سراب التطبيع العربي مع نظام دمشق

هذا ما يجري على خط الأحزاب الحليفة لدمشق

فيما اللبنانيون يغرقون في أزماتهم الداخلية والمصيرية وآخرها أزمة رئاسة الجمهورية، ينبري محور الممانعة كل يوم، سواء عبر مسؤوليه السياسيين أو أبواقه الإعلامية والدعائية، في الترويج لعودة العرب الى سوريا وعودة سوريا الى الحضن العربي، ذاهبين في مغالاتهم حد الحديث الوقح والجاهل عن عودة دورٍ لنظام دمشق في لبنان، فيما
تحصل في المنطقة، ومنذ اجتماع عمّان الأخير، تحوّلات وتطورات تطيح بكل هذه الآمال المزيّفة لمحور إيران - بشار الأسد، وتعيد خلط الأوراق بشكل كبير خصوصاً في الملف السوري.
في المعلومات أن مسار التطبيع مع نظام الأسد محكوم بشروط عدة إن لم تُنفذ سيكون من سابع المستحيلات السير بالتطبيع العربي معه.

  • أولاً : العقوبات الأميركية والأوروبية التي لا أحد من المهلّلين في محور المقاومة يتكلم عنها وهذا أمر طبيعي، فتلك العقوبات لن تُرفع عن النظام ما لم يقبل بتطبيق كامل بنود القرار الأممي ٢٢٥٤ وعودة اللاجئين وتحريك العملية السياسية.
  • ثانياً : لا أموال ولا إعادة إعمار لسوريا قبل تطبيق الشروط أعلاه، سواء اكانت الأموال عربية أو خليجية أو غربية،
    وبالتالي فإن الكرة في ملعب نظام دمشق الذي يملك وحده مفتاح الوصول للتطبيع وإنجاحه، وهو الذي لا يملك زمام القرار ولا زمام المبادرة حول أي تطبيع يسعى اليه المطبّع ؟ فالنظام أعجز من أن يتحمّل كلفة إعادة الإعمار البالغة قيمتها ما بين ٨٠٠ مليار وتريليون دولار والتي تتحكّم بها واشنطن.
  • ثالثاً : إن الدول التي تريد التطبيع مع نظام الأسد تُدرك تماماً أن النظام لا يملك القرار في سوريا، وهو الذي ارتهن قراره بطهران وموسكو،
    لذا فإن دعاة التطبيع والساعين اليه سيجدون أنفسهم عاجلاً أم آجلاً أمام حقيقة وجوب التوجّه بالحديث والمفاوضات الى اللاعبَين الإيراني والروسي، لا الى النظام الذي لا يملك شيئاً وهو المدين حتى النخاع لهما في بقائه واستمراره ولو على أشلاء سوريا المدمّرة.
  • رابعاً : أي تطبيع مع نظام الأسد لا بدّ لتحقيقه من أن يتصدّى أولاً لمسألة وحدة النظام، فقد بلغ نفوذ إيران وروسيا في قلب أجهزة الحكم في دمشق حد التنافس المباشر والعلني، ومن الأمثلة حديثة العهد مبادرة موسكو لجمع الأتراك مع النظام، ما أدى الى "قيامة" طهران التي تدخّلت عنوة وأفشلت المسعى الروسي فانتهت مبادرة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للتصالح مع النظام السوري.
    من هنا فإنه من العقبات الكبرى التي تواجه أي تطبيع مع النظام هي قدرة الأخير على الالتزام بمتطلبات هذا التطبيع ليتحقق الأمر الذي ليس متاحاً، إذ بإمكان كل من روسيا وإيران استخدام أوراق التفشيل والإجهاض، ما يعني أن نظام الأسد ليس مرجعية موحّدة وسيادية بل واجهة لمصالح إيرانية وروسية متناحرة حول اقتسام مصالح النفوذ في قلب هذا النظام.
  • خامساً : لا يزال مسار التطبيع العربي مشتّت إذ لا إجماع عربياً حتى الساعة عليه رغم جهود الرياض والإمارات، وآخرها ما بُذل من جهد في اللقاء التشاوري في عمّان إذ ثمة دول عربية لا ترى ما يمكن أن يبرّر التطبيع، ومسبّبات تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة الا اذا كان المطلوب اعتبار أن كل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد من خلال أجهزته في حق الشعب السوري عمل يستوجب الثناء.
    انطلاقاً من كل العوامل الواردة أعلاه، وبحسب المعطيات والمعلومات المتقاطعة في ظل إصرار أسدي وحلفاء النظام، إيران وحزب الله وروسيا، على استخدام القوة العسكرية وتطويع الشعب وإعادة البلاد الى ما قبل ٢٠١١، وفي ظل استمرار الانقسام العربي حيال التطبيع مع النظام، وفي ظل استمرار الرفض الغربي والأميركي لأي تطبيع مع نظام الأسد من دون تطبيق قرارات الشرعية الدولية وأهمها القرار ٢٢٥٤، يُلاحظ في هذا الإطار وفي نظرة أكثر شمولية للمشهد السوري الإقليمي أن غايات بعض الدول العربية في التطبيع مع نظام الأسد تتنوّع تبعاً لأولويات كل دولة : فالمملكة العربية السعودية تسعى للتطبيع ومعها الإمارات لإخراج نظام الأسد من براثن إيران، فيما الأردن ولبنان وتركيا يريدون التطبيع للتخلّص من ضغوط ومخاطر النزوح السوري في بلدانهم.
    في واشنطن، تُمارس ضغوط هائلة على إدارة الرئيس جو بايدن من أجل منع التطبيع مع نظام الأسد وآخر تجلًيات تلك الضغوط كتاب رُفع الى البيت الأبيض من قبل ٤٠ شخصيةً أميركية من أعضاء مجلس الشيوخ وسياسيين وديبلوماسيين لتحميل الرئيس الأميركي مسؤولية السير في التطبيع، وفي تجاهل مصير النازحين السوريين، مطالبين بالتشدّد في تطبيق القرار ٢٢٥٤ وتفعيل العقوبات الصادرة عن الخزانة الأميركية ضد نظام الأسد.
    مساعِدة وزير الخارجية الأميركي بربرا ليف مارست بدورها ضغوطاً على الدول العربية الراغبة بالتطبيع مع نظام الأسد، وقد أبلغت تلك الدول أنها اذا أرادت التطبيع والتعامل مع النظام فعلى الأقل ليكن هناك مقابل، مؤكدةً للعرب أن الرهان على فكّ الارتباط بين بشار الأسد والحرس الثوري الإيراني والنظام الإيراني هو رهان خاطىء، والدول العربية أعلم بذلك، ومع ذلك فتلك الدول العربية تستمر في الاعتقاد بأن فصل النظام عن إيران يبقى هدف التطبيع وهو أمر صعب التحقيق.
    في عمّان تظهّرت صورة صعوبات التطبيع مع النظام السوري، لا بل بوادر فشل محاولات التطبيع معه، فوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد إضطُر مرتين متتاليتين الى الخروج من الاجتماع للتشاور والاتصال بالإيرانيين وبقائد الحرس الثوري الإيراني، وفي المرة الثالثة عاد وخرج من الاجتماع ولم يعد اليه، وقد أخفت الدول العربية المشارِكة هذه الحادثة سواء في البيان الختامي للاجتماع أو في المؤتمر الصحفي.
    اللافت بروز مطالبات إيرانية بضرورة أن يترافق التطبيع الحاصل مع نظام دمشق مع مشاريع ومصالح وبعض الشروط مثل حصول إيران على نصيب من الصفقات مع نظام الأسد، فطهران تريد أن تقبض ثمن التطبيع العربي مع الأسد بحصة في الاستثمارات والمشاريع وبالتالي تأمين مصالحها من هذا التطبيع،
    كذلك تضع إيران شرط عدم الاعتراض على ملفها النووي وعدم تطبيق العقوبات الغربية التي تطال هذا الملف، وصولاً الى فكّ عزلتها مع الدول العربية من خلال فتح سفارات وقنصليات مع الجميع، وإقامة علاقات طبيعية بين دول المنطقة والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
    صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية نشرت مقالة جاء فيها أن التنازل للدكتاتوريين من دون ردع أو محاسبة وصفة لفشل مأساوي، متوقعةً فشل التطبيع العربي مع الأسد ونظامه، ومؤكدة أن القضايا المرفوعة من قبل سوريين في الخارج ضد النظام ستشكل رادعاً قوياً أمام أي تجاوب غربي مع أي مطلب عربي بتخفيف العقوبات عن النظام في سوريا.
    الصحيفة البريطانية أعطت في مجال تدعيم موقفها مثال الرئيس السوداني السابق عمر البشير، مستشهدةً بمحاولات العرب يومها فكّ عزلة هذا الرجل ونظامه، فدعوه الى الجامعة العربية والى القمم العربية، وزار أكثر من عاصمة عربية، ومع ذلك لم تُرفع العقوبات عنه ولم يتأثر الغرب بالتطبيع العربي آنذاك مع نظام البشير، تماماً كما تتوقع الصحيفة أن يكون مصير هذا التطبيع الفشل مهما كانت المغريات والحوافز .

من هنا، فإن محاولات التطبيع الجارية مُنيت بنكسة كبيرة في لقاء عمّان، وهذه النكسة تشي بما سيكون عليه الوضع في الأيام والأسابيع المقبلة، وهي في كل الأحوال تحمل على الاعتقاد بأن ما حُكي ويُحكى عن تطبيع عربي مع نظام الأسد ليس أكثر من سراب لن يتحقق على أرض الواقع، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: