عشية إطفاء لبنان الشمعة الاولى للاتفاق المبدئي الذي توصّل اليه مع صندوق النقد الدولي عقب زيارة بعثة من الصندوق بقيادة إيرنستو راميريز ريغو بيروت في 7 نيسان 2022، ها هو ريغو بلغة دبلوماسية منمّقة يرفع "بطاقة صفراء" بوجه الطبقة السياسية الحاكمة في ختام زيارة لوفد من الصندوق في 23/3/2023 معلناً ان "لبنان يمر في لحظة خطيرة للغاية، عند مفترق طرق… الستاتيكو القائم والتقاعس عن اتخاذ إجراءات مطلوبة من شأنه أن يدخل البلاد في أزمة لا نهاية لها".
سنة مضت على "الاتفاق المبدئي" من دون التوصل الى إتفاق نهائي. إنها سابقة في تاريخ صندوق النقد لم يشهدها مع اي دولة في العالم من حيث طول المدة الزمنية الفاصلة بين الاتفاقين والقابلة الى الازدياد. لذا تستحق السلطة الحاكمة عندنا ان تحصد "جائزة أوسكار" في هدر الوقت وتضييع الفرص و"جائزة نوبل" في الاقتصاد لإبتكارها "خزعبلات" للقضاء على ما تبقى من إحتياطي إلزامي وهدره الى جانب حقوق السحب الخاصة SDR عوض الاستفادة منها في عملية النهوض واي خطة تعافي.
ربما "جائزة نوبل" هذه المرة قد تروي غليل "شعب لبنان العظيم" الذي شعر بالغبن والمظلومية جراء "الحرب الكونية" التي خيضت لحرمان وزير خارجيته جبران باسيل منها عقب إبداعه على شاشة CNN في 23/1/2019 حين اعلن بعنجهية: "ربما علينا أن نعلّم واشنطن ولندن كيف تديران بلداً من دون ميزانية (…) لا يمكننا اعتبار الوضع الاقتصادي في لبنان مأسويّاً لأنه محدود، ولدى الشعب اللبناني اندفاع كبير، ونحن قادرون على تطويره"…. وحين قاطعته الاعلامية بيكي أندرسون بالقول: "إنه ثالث أسوأ ناتج إجمالي محلي في العالم"، ردّ باسيل: "أنا أدرك ذلك، لكن نحن ما زلنا قادرين على تطوير الوضع لأن لدينا خططاً عدة، كما أننا نمتلك المهارات والقدرة. هناك العديد من البلدان التي ما زالت تؤمن بلبنان".
لا ينفع اليوم مقاربة كلام ريغو عن "التقاعس عن اتخاذ إجراءات" وبطء التشريعات، وعدم السير بالاصلاحات عبر التلهي بتوزيع المسؤوليات، ورمي "كرة النار" بين الحكومة ومجلس النواب، أو الغرق في تفاصيل "الكابيتال كونترول" و"خطة التعافي" و"إعادة هيكلة المصارف".
الجواب واضح، قاله احد نواب "حزب الله" في كواليس إحد اللجان في مجلس النواب، حين وصف التعاون مع منظمة الاغذية والزراعة "الفاو" التابعة للامم المتحدة بـ"الاستعمار الجديد"، معرباً عن التصدي له. لذا لن يصل لبنان الى اي تعاون جدي مع "صندوق النقد الدولي" في ظل الطبقة الحاكمة و"مرشدها" "حزب الله". فهل يعقل ان يتخلى "الحزب" عن "الاوكسيجين" المتمثل بـالحدود السائبة، والتهريب والخطوط العسكرية عبر المطار والمرفأ، وبالتفلّت من حكم القانون ويسمح بالسير بـ"الاصلاحات"؟!!
لذا "مفتاح" التعاون الجدي مع "صندوق النقد" يبدأ من بعبدا، أي من إيصال رئيس جمهورية رجل دولة لا يهاب اي دويلة، يجرؤ على تطبيق القوانين وفرض السيادة. حينها تصبح الاصلاحات " تحصيل حاصل". أما اي رئيس مقترح مهما عظمت سيرته الذاتية CV وتضمنت خبرات دولية مالية وإقتصادية، حتى لو كان من صلب صندوق النقد، لن ينجح بالسير بالتعاون التجدي مع "الصندوق" ما لم يمتلك CV سيادياً.