رسائل الاستنزاف في باخموت

A general view shows an empty street and buildings damaged by a Russian military strike, as Russia's attack on Ukraine continues, in the front line city of Bakhmut, Ukraine March 3, 2023. REUTERS/Oleksandr Ratushniak

في وقت تشتد معركة باخموت أكثر فأكثر شرقي أوكرانيا، حيث تُسجّل ملاحم قتالية من الطرفين الروسي والأوكراني، يُطرح السؤال الكبير حول مدى أهمية هذه المعركة وما يمكن أن تسفر عنه ؟

ميدانياً، يبدو الروس بموقف عسكري ميداني متفوق على الأوكرانيين، في وقت يصرّ كبار الجنرالات في الجيش الأوكراني على متابعة المعركة ويظهرون عزمهم على مواصلة القتال رغم الصعاب الميدانية.

صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن "كييف " تمسّك جنرالات الجيش بخيار القتال وعدم التخلّي عن المدينة، حتى وإن كانت قد أصبحت شبه محاصرة من القوات الروسية، هذا الموقف الأوكراني يتزامن مع آراء خبراء يرجحون كفة تراجع الأوكرانيين على محور باخموت نظراً لما يعتبرونه عدم جدوى خيار "الصمود" في ظل التقدم الروسي،
وقد عُلم أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد عقد في الساعات الماضية سلسلة اجتماعات مع كبار قادة الجيش الأوكراني للبحث في تطورات الوضع في باخموت، في ظل التقدم الروسي على المحاور الثلاث للمدينة لإحكام قبضته عليها، وقد خرج الرئيس الأوكراني من تلك الاجتماعات بتصريح أكد فيه أن الوضع في باخموت يحظى باهتمام خاص، فيما صرّح الجنرال فاليري زالزونيي، أحد أبرز القادة العسكريين في البلاد، أن القتال في باخموت يجب أن يستمر، من هنا فإن الرئيس زيلينسكي رأى جنرالاته يدافعون بقوة عن خيار استمرار القتال في باخموت.

معركة باخموت اذاً أصبحت من أطول معارك الحرب منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وسط تقارير تحدثت عن تكبّد الطرفين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

من الناحية الجيو سياسية، فإن مدينة باخموت لا تحظى بأهمية استراتيجية كبيرة إذ أنها ليست نقطة محورية، لكن الروس يصرّون على تحقيق نصر فيها قد يكون الأول منذ أشهر، خاصة بعدما كانت القوات الأوكرانية قد تمكّنت في خلال شهر أيلول الفائت من تحقيق تقدم كبير على معظم جبهات القتال شرقي البلاد وجنوبها.

"كييف " من جهتها تنظر الى باخموت على أنها ساحة نموذجية من ساحات تصدّي الجيش الأوكراني للجيش الروسي الغازي والساعي الى تحقيق إنجازات على الأرض تنفي ما تردده تقارير غربية عن "إخفاق روسي" في تحقيق أهداف " العملية الخاصة "، فيما الجيش الروسي يهاجم باخموت من ثلاثة اتجاهات في مسعى لتطويق القوات الأوكرانية في المدينة التي قرّرت أن تقاوم بشراسة دفاعاً عنها.

في واشنطن، إعتبر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أن مدينة باخموت لها أهمية رمزية أكثر منها عملياتية، وأن أي تقدم بشأنها لا يعني بالضرورة أن موسكو استعادت قوة الدفع في الحرب المستمرة منذ عام، مضيفاً للصحفيين خلال زيارته الى الأردن الاثنين الفائت، بأنه يعتقد أن لباخموت قيمة رمزية أكثر من القيمة الاستراتيجية، ما يعني بحسب المراقبين أن باخموت تحوّلت الى "ميزان" تُقاس من خلاله إمكانات استمرار الحرب وتوسّعها أو الذهاب الى نوع من انتصار روسي يقابله انتصار ميداني أوكراني للجلوس الى طاولة التفاوض.

وزير الدفاع الأميركي تجنّب الإدلاء بتوقعات حول ما إذا كانت القوات الروسية ستحتل باخموت ومتى، لكنه في المقابل شدّد على أن سقوط باخموت لن يعني بالضرورة أن الروس غيّروا مسار هذه المعركة، ما يعني أن واشنطن لا ترى في حال سقوط باخموت نقطة تحوّل في الحرب، بل مجرد كسب ميداني يمكن أن يريح الروس معنوياً وسياسياً بعد أشهر من غياب الإنجازات من دون أن يتسبّب بأذية الجيش الأوكراني الذي يستعد لهجوم مضاد مطلع الربيع المقبل.

في هذه الأثناء، لا تبدو العلاقات بين فاغنر والجيش الروسي على أكمل وجه، وقد عاد مؤسس مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين، ليشتكي من عدم تعاون الجيش الروسي مع ميليشياته، وقد مُنع ممثله من الوصول إلى مقر القيادة العسكرية الروسية في أوكرانيا منذ أيام معدودة في خطوة من ِشأنها تأجيج حدة الخلاف بينه وبين المؤسسة العسكرية الروسية، وشدد بريغوجين على أن تلك الواقعة جاءت في اليوم التالي لإرساله طلباً عاجلاً إلى قائد ما تطلق عليها روسيا "عملية عسكرية خاصة" من أجل الحصول على إمدادات من الذخيرة،
علماً أن مَن يتولّى قيادة الحملة الروسية في أوكرانيا منذ منتصف كانون الثاني الماضي هو رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال فاليري جيراسيموف المقرّب من الرئيس بوتين مباشرة، وعلى الرغم من الدور الكبير لميليشيات فاغنر في تحقيق تقدم ميداني على جبهة باخموت الا أن بريغوجين لا يزال يشكو ومنذ أسابيع من أن القيادة العسكرية تقلّل من شأن الجهود التي تبذلها قواته.

باخموت باتت أم المعارك اذاً وسط إصرار أوكراني على الصمود فيها بأي ثمن في مقابل خيار روسي بحسم هذه المعركة التي يحتاجها الرئيس بوتين.
إنها معركة استنزاف بين الطرفين الى حين أوان الحسم وتثبيت الخريطة الجديدة للحرب لكن كييف لا تستطيع المخاطرة أكثر في استنزاف قوات النخبة لديها، وبالتالي فإن إمكانية انسحاب الأوكرانيين من باخموت واردة في أي وقت، وبخاصة متى وصل الاستنزاف حد التأثير على نوعية أداء القوات الأوكرانية النخبوية.
في المقابل، لا يزال ثاني أقوى جيش في العالم، ومنذ أشهر يتعثّر على أبواب باخموت، لكنه اذا انتصر في باخموت فإنه يريح خطوطه الهجومية على طول جبهات لوغنسك وكراماتورسك ومقاطعة الدونباس شرق أوكرانيا.
معركة باخموت ستُحسم قبل منتصف هذا الشهر وسوف تتوجه الأنظار بعد ذلك الى الجنوب الأوكراني حيث نقطة انطلاق الهجوم الأوكراني المضاد المتوقّع مع ورود الأسلحة النوعية الغربية لكييف.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: