يقفز لبنان بقواه السياسية وعجزها المتعاظم عن انهاء ازمة الشغور الرئاسي من محطة انتظار الى اخرى بما يكشف اكثر فاكثر واقع الارتهان الكامل للازمة والاستسلام التام للانتظار فيما تشكل الشعارات التي تطلق بين الحين والأخر ملهاة لملء الفراغ والتستر على العجز من جهة اوالتواطؤ التأمري لابقاء الفراغ ورقة مساومة وتحصيل مكاسب مختلطة إقليمية داخلية من جهة أخرى. وبذلك يكون الدفع الدعائي التصاعدي من جانب بعض القوى المعروفة في اتجاه ملهاة تحديد منتصف حزيران حدا مفصليا لانتخاب رئيس الجمهورية بمثابة المناورة الكبرى التي لا شيء يضمن واقعيا وعمليا انها آيلة الى تحقيق اختراق حقيقي ونهائي في جدار الازمة. فالمعطيات الداخلية الجدية البعيدة من التلاعب بالرأي العام لا تبدو في مستوى المعطيات التي تسوقها جهات عدة حيال ما يسمى مهلة حزيران حتى انه ينقل عن مرجع بارز استبعاده حصول أي تطور واختراق في منتصف حزيران كما يجري الترويج له وان الازمة ستطول الى امد غير محدد بعد.
بدا واضحا ان المعركة السياسية الداخلية تحولت الى مواجهة دعائية وإعلامية طاغية بحيث يغلب فيها الطابع الدعائي الضاغط على المعطيات الجدية الموثوقة، وبذلك تفقد معظم المواقف والمعطيات صدقيتها ويبقى الرأي العام عرضة للكثير من التضليل والتلاعب بالوقائع الصحيحة. ولكن العامل الثابت من بين كل ما يساق ويطرح في سوق الاثارة هو ان ثمة شبه اجماع لدى القوى السياسية على وجود ضغط متعاظم ان بفعل مواقف خارجية متعاظمة، وان بفعل زخمة استحقاقات داخلية منتظرة تفرض اعتبار حزيران المقبل مهلة وانذار وليست محطة حسم قاطعة، ويتعين بذل كل الجهود الاستثنائية لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد وانهاء حالة الشغور الرئاسي خلالها قبل الوصول الى ازمة نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان التي لم يبلور بعد أي مخرج واضح لمواجهتها قبل اقترابها من موعدها في تموز المقبل. وبذلك فان حزيران يبقى، حتى اشعار اخر، مهلة حث وليس موعدا حاسما لان لا معطيات داخلية او خارجية يمكن اعتبارها حاسمة قطعا تضمن الانتخاب في حزيران. وكل ما يحاول هذا الفريق او ذاك اغراق الرأي العام في مناخاته كأنه حقيقة حاسمة ليس سوى لعبة دعائية تذكيها التحركات الكثيفة المتصاعدة .
في المقابل فان المعركة الرئاسية باتت مفتوحة على جبهات عدة. في ما يتعلّق بالفريق الداعم لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، يجري التركيز على توفير الأصوات الـ 65 التي يمكن أن توصله إلى قصر بعبدا. وعلى جبهة معارضي فرنجية، الحديث بات عن «اتفاق وشيك» على اسم مرشح في وجهه. فيما تعمل فرنسا على جبهة توفير النصاب وضمان عدم تعطيل جلسة الانتخاب من أي طرف.
الداعمون لرئيس تيار المردة يتعاملون مع الملف بـ«راحة»، ويتحدث مقربون منه عن الاقتراب من تأمين الأصوات الـ65 المطلوبة، وعن أن الإعلان السعودي أخيراً برفع الفيتو عنه يساعد في هذه المهمة، لافتين إلى اتصالات مستمرة بعيداً من الأضواء مع عدد كبير من النواب. ويبدو هذا الفريق متيقّناً من حلّ مشكلة النصاب، استناداً إلى التفاهمات الخارجية، وضمان دول «اللقاء الخماسي» حضور جميع النواب وعدم لجوء أي طرف إلى التعطيل. ويُنقل أن سفراء الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية تعمدوا «التحذير» من تعطيل النصاب أو عرقلة عملية الانتخاب. ونسب نواب إلى السفير وليد البخاري قوله صراحة: «يجب أن تحضروا أي جلسة يدعو إليها الرئيس نبيه بري، وستُفرض عقوبات على كل من يتورط في عرقلة عملية الانتخاب أو تعطيلها».
في المقابل، تتواصل جهود خصوم فرنجية للتوافق سريعاً على مرشح ينزل هؤلاء حاملين اسمه إلى جلسة الانتخاب. وقالت مصادرهم إن تقدماً كبيراً حصل بعد تراجع القوات اللبنانية عن لائحة أولى قدّمتها ضمت أسماء ميشال معوض وصلاح حنين وقائد الجيش جوزيف عون. وأوضحت المصادر أن الوساطة التي يقودها رئيس حزب الكتائب سامي الجميل تستند إلى شرط التيار الوطني الحر بألا يكون أي مرشّح مستفزاً لحزب الله، إضافة إلى أن التيار نفسه لا يرى في معوّض وقائد الجيش المواصفات التي يريدها في شخصية المرشح للرئاسة. بناء على ذلك، تم التقدم بلائحة جديدة تضمّنت إلى جانب حنين الوزيرين السابقين زياد بارود وجهاد أزعور. وبعد جولات من المشاورات، تبدّى للوسيط أن باسيل لا يدعم بقاء حنين في اللائحة كونه يمثل سياسياً تياراً على صدام حقيقي مع حزب الله، فردّت القوات برفض بارود باعتباره «معارضاً لها وأقرب إلى التيار، كما أن تجربته الوزارية لا تدل على قدرته على تحمل المسؤولية في حال الاستحقاقات الكبيرة». أدّى ذلك إلى رفع حظوظ أزعور الذي يحظى في الوقت نفسه بدعم البطريركية المارونية وكتلة اللقاء الديموقراطي برئاسة تيمور جنبلاط. وأوضح المعنيون بالمفاوضات أن «النقاش محصور الآن بالأسماء فقط، فيما سيكون برنامج عمل الرئيس محور المرحلة الثانية من الاجتماعات بين هذه القوى والمرشح الذي يتم الاتفاق عليه».
وتعقد قوى المعارضة النيابية اللبنانية اجتماعاً، اليوم الاثنين، تقف خلاله أمام اختبار جدي للتأكد من مدى استعدادها للتوافق على اسم المرشح الذي تخوض به الانتخابات الرئاسية في مواجهة مرشح «الثنائي الشيعي» («حزب الله» وحركة «أمل») رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، بينما الضبابية تحاصر المعركة الرئاسية. ويقول مصدر قيادي في المعارضة لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد من الجائز الاستمرار في رفضها لترشحه (فرنجية) من دون أن تتقدَّم بمرشحها، لتفادي الإحراج الداخلي والخارجي الذي يحاصرها؛ بامتناعها حتى الساعة عن الدخول على خط المنافسة لإنهاء الشغور الرئاسي الذي مضى عليه 6 أشهر ونصف الشهر، والحبل على الجرار، ما لم تحسم المعارضة أمرها؛ بأن تقول ماذا تريد؟».
ويأتي اجتماع قوى المعارضة بينما التواصل بين النائب في حزب «القوات اللبنانية»، فادي كرم، وزميله في «التيار الوطني الحر»، جورج عطا الله، لم ينقطع، لكنَّه لم يبلغ النتائج المرجوّة منه، ويكاد يدور في حلقة مفرغة، بسبب انعدام الثقة واستمرار الحذر بين سمير جعجع والنائب جبران باسيل.