تساؤلات كثيرة أُثيرت لدى الرأي العام اللبناني خلال الأيام الماضية خصوصاً بعد خبر حادثتي الانتحار في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما طرحَ تساؤلاً حول ارتباطهما ب"جماعة القربان" التي انتشرت في منطقة ذي قار في العراق منذ شهر.
وفي هذا السياق، كشفت المعلومات أن هذه الجماعة تقوم بسحب قرعة لتحديد الأشخاص الذين يجب عليهم الانتحار عراة وذلك لإثبات ولائهم وتقديم أنفسهم وعائلاتهم قرابين بشرية للإمام علي بن أبي طالب، بحسب زعم هذه الجماعة التي تعمل على غسل أدمغة الشباب وتوصلهم إلى الانتحار.
وبين تأكيد وصول هذه الجماعة من العراق إلى لبنان من عدمه، بات هناك الكثير من التخوّف حول انتشارها وتوسّعها أكثر، كما كانت حال التخوّف من انتشار داعش والنصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية المتطرّفة التي تستخدم المعتقدات الدينية كذريعة لدخولها إلى عقل الشباب، فكيف يمكن حماية مجتمعاتنا من هذه الجماعات، ولماذا تجد لنفسها موطئ قدمٍ ومرتعاً خصباً في بلادنا؟
أزمة هوية ومواطنة وانتماء
الباحثة الأكاديمية والأستاذة الجامعية الدكتورة حسناء بو حرفوش إعتبرت في حديث لموقع LebTalks أن ما يحصل اليوم هو "أزمة هوية"، وهذا الأمر لديه جذور عديدة لأننا بطبيعتنا البشرية نحن كائنات إجتماعية لذلك يعمل البعض على البحث عن أماكن يشعر فيها بالإنتماء، وقد يكون بالبحث عن مجموعات ترتبط مع بعضها بقرابة الدم وصِلة الرحم و النسب والإنتماء الطائفي وأمور مشتركة عدة لأهداف متنوعة".
"من الضروري جداً أن نعود الى جذور التطرّف الذي نراه ونشهده ضمن عدد من الجماعات، فالشخص الذي يذهب للانتماء لجماعة تطبّق إيديولوجية أو عقيدة ما من خلال طقوس متطرّفة، هي في الغالب جماعات سريّة، والدليل هو أننا لم نعرف بوجود "جماعة القربان" إلا عندما سمعنا بحالة الإنتحار في الضاحية الجنوبية، وهذا ما يُثبت أن هناك خطة للتأثير على الشباب المستهدَف من أجل تجنيده ضمن الجماعة، وهي بلا شك بعيدة كل البعد عن المنظومة الأخلاقية وحتّى الدينية، فأين الدين في قتل النفس والأذية؟".
العزلة والفراغ وعدم الإنتاجية أسباب رئيسية
أما عن أسباب وجود هذه المجموعات وتأثيرها في لبنان والعالم العربي، فتقول بو حرفوش "من المهم أن نعرف أن البلدان التي تعاني من العنف أو غياب التوعية تشكّل بيئةً وأرضاً خصبة لنشأة الإرهاب وتطوّره، وفي لبنان وبما أننا نعيش في بيئة تتلقّى ارتدادات الصراعات المحلية والإقليمية والعالمية، ما يجعل من لبنان ساحة صراعات دائمة يُطلَق فيها النفير للإرهابي كي ينتشر ويكبر في الظل طالما التفلّت وغياب الرقابة موجودان، وأبرزها يدّعي الإنتماء لتيارات أو عقائد معروفة كي تجذب المهتمين بها قبل أن تكشف عن وجهها الحقيقي، بعد أن تكون قد أثّرت على المجموعات المنضوية في صفوفها، كما أن الضعف في ثقافة المواطنة والانتماء للوطن حصراً هو ما يؤثّر أيضاً بشكل كبير على ظهور هكذا جماعات تستطيع أن تؤثّر بشكل كبير على عقل المنضوين تحت عباءتها وتفكيرهم، وهذا ما رأيناه من خلال الروايات التي تم التداول بها عن الشاب الذي انتحر مؤخّراً حول ممارساته القمعية تجاه من حوله، بحجة الانقطاع عن المغريات الدنويّة مثل تكسير آلات حاسوب لأقربائه، وغيرها من الممارسات التي تحاول تحطيم كل الروابط الخارجية مع أي أحد يختلف عنا، وهذا ما يؤدّي إلى العزلة وتغذية التطرّف والعيش في قوقعة مقفلة تنمّي في عقله التطرّف والإرهاب والعنف، وبالتالي ينفصل بشكل كامل عن مجتمعه الحقيقي ومنظومته الأصلية ".
المرجعيات الدينية سبيل لحماية مجتمعاتنا
في هذا الإطار، إعتبرت بو حرفوش أن هناك عاملاً مهماً من العوامل الموجودة إذا تم التركيز عليه سنتمكّن من حماية مجتمعاتنا من خطر هذه الجماعات، من خلال "توطيد العلاقات مع المرجعيات الدينية، لأن هذه الجماعات المتطرّفة تنشأ في سياق صراعات وخطابات دينية متطرّفة يجب البدء بالعمل على تصحيحها، وعلى المرجعيات الدينية الموثوقة أن تركّز على نبذ الخطابات المتطرّفة وتصويب البوصلة نحو التفسيرات الصحيحة والآمنة للمجتمعات والتركيز على التكامل بين المنظومة الدينية والوطنيّة"، مضيفةً أن
"للشباب أيضاً دور كبير في رفض هذه الأفكار بحيث أن هذا الأمر يجب أن يكون "من خلال التركيز على الإنتاج وملء أوقات الفراغ التي بسببها يفقد الشاب هويته وانتماءه، وبالعمل ومحاولة الإنتاج قدر الإمكان من أجل تخطي الصعوبات الإقتصادية التي نعاني منها في لبنان تحديداً وهي تتفاقم يوماً بعد يوم، لكل ذلك وأكثر فإن الوضع لا يكفي بأن يُعالَج على المستوى المحلّي بل يجب معالجته على المستوى الإقليمي والدولي، وأن يكون هناك تعاوناً من خلال مؤتمرات دولية توضّح وتقدّم جلسات توعية، ليس فقط للمختصّصين والأكاديميين وإنما أيضاً لكل أفراد المجتمع من خلال التركيز على الشقّ التوعوي والأمني ودور الأجهزة الأمنية، وهي مشكورة لكونها في لبنان لا تألو جهداً في المحافظة على الأمن، وخير دليل هو الكشف عن "جماعة القربان" وغيرها من الجماعات التي تدخل الى مجتمعنا اللبناني عبر شبابنا واستغلال حاجاتهم.
بو حرفوش أشارت الى أنه "من الممكن أيضاً أن يعمل المواطن كخفير لمساعدة الأجهزة الأمنية على التصدّي لأي محاولة اقتحام لمجتمعنا، علماً بأن المدارس أيضاً هي ساحة لنشر التوعية حول هذه الظواهر الخطيرة ومتابعة المراهقين وتصرفاتهم لكي نتمكّن من رصد أي ظاهرة أو تصرّف غريبين في وقت مبكر قبل تفاقمه وتطوّره لدى المراهق، وبذلك نكون قد خلقنا "قاعدة بيانات" تسمح بتفادي انتشار هؤلاء الأشخاص في بلدان ومجتمعات أخرى مثل "جماعة القربان"، ويمكن أيضاً استغلال التأثير الذي يمتلكه اليوتيوبرز على المراهقين والشباب، ونشر التوعية من خلالهم حول هذه المواضيع التي بإمكانها أن تؤذي العالم بأسره".
إذاً الأنشطة الإعلامية والتوعوية والمؤتمرات والتعاون مع الأجهزة الأمنية، وكل المُشار اليه أعلاه بإمكانه أن يساعد في الحدّ من انتشار هذه الظواهر من أجل حماية مجتمعاتنا العربية والعالم ككل".