إسرائيل بين التطرّف اليميني وخيبة شعب محتل !!

front-280123-palestine

في ضوء العملية الفلسطينية التي استهدفت ليل أمس كنيساً إسرائيلياً في مستوطنة النبي يعقوب وأدت الى سقوط 7 قتلى و10 جرحى من الإسرائيليين، ومقتل منفذ العملية الذي تبين أنه شاب بعمر 21 سنة من سكان القدس الشرقية وغير خاضع لأية إجراءات رقابية ولا سوابق أمنية له وغير منتمٍ الى إحدى المنظمات الفلسطينية في قطاع غزة أو الضفة الغربية، تطرح مجدداً أكثر من علامة استفهام حول المنحى الذي بدأت الأحداث تأخذ طريقها اليه مجدداً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة في ظل سلسلة من التطورات السياسية والأمنية في الآونة الأخيرة كان آخرها العملية العسكرية للقوات الإسرائيلية أول من أمس في جنين حيث أعلنت السلطات الإسرائيلية مقتل 9 ممن وصفتهم بالإرهابيين الذين كانوا يعدّون لتنفيذ عمليات ضد المناطق الإسرائيلية.
أهمية توقيت العملية ليل أمس تكمن في أنها تمت في وقت صلاة يوم السبت اليهودي حيث تكتظ المعابد اليهودية بالمصلّين، وفي اليوم العالمي لاستذكار "الهولوكوست اليهودي" على أيدي الألمان النازيين.
لم تتبنَ حركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامي العملية رسمياً لكنها أثنت على منفّذها واعتبرتها رداً طبيعياً على مقتل الفلسطينيين التسعة في جنين.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو توعّد بالرد الحازم وبدم بارد، ودعى الى انعقاد مجلس وزاري لاتخاذ إجراءات إنتقامية ما يُنذر بتصعيد لا تُحمد عقباه، والجدير ملاحظته أن هذه العملية تأتي عشية وصول وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الى إسرائيل والأراضي الفلسطينية في زيارة تبدأ يوم الإثنين المقبل .
ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يعود بقوة الى الواجهة خاصة في ظل الدوامة التي يعاني منها هذا الملف منذ سنوات، ومع تقاطع مستجدات وتطورات إقليمية ودولية كان لها التأثير المباشر في انخفاض الاهتمام والزخم الدوليين اللازمين بهذا الملف،
ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي دخل في الآونة الأخيرة مرحلة شبيهة بالنسيان مع انهماك القوى الدولية والإقليمية الراعية له، بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وصولاً الى الدول العربية والخليجية بالملفات الاستراتيجية الداهمة والتي حاصرتها مباشرة، من الحرب الروسية في أوكرانيا وصولاً الى الملف الإيراني، مروراً باتفاقيات التطبيع العربي- الإسرائيلي أو ما اصطُلح على تسميتها بالاتفاقيات الإبراهيمية.
يُضاف الى هذه التطورات ضعف القيادة الفلسطينية الحالية لا بل ترهلها على مر السنوات الأخيرة، مع عجز الرئيس محمود عباس عن تقديم أي جديد تهرّباً من المسّ بخطوط حمراء فلسطينية لم يعد عباس قادراً على تحمّل تبعاتها في سنه المتقدّم، مفضلاً الانكفاء على المبادرة والتمسك بمرجعية أوسلو واتفاقيات غزة وأريحا وتوابعهما، ما خلقَ مشكلة إضافية تمثّلت، ولا تزال، بغياب المُحاور الفلسطيني الجدي والقادر، خاصة وأن الغرب آخر ما يمكنه القبول به أن يكون المُحاور الفلسطيني حماس أو الجهاد الإسلامي على سبيل المثال،
فالسلطة الفلسطينية متراجعة وتعاني من أزمات داخلية ومن أزمة مصداقية وفعالية وشفافية في ظل الفساد الذي يضربها من الداخل، فيما حركتا الجهاد الإسلامي وحماس تعانيان من أزمة شرعية فلسطينية وطنية أولاً وعربية خليجية ثانياً وإقليمية دولية ثالثاً، وهما مصنفتان منظمتين إرهابيتين لدى الغرب، وينظر اليهما على انهما تابعتين لإيران وميليشياتها في المنطقة وتنفذان أجندة ولاية الفقيه فيها، وبالتالي يفتقدان الى المشروعية والشرعية بنظر الغرب وجزء كبير من العالم العربي ودول الخليج.

الملف الفلسطيني- الإسرائيلي عاد الى واجهة الأحداث وبقوة وخطورة لافتة هذه المرة، لدرجة يُخشى أن تؤدي الأحداث الأمنية التي وقعت في الأيام القليلة الماضية وبالأمس الى اندلاع انتفاضة ثالثة أكثر عنفاً ودمويةً، والوقوع في دوامة جنونية جديدة من الاقتتال، خاصة وأن الشعب الفلسطيني الواقع تحت الإحتلال يشعر أنه تُرك وحيداً في السنوات الأخيرة يواجه مصيره، ومعه التطرّف الإسرائيلي المتصاعد وصولاً الى حكومة بنيامين نتاناهو الحالية اليمنية الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل، وكذلك شعوره بعجز قيادته الرسمية عن تحقيق أي خرق سياسي أو ديبلوماسي لصالح حل الدولتين، وذلك لغياب اهتمام الرعاة الدوليين والإقليميين، والأهم من كل ذلك ضيق أفق الحلول مع دفن اليمين الإسرائيلي المتطرّف لفكرة إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
في المقابل، إسرائيل رفضت حل الدولتين وهي راهناً تريد تشجيع الاستيطان وتعديل قوانين أساسية في البلاد من شأنها توسيع الشرخ بين العرب واليهود في إسرائيل، فضلاً عن تشدّدها في مواجهة البرنامج النووي الإيراني ومواجهة تهديد ميليشيات إيران في المحيط القريب منها لأمن إسرائيل، من لبنان وسوريا ومن بوابة الأردن … ما يزيد من التشدّد الإسرائيلي والسلبية في القبول بأي تنازل قد يُفسّر من الرأي العام الإسرائيلي على أنه ضعف أو تراجع من حكومته تجاه الأخطار المحدِقة بإسرائيل من كل الجهات وكذلك في الداخل
من هنا، فإن توعّد نتانياهو بالردّ على عملية مساء أمس في النبي يعقوب ينطوي على رسالتين : الأولى داخلية للشعب الإسرائيلي والرأي العام الإسرائيلي بأن حكومة اليمين المتطرّف التي وعد رئيسها شعبه بأنه سيحمي إسرائيل بأفضل مما قام به أسلافه اليساريين واليمينيين الوسطيين بينيت ولابيد هي على قدر التحدّي، وسوف يكون الردّ قوياً وحازماً، ورسالة ثانية موجّهة الى الفلسطينيين بأن أي عملية تُنفذ على إسرائيليين وتستهدف أمن إسرائيل سيتم الردّ عليها بشكل عنيف ومدمّر ومن دون مراعاة لاية خطوط حمراء.
لكن الصعوبة أمام ردّ الحكومة الإسرائيلية هذه المرة تكمن في أن عملية كنيس النبي يعقوب لم تتبناها حماس ولا الجهاد الإسلامي، وقد نفذها ذئب منفرد لا ينتمي لتنظيم ولا سوابق جرمية أو أمنية له وهو عربي من سكان القدس الشرقية، وبالتالي ليس معلوماً ما هي الأهداف التي سيتضمنها الردّ الإسرائيلي على هذه العملية.
وفي هذا الإطار، برز منذ إقامة جدران الفصل الأمني بين الأراضي الفلسطينية والإسرائيلية نوع جديد من أساليب العمليات الإنتحارية وهي العمليات الفردية التي لا تتبناها أحزاب أو حركات أو منظمات، بحيث يقوم بتنفيذها شخص فرد لدوافع شخصية مثلاً كما هي حال منفذ عملية ليل أمس في النبي يعقوب، إذ تردّد أنه نفّذ هذه العملية انتقاماً لمقتل جده على يد يهودي، بحيث لا يمكن اتهام أي جهة ويصعّب بالتالي تعقّب شبكات منفّذة أو إدراج العمليات في إطارها السياسي كظاهرة من ظواهر الصراع العام.

الضفة الغربية في عين العاصفة … وعرب إسرائيل أو عرب 48 في حالة حراك مستمر خاصة في جنين والمناطق المجاورة …
فهل المنطقة عشية انفجار أمني عسكري جديد في لحظة خواء الجعب الإقليمية والدولية من أي حل أو مشروع تسوية للقضية فيما الخيبة الفلسطينية الكبرى تتحوّل نحو مزيد من العنف والتطرّف اليميني الإسرائيلي الفتاك مسلط والمنطقة والعالم في واد آخر والتوتر سيد الموقف في كل ملفات أزمات الإقليم والمحيط القريب والبعيد ؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: