها على مهاجمة أهداف في الشرق الأوسط.

إسرائيل ليست ضد وجود إيران ودورها الإقليمي المزعزِع للاستقرار والأمن العربي، لكنها ضد وصول إيران الى العتبة النووية وتمكنها من امتلاك السلاح النووي، وقد ارتفعت نسبة القلق الإسرائيلي هذا بعد قيام إيران بتزويد روسيا بطائرات من دون طيار، وتعاون الدولتين اللاحق في هذا الموضوع،
ففي وقت سابق ومن البحرين، حذّر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال هولاتا، من أن إيران قد تزوّد موسكو أيضاً بصواريخ باليستية قصيرة المدى كجزء من تعاونها العسكري مع الروس، فيما السفير الإسرائيلي في روسيا نقل مخاوف إسرائيل في محادثاته مع نائب وزير الخارجية الروسي.

التقارب المتصاعد بين إيران وروسيا يزيد كل يوم من فرص تقويض أي توقيع على أي اتفاق نووي جديد مع طهران بشكل كبير، وقد باتت تل أبيب تعتبر أن فرص الولايات المتحدة وأوروبا في السعي لمثل هذه الصفقة في الوقت الحالي تكاد تكون معدومة.

في الواقع، هناك أمر هام جداً لا يتناوله الإعلام العالمي كثيراً، وهو أن الحرب في أوكرانيا واصطفاف الأوروبيين والغرب ضد إيران وروسيا يكاد ينهي قدرة الغرب على تشكيل جبهة مشتركة مع روسيا ضد إيران في موضوع أي اتفاق نووي جديد، فيما يشعر المشاركون الآخرون في المحادثات بالقلق حول قدرة روسيا على القيام بالدور الذي أسنَده اليها الاتفاق النووي الأصلي، وهو الإشراف على اليورانيوم المخصّب الذي كان من المفترض إزالته من إيران بموجب تلك الصفقة النووية لو عُقدت.

أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية باتت مقتنعة أن إيران ستصل قريباً الى نسبة تخصيب اليورانيوم بمستوى 90 في المئة المطلوب لصنع سلاح نووي، في وقت تعلن فيه طهران للوكالة الدولية للطاقة النووية أنها تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم إلى مستوى أقل من 60 في المئة في منشأة فوردو النووية الإيرانية.

ويلاحظ أنه، وعلى الرغم من أن تحالف طهران المتطوّر مع موسكو يقلق الإسرائيليين في ما يعود الى تعزيز القدرات الهجومية لإيران، لكنه في نفس الوقت نراه يسهّل حملة إسرائيل لمنع التوصّل إلى اتفاق نووي جديد ويعطي لتل أبيب ذريعة ضرب البرنامج النووي الإيراني.

البيت الأبيض بدوره انتقل من الهرولة باتجاه التوقيع مع الإيرانيين على اتفاق نووي جديد الى مرحلة مخاصمة نظام الملالي بسبب تطرّف طهران الجيو سياسي، حيث تُجمع التقارير على حصول انتهاكات كبيرة وخطيرة لحقوق الإنسان وجرائم فظيعة في حق المتظاهرين المناوئين لحقوق الإنسان، فضلاً عن تحالفها مع الروس في أوكرانيا.

البرنامج النووي الإيراني تقدّم بشكل ملحوظ خلال العام الماضي وقد باتت خطواته باتجاه تصنيع السلاح النووي قاب قوسين أو أدنى من التحقّق، وقد طلبت إسرائيل في عهد حكومة يائير لابيد السابقة من المجتمع الدولي إعداد خطط عملية ودبلوماسية واقتصادية لمواجهة طهران واتخاذ خطوات ضدها في مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية باستكمال تحقيقها في آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في مواقع لا يوجد فيها نشاط نووي معلن لإيران.

إسرائيل لا تستطيع تحمّل أن تكون إيران قد زادت من تصنيعها لأجهزة الطرد المركزي المتطوّرة بعدة مئات خلال العام الماضي، وهي تمتلك حالياً على الأقل ضعف العدد في كل من منشأتي نطنز وفوردو، علاوة على ذلك ضاعفت إيران قدرات التخصيب 3 مرات في فوردو خلافاً للحظر الذي يقيمه الاتفاق النووي الأصلي الذي لم تنسحب منه إيران.

طبعاً هذه المرحلة محفوفة بالمخاطر الإقليمية والدولية في آن، كما أن إسرائيل راهناً في ظل حكومة يمينية متطرّفة أكثر عداء للبرنامج النووي الإيراني، لن تتوانى مع اشتداد الصراع الدولي والتوترات الإقليمية والدولية، ومحاصرة إيران بالعقوبات الغربية وعودة التباعد الخليجي الإيراني، والغضب الأوروبي من وقوف طهران الى جانب موسكو ضد أوكرانيا من القيام بعمل عسكري ما ضد البرنامج النووي الإيراني، مستفيدين من مناخات الإشمئزاز الأميركي والغربي والتوجّس العربي والخليجي من نظام طهران لقطع رأس المخلوق العجيب الغريب الذي لم يعد بمقدور الغرب الذي صنعه من ترويضه وتدجينه، وقد انقلب على مصالح هذا الغرب وبات في لحظة التقاطع الدولي والإقليمي خطراً داهماً من الخليج العربي الى نهر دنيبرو في أوكرانيا.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: