هل تدخل الصين الحرب في أوكرانيا ؟

4e89dc6f-91e5-4d2d-800a-b00643d73f4f

بقلم جورج أبو صعب

بدأت في الآونة الأخيرة معطيات ومعلومات وتحليلات وأخبار تشير أكثر فأكثر الى إقحام الصين في ملف الحرب الأوكرانية، وبات ذكر دور الصين وموقفها وقراراتها على محك المتابعة اليومية، خاصة في ظل ما يُحكى عن توجّه صيني الى تسليح روسيا، وزيارة رسمية يزمع الزعيم الصيني القيام بها خلال الأشهر القليلة المقبلة الى روسيا، والتخوف السائد من تحالف صيني - روسي جديد ضد أوكرانيا والناتو.
ففي الحقيقة هناك ثمة توجه صيني للتدخّل في ملف الحرب الأوكرانية، ولهذا التوجه أكثر من وجه يبدأ بمبادرة السلام ( البنود ال١٢) التي أطلقتها بيكين منذ أيام والتي رحّب بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي وبعض الأوروبيين، ولا تنتهي بزيارة الزعيم الصيني الى روسيا في الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة،
واللافت في هذا السياق أن إسم الصين بدأ يتردّد في الملف الأوكراني بعد مرور سنة كاملة على بدء الحرب، ما يعني أمراً من إثنين : إما أن بيكين كانت تراهن على قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حسم حربه في أوكرانيا بالسرعة الموعودة بحيث لا تحتاج الصين الى التدخّل وبالتالي تمر العملية الخاصة كفعل أمر واقع يُصار في ما بعد الى دعم الروس في التفاوض على الورقة الأوكرانية مقابل مكاسب روسية صينية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وإما أن التدخّل الصيني يأتي بعد أن أيقن الصينيون أن الروسي " توحّل" في المياه المتحركة الأوكرانية، خاصة وأن الغرب نجح في تجاوز الخط الأحمر الدبابات الأوروبية المتطورة والذي كان من مدة موضع تهديد روسي إن حصلَ تزويد لكييف لمثلها، وقد وصلت أول دبابة ليوبارد ٢ منذ أيام قليلة الى الجيش الأوكراني.
مهما يكن من أمر، ليس ما يريح الأميركيون والغرب من سطوع أي دور صيني في الأزمة الأوكرانية، الأمر الذي بدأت دوائر الاستخبارات والعسكرة العربية وعلى رأسها الأميركية تدرس كل الخيارات الممكنة لمواجهة أي تورط صيني في أوكرانيا.
صحيفة وول ستريت جورنال نقلت عن مصادر أميركية حول قرار لدى إدارة جو بايدن بزيادة عدد الجنود الأميركيين الموجودين في جزيرة تايوان من ٣٠ الى ٢٠٠ جندي أميركي.
خطوة خطورتها ليست في عدد الجنود الضئيل والرمزي سواء كانوا ٣٠ أو ٢٠٩ بل في فحوى الرسالة السياسية الأميركية التي يمكن أن تصل لبيكين وترسم معادلة : السلاح لموسكو في مقابل مزيد من الوجود الأميركي العسكري في تايوان، فكلما زادت بيكين من تسليحها لموسكو كلما ستدير واشنطن عديد جنودها في تايوان من مئات الى الآف بحسب تصرفات الصين مع موسكو.
الصحيفة عينها أشارت الى أن القوة الأميركية في تايوان ستجري تدريبات في إطار مواجهة التهديد الصيني، والقوة الأميركية هذه ستنضم الى الجنود الثلاثين الموجودين راهناً في الجزيرة.
في الواقع العملي، موقف الصين حالياً يُختصر ببنود السلام ال١٢ التي تناولتها صحيفة التايم الأميركية بإسهاب، تلك المبادرة التي أطلقتها بيكين لحل الأزمة الأوكرانية، واللافت فيها أن البند الأول منها يتكلم عن وقف وتجميد تقدّم الجيش الروسي في أوكرانيا مقابل اعتبار الأراضي التي احتلها الروس مكتسبة لموسكو .
البند الآخر المهم هو نفي الصين لأي حرب باردة جديدة ما يعني انسحاب الناتو والأميركيين عسكرياً من أوكرانيا، كما أن هناك بند آخر يطالب برفع كل العقوبات على روسيا لكونها فُرضت بعيداً عن آليات مجلس الأمن، والمعروف أن أي قرار بفرض عقوبات في حق روسيا لو طرح لواجه الفيتو الروسي والصيني بالمبدأ.
مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان علّق على المبادرة الصينية في حديث لموقع سي أن أن معتبراً أن تلك المبادرة كانت لتكون جيدة لو توقفت فقط عند الاعتراف بسيادة جميع الدول، ما يعني أن المبادرة الصينية لا تعترف بسيادة أوكرانيا.
من البديهي القول إن أي مبادرة تُطلق من الصين أو من روسيا لن تلقى موافقة من الأميركيين والغرب إجمالاً باعتبار الهوة الجيو سياسية والفكرية الموجودة بين المعسكرين إنطلاقاً من موروثات تاريخية أولاً ومن أرث سياسي استراتيجي مصلحي ثانياً نتيجة أوراق النفوذ والتأثير على مناطق العالم وأقاليمه وفقاً لأولويات أجندات القوى العظمى المهيمنة على النظام العالمي.
الحرب الأوكرانية دخلت عامها الثاني والسيناريوهات المرسومة لها أشارت اليها صحيفة ذي هيل the Hill الأميركية إنطلاقاً من معادلة "اللعب على المكشوف" بين جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين في الملف الأوكراني وإعادة ترتيب الأوراق وخلطها على مساحة خطوط المواجهة من أوكرانيا الى تايوان.
في هذا الإطار، ثمة سيناريو يعتبر أن استمرار الغرب والناتو في تزويد الأوكرانيين بالسلاح من شأنه إطالة أمد الحرب لاسيما في ظل عجز المتنازعين عن الحسم الى الآن، فلا روسيا تمكنت من إخضاع أوكرانيا ولا الغرب رغم كل الدعم تمكن من كسر الجيش الروسي داخل الأراضي الأوكرانية أقله الى الآن.
المعوّل عليه من الجانب الروسي استمرار العمليات العسكرية الروسية على وتيرتها الحالية حتى الصيف المقبل، بعده واذا لم يحرز الروس خروقات كبيرة خاصة في إقليمي لوغانسك ودونتسك فقد تتراجع قدرتهم على الاستمرار وتنهار القوات على تلك الجبهات خاصة اذا لم ينجحوا في قطع خطوط الإمداد الأوكرانية في الجبهة الشرقية لأن دون ذلك فإن الجيش الأوكراني قادر على الاستمرار في القتال. كييف من جهتها أمام سيناريو " الهجوم المضاد " الذي قد يحصل على محور زاباروجيا أو محور خرسون جنوب البلاد وهي تلعب ورقة إنهاك الجيش الروسي وخطوطه اللوجستية لتتمكن من قطعها إنطلاقاً من زاباروجيا.
وبالأمس أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيزور الصين في شهر نيسان المقبل من أجل البحث في خطة السلام الصينية لحرب أوكرانيا وهو قرار يخفي أمرين أساسيين : الأول قلق الغرب من معلومات حول وجود توجه صيني لإرسال أسلحة الى الرئيس بوتين تدعيماً لحربه في أوكرانيا، والثاني محاولة فرنسية- أوروبية لإبعاد الصين عن أي انخراط أو اصطفاف في الملف الأوكراني قد يزيد من حدة التوتر الدولي ويدفع بالأميركيين الى تحريك ورقة تايوان وبالتالي تأجيج الصراعات الدولية.
صحيفة وول ستريت جورنال أكدت خبر التوجه الصيني لتسليح روسيا وذكرت أنه في خلال لقاءات ميونيخ الأخيرة مورست ضغوط كبيرة على وزير الخارجية الصيني لثني بلاده عن الإقدام على مثل هذه الخطوة.
وفي السياق نفسه، أطلقت الإدارة الأميركية بالأمس موقفاً اعتبرت فيه أنه يُحتمل أن لا يكون الرئيس الصيني على علم بالمنطاد الذي تم إسقاطه فوق الأجواء الأميركية منذ أسبوعين، في إشارة تدل الى محاولات واشنطن التخفيف من حدة التوتر بين البلدين في مقابل شيء ما يمكن البناء عليه لحمل الرئيس الصيني الذي يتصرف حالياً من منطلق معاداة واشنطن له منذ حادثة المنطاد، ما يتيح التراجع عن فكرة القرارات الإستفزازية للغرب ومنها دعم موسكو بالسلاح.
وول ستريت جورنال والنيو يورك تايمز كانتا قد نقلتا معاً معلومات عن اللقاء الذي حصل في ميونيخ مؤخراً بين وزير الخارجية الأميركية ونظيره الصيني، واصفةً إياه بإنه لم يكن ودياً على الإطلاق بخصوص موضوع مساعدة الصين موسكو عسكرياً، بينما في واشنطن شك لدى المخابرات الأميركية من حصول هذا التسليح الصيني لروسيا.
رويترز نقلت حصول زيارة للزعيم الصيني شي جين بينغ الى روسيا في شهر أيار المقبل.

الصين في صلب الحسابات الغربية الجديدة وبيكين التي لا تخفي الى الآن دعمها السياسي والنفطي والغازي لروسيا لن يكون من السهل عليها الإنجرار في تورط مباشر في الأزمة الأوكرانية لكن من دون إغفال أن تكون مبادرتها من أجل السلام في أوكرانيا آخر الخطوات السلمية قبل أن تقرر بيكين بعدها دخول المواجهة ضد الغرب، فمن يقرأ مبادرة السلام الصينية لحل الأزمة الأوكرانية ينتابه شعور بأنها وضعت كي لا تطبق ولا يوافق عليها الغرب.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: