دخلت أمس توترات الحدود الجنوبية دائرة الاتصالات الديبلوماسية برعاية الأمم المتحدة، وتولتها مع الجانب اللبناني قيادة قوات الطوارئ العاملة في الجنوب. وفي هذه الاتصالات نقلت قيادة «اليونيفيل» مطلباً من إسرائيل بإزالة خيمة نصبها «حزب الله» قبل أسابيع في منطقة الخط الأزرق في مرتفعات شبعا. فردّ لبنان مطالباً بانسحاب إسرائيل من الجزء اللبناني من بلدة الغجر التي تقع على سفح مرتفعات الجولان المحتل. وكنّا أشرنا سابقاً، الى أنّ هذه التوترات فتحت نافذة على مفاوضات يجريها وسيط دولي تقود الى تسوية النزاع على الحدود البرية بين لبنان والدولة العبرية.
وتعكس المعطيات الناشئة عن هذه التعبئة الرسمية والديبلوماسية والسياسية قلقا متسعا حيال ما بدأت عدوى انهيار المؤسسات والفراغ الزاحف عليها تحدثه من نتائج مقلقة للغاية على مجمل المرحلة المقبلة على البلاد. كما تعكس، وهنا باب الخطورة الأكبر، انطباعات واسعة حيال استسلام الطبقة الرسمية والسياسية لواقع استعصاء انتخاب رئيس للجمهورية في المدى المنظور بحيث بدأت التوقعات تذهب بعيدا في التخوف من مدة غير محدودة لانتخاب الرئيس.
في الملف الجنوبي انشغل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالوضع في الجنوب، وملف التمديد لمهام قوات "اليونيفيل" خلال اجتماع عقده، في حضور وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب، مع قائد القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان الجنرال ارولدو لازارو على رأس وفد. وكشف بوحبيب ان الوفد "نقل مطلب الجانب الاسرائيلي بإزالة "الخيمة" فكان ردنا بأننا نريدهم أن يتراجعوا من شمال الغجر التي تعتبر أرضا لبنانية. ونحن من ناحيتنا سجلنا نحو 18 انتهاكا إسرائيليا للحدود".
ثم اجتمع بوحبيب بالمنسقة الخاصة للأمم المتّحدة في لبنان جوانا فرونتيسكا وبالسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، وأعلنت الخارجية انه تمّ بحث السبل الآيلة لوقف عملية قضم الأراضي اللبنانية المحتلة في الجزء الشمالي من بلدة الغجر الممتد إلى خراج بلدة الماري، وتمّ إبلاغ الطرفين بأنّ لبنان سيتقدّم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي لإزالة هذا الخرق وإنسحاب إسرائيل من هذه المنطقة المحتلّة تطبيقًا للقرار 1701، طالبًا المساعدة لمعالجة هذا الخرق . كما تمّ التداول بموضوع الخيمتين المنصوبتين في مزارع شبعا، وشدّد بوحبيب على أهميّة إستكمال عمليّة ترسيم الحدود البرية، والبحث في كيفية معالجة النقاط الخلافية المتحفّظ عليها المتبقية ضمن إطار الإجتماعات الثلاثية.
ولفتت مصادر مطلعة على الملف لــ«البناء» الى أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول ربط ملفي الغجر ومزارع شبعا، ليفرض معادلة إزالة الخيمتين اللتين نصبتهما المقاومة في مزارع شبعا مقابل تجميد الإجراءات العدوانية الإسرائيلية في الغجر، الأمر الذي يرفضه حزب الله الذي يعتبر أن ملف شبعا منفصل عن ملف الغجر. وشددت المصادر على أن ما يقوم به العدو في الغجر هو اعتداء على الأرض اللبنانية والسيادة الوطنية ما يتطلّب تحركاً سريعاً من الحكومة اللبنانية والامم المتحدة لكي لا تفرض «اسرائيل» أمراً واقعاً وقواعد اشتباك جديدة في تلك المنطقة. وأوضحت أن القرار 1701 أكد في أحد بنوده بشكل واضح على انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي من الجزء الشمالي من قرية الغجر، وبالتالي الأمر غير خاضع لأي شكل من أشكال المساومة مع العدو.وكشفت المصادر عن ضغط ديبلوماسي عربي وأوروبي وأميركي على لبنان للضغط على حزب الله لإزالة الخيمتين، إذ يعتبرهما الاحتلال الإسرائيلي خطراً على أمنه لا سيما في ما يتعلق بعقدة «الجليل» التي تلاحق كل الحكومات الإسرائيلية وقادة الكيان العسكريين، وهذا ينعكس بحالة الخوف الإسرائيلية عبر الإجراءات الحالية في الغجر.
وقالت مصادر لبنانية مواكبة للقاءات لازارو لـ«الشرق الأوسط»، إن الواضح من حركته أنه يحمل رسالة إسرائيلية إلى بيروت تتضمن طلباً بإزالة الخيمتين اللتين نصبهما «حزب الله»، لكنه قوبل بردّ لبناني بأن الخيمتين تقعان على أراضٍ لبنانية. وأضافت المصادر: «أُبلِغَ بأنه بدلاً من البحث في الخيمتين، فليتم الشروع بعملية ترسيم كاملة للحدود البرية، وإنهاء هذا الملف بالكامل».
وتحدثت تقديرات لبنانية عن طروحات تقضي بنزع «حزب الله» للخيمتين مقابل تراجع إسرائيل عن ضم القسم الشمالي من بلدة الغجر، خصوصاً بعد التعزيزات التقنية ورفع الأسلاك المعدنية الشاهقة ونصب الكاميرات في الجزء الشمالي من البلدة الواقع داخل الأراضي اللبنانية، وضمت إسرائيل 787400 متر مربع منه بعد عام 2006، رغم أن هذا الجزء كانت انسحبت منه في عام 2000.
وقالت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات لـ«الشرق الأوسط»، إن المفاوضات لم تصل إلى هذا المستوى، وبقيت ضمن إطار طروحات أو وجهة نظر، كذلك لم يُطرح موضوع أن يسلم حزب الله الخيمتين للجيش اللبناني، مشددة على أن الطروحات التي يقدمها لبنان تتمثل في ترسيم الحدود بشكل كامل، وإنهاء هذه المسألة، خصوصاً أن نقاط الخلاف ليست كبيرة، وتتمثل في 16 نقطة حدودية فقط. وإثر الحراك الدبلوماسي الفاعل، استبعدت المصادر الانزلاق إلى مواجهة عسكرية، قائلة إنه لا مؤشرات حتى الآن على تصعيد عسكري، لا من الجانب الإسرائيلي ولا من جانب «حزب الله».
