فلسطين بين إسرائيل وإيران والتطبيع الإبراهيمي

52029d8522cc7450c8a3471c7963a512

بحسب المعلومات المتوافرة، يبدو أن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن نجحَ الى حدٍ كبير في لجم التصعيد الإسرائيلي الذي كان متوقًعاً رداً على عملية الكنيس في بن يعقوب الأخيرة، وبنجاحه هذا تمكن في نزع فتيل التصعيد الفلسطيني المقابل.
نجاح مهمة بلينكن مردها الى أمرين أساسيين : الأول والأهم هو الأولوية القصوى التي تعيرها إدارة الرئيس جو بايدن لاستكمال التطبيع العربي- الإسرائيلي بما يبدو وكأنه إقرار ديمقراطي أميركي ضمني بصحة وصوابية سياسة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب حيال ما كان يُسمّى ب"صفقة القرن"، وقد لوحظ في هذا السياق تحرّك ملف التطبيع وإحياء الاتفاقات الإبراهيمية، بالتزامن مع زيارة بلينكن الى إسرائيل بحيث افتتحت سفارة لإسرائيل في السودان المطبِّعة الى جانب المغرب والبحرين والإمارات.
ويبدو أيضاً، من المعلومات المتقاطعة، أن تل أبيب تولي أهمية قصوى لاستكمال إجراءات التطبيع مع العالم العربي والإسلامي، وهدفها الأكبر التوصّل الى التطبيع مع المملكة العربية السعودية.
من هنا، فإن الأولويات الإقليمية باتت تتراوح بين "فكفكة" القوة الإيرانية وتقوية اتفاقات التطبيع مع المحيط العربي الإسلامي لإسرائيل وتعزيزها وتوسيعها لما في هذه الخطوات أيضاً من محاصرة لإيران ونزع أوراقٍ منها وأهمها الورقة الفلسطينية.
المعادلة الجديدة التي ينبغي على العرب والفلسطينيين بعد اليوم التركيز عليها هي في إعطاء الأولوية القصوى لنزع عدوانية الدولة العبرية بعدما فشلوا في نزع الكيان الغاصب من الوجود، فالانفتاح العربي على إسرائيل يخفّف كثيراً من عدوانية هذا الكيان تجاه المحيط العربي الذي وجد ليكون عدواً غازياً لبلاد العرب.
القضاء على عدوانية إسرائيل هي في الواقعية السياسية البديل الطبيعي للخيار الأول الذي فشل الفلسطينيون والعرب في تحقيقه : القضاء على إسرائيل نفسها بعد أكثر من ٧٠ عاماً من الصراع والمحاولات،
فربما يصح في التطبيع ما لم يصح في الحرب، وربما يمكن بالتطبيع مع إسرائيل حل القضية الفلسطينية رغم أن هذه النظرية لا تلاقي تأييداً كبيراً لدى الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي المنطلِق من اعتبارات دينية عقائدية وفكرية وعاطفية،
فبعد فشل الفلسطينيين والعرب زهاء نيف و٧٠ عاماً في استرداد الحقوق بالقوة المادية، تُطرح راهناً معادلة محاولة استرداد الحدّ الأدنى من تلك الحقوق عن طريق الإيجابية والانفتاح على إسرائيل.
قوة إسرائيل ليست من صنع إسرائيلي بل هي صنع غربي مصدره القوى العظمى التي دأبت منذ خلق هذا الكيان والى يومنا هذا في دعمه وتعزيزه وتقويته الى أن استعصى على العرب قلعه أو القضاء عليه.
القوى العظمى التي زرعت إسرائيل وفرضتها على الفلسطينيين أولاً وعلى العرب ثانياً هي نفسها التي زرعت "نظام الملالي" في إيران وعزّزت وجود "الأخوان المسلمين" في المنطقة العربية والهدف واحد : ضرب الدول العربية والإسلامية في المنطقة والعالم العربي وإضعافها .
القرار الأممي رقم ١٨١ وافق مسبقاً على قيام دولة فلسطينية على ٤٩% من أراضي فلسطين، ومع ذلك استمرت القيادات الفلسطينية في المطالبة بالمزيد لدرجة أن الفلسطينيين أنفسهم أفرغوا القرار الأممي من مضمونه، ولم ينجحوا في المقابل بنيل أكثر من المرسوم لهم دولياً.
القرار الأممي المُشار اليه، والذي اعتبر "شهادة ميلاد" دولة إسرائيل جاء مشروطاً بقيام دولة فلسطينية على مساحة ٤٩% من فلسطين، ومع ذلك ضرب الفلسطينيون أنفسهم عُرض الحائط بهذا القرار، وها هم اليوم يسعون للاستحصال على نحو ٢٢% من الأراضي الفلسطينية أي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية،
وبدل تثمير القرار ١٨١ والبناء عليه لخوض معركة تطبيق القرار الدولي والشرعية الأممية بورقة قوية ورابحة بيد الفلسطينيين نجدُ أن القيادات الفلسطينية، سواء في الضفة أو القطاع، قد انحرفت في رهاناتها واستراتيجيتها المتضاربة يميناً ويساراً الى أن فقدت الدعمَين الدولي الأممي والإجماع العربي حول مطالبها.
موقعة "خيبر" بين العرب واليهود لم تتكرر، واستسلام اليهود على اثرها علّمهم كيف يتعاطون مع محيطهم العربي والإسلامي المعادي طوال قرون،
فأمام الفشل الفلسطيني جاء الدور للعرب بأن يجدوا حلاً للقضية الفلسطينية عبر التطبيع، قاطعين الطريق بذلك أمام إيران التي ليس من مصلحتها حل القضية الفلسطينية التي بنت عليها إشعاع نظامها في المنطقة رغم الكذب والدجل الفاضحين في أدبيات الخطاب الإيراني تجاه اسرائيل، إذ يكفي أن نتذكّر كيف أنه، ومنذ قيام الثورة الخمينية في إيران والى يومنا هذا، لم تهاجم إيران إسرائيل رغم التهديد والوعيد بإزالتها من الوجود، وفي حين شغّلت وكلاءها الميليشياويين في إرسال الرسائل المبتورة لإسرائيل والمضبوطة الإيقاع طوال عقود، فيما تحت الطاولة "التخادم" الإسرائيلي- الايراني على أشده.
منذ الحرب الأخيرة بين قطاع غزة وإسرائيل، عكست حماس تميّزها عن الجهاد الإسلامي فعكست بذلك تبعيتها لأجندة إيران …
ومؤخراً منذ أيام، بقي الغليان في الضفة على أشده فيما القطاع اكتفى بالتهليل للعملية في الكنيس اليهودي وبإصدار بيان تأييد من دون المبادرة الى التصعيد.
عدالة القضية الفلسطينية وأحقيتها يجب أن لا تعمينا عن النظر الى الحقائق بالقليل من التجرّد والموضوعية لتسمية الأمور بإسمائها ووضع النقاط على الحروف،
من هنا نرى أن الزخم العربي المبارك باتجاه إنهاء التهديد الإيراني للمنطقة يترافق مع زخم موازٍ في تطوير حلقة التطبيع وتوسيعها، مع توقّع المزيد من المواقف والمفاجآت في هذا الصدد تواكب انقلاب المعادلات وتغيّر الحسابات الإقليمية على وقع التبدّلات الدولية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: