لم يعتد اللبنانيون على هدوء رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، او ذلك السياسي الذي كان وما زال شاغل الدينا، بسبب ضجيج مواقفه وتصريحاته، اذ ومنذ فترة يلتزم الصمت، لانّ خبايا الكواليس الرئاسية كثيرة في ذهنه بعد إزاحة إسمه، وبروز أسماء مرشحة الى الرئاسة، واخرى يتم التداول بها من دون معرفة حقيقة سيرتها الذاتية وبرنامجها الرئاسي، او على الاقل وجود دعم لها من قبل مرجعيات بارزة، لكن هوية مَن سيصل الى المركز الاول، تبقى حتى اليوم غير معروفة، حتى ولو جرى التلميح اليها من بعيد، فالكلمة الفصل وكما جرت العادة في لبنان، هي للضوء الخارجي الذي يتفق اولاً على إسم الرئيس اللبناني، ومن ثم يتصاعد الدخان الابيض من الداخل، ليصل الرئيس المقبول من اكثرية الاطراف، ولو على ظهر تسوية جديدة سياسية كما إعتاد اللبنانيون كل ست سنوات.
وسط هذا التخبّط ، يبدو باسيل كمَن يقاتل على كل الجبهات مع غياب كليّ للحلفاء، مما يعني انه بات وحيداً يصارع الخصوم وما اكثرهم، ولذا فضّل إلتزام الصمت نوعاً ما منذ فترة، وبرزت هذه الصورة الجديدة منذ زيارته الصرح البطريركي، وانفتاحه على اللقاءات مع الاقطاب المسيحيين في بكركي والتي جوبهت بالرفض من معظمهم، لذا يعمل رئيس " التيار" على المهادنة وعدم إطلاق المواقف، حتى انه لا يفصح عما يدور رئاسياً في ذهنه، اذ لم يخبر احداً من نواب تكتل" لبنان القوي" او رفاقه في "التيار الوطني الحر" أي معلومة، او تسريب خبر عن الاجتماعات التي يعقدها مع مسؤولين غربيين، ولا حتى احاديثه التي جرت مع المطران انطوان بو نجم، المكلف من البطريرك بشارة الراعي بالعمل على تقارب وإتفاق الاقطاب المسيحيين، اقله على مرشح واحد، لكن لم يتحقق شيء من مطالب باسيل في هذا الاطار، الامر الذي دفعه الى التروّي والطلب من نواب ومسؤولي" التيار"، عدم الغوص بالحديث عن الاستحقاق الرئاسي، وإطلاق المواقف بشأنه، إفساحاً في المجال بإتخاذ القرار المناسب ولو بعد حين، لانّ المرحلة الحالية تتطلب السكوت، والتفكير مطوّلاً قبل إعلان أي تصريح، منعاً لحدوث " دعسة ناقصة " ينتج عنها تداعيات سلبية.
الى ذلك يبدو انّ باسيل يشعر بالوحدة اليوم اكثر من أي وقت مضى، لانه بات متروكاً في حقبة شديدة الخطورة تتطلّب الوقوف الى جانبه، في توقيت صعب يحتاج الى وحدة المسيحيين والاحزاب الفاعلة، لذا كان من الافضل لو تنبّه رئيس " التيار" الى وجود افرقاء مسيحيين من مختلف الاحزاب، لهم وجودهم وتاريخهم، اذ لا يمكن لأحد إختصار المسيحيين بشخصه، او بتنصيب نفسه كوصيّ عليهم.