تكشّفت الأيام القليلة الماضية على أزمة تنظيمية فاضحة تعيشها حركة “أمل”. فالمشكلات الأمنية المتنقلة و”الزعرنات” لم تنحصر في منطقة دون أخرى، إنما توسّعت دائرتها من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى الجنوب، وسط تخوّف شعبي من انفلات الحالة التنظيمية للحركة وتزايد الصراعات داخل أجنحتها.
في حديث لموقع Lebtalks، يقلّل مسؤولون محليون في الحركة من خطورة الأحداث الأمنية والتفسّخات داخل جسمها التنظيمي، إلا أنهم يسارعون إلى الاعتراف بأن “الأمور ليست بخير ولم تعد كما كانت”، فيما يقدم كل واحد منهم تفسيره للأحداث الأمنية المتنقلة، فتتراوح الآراء بين لوم “حزب الله” على “إذكاء نار الفتنة”، ولوم “الحميّة الدينية في الزمن العاشورائي وحالة الطقس الحار الذي يدفع الناس للمشاغبة”.
ففي أقل من أسبوع، وقعت أربعة إشكالات خطيرة بين أجنحة من الحركة وأنصار “حزب الله”، وتحوّلت شوارع الغبيري إلى ساحة معركة يوم 15 تموز عندما اشتبك بالسلاح جناح “حركي” يتبع آل دمشق وجناح آخر يتبع آل خليل. وفيما يضم هذا الجناح عدداً كبيراً من “الحركيين” نظراً لعدد آل الخليل الضخم في الضاحية، إلا أن لآل دمشق، المرؤوسة من رئيس أمن رئيس المجلس النيابي نبيه برّي شخصياً يوسف دمشق (أبو خشبة) حظوة في المنطقة وكلمته “معتبَرة” فيها وداخل الحركة بشكل عام.
هذا الصراع الذي دار أساساً بسبب فرض خوّات متبادلة بين الجناحين من ناحية، وحول إدارة بعض محلات القمار من ناحية أخرى، سرعان ما أتى الردّ عليه من تلفزيون NBN، حيث تم تسليط الضوء على لقاء موسّع أقامه رئيس الحركة نبيه برّي مع قطاع المغتربين في الحركة، فعمد إلى التركيز على هذا اللقاء بشكل استثنائي والتأكيد “على الوحدة بين الحركيين أكان في لبنان أو في المهجر”، وذلك على عكس اللقاءات السنوية الماضية التي كانت تقام إجمالاً بعيداً عن الإعلام.
بعد “مناوشات الغبيري” بـ48 ساعة، وقعت مشادات كلامية سرعان ما تحوّلت إلى “ضرب سكاكين وعصي” خلال اجتماع شعبة حركة أمل في بنت جبيل، بين أنصار النائب أشرف بيضون وأنصار النائب السابق علي بزّي، أصيب بنتيجتها ٣ أشخاص ونقلوا إلى المستشفى.
هذا “الانفلات” التنظيمي يدل على أزمة مقبلة اقتربت من أن تضرب جسم الحركة، فالخلافات تأخذ طابعاً عائلياً داخل حركة نشأت أساساً لتخفيف العائلية والإقطاع داخل البيئة الشيعية، فيما تبدو القدرة التنظيمية للقيادة المركزية “معطوبة”، حيث “تلتزم قلة بالقرارات الآتية من فوق” بحسب مسؤول محلي في شعبة بنت جبيل.
كذلك الأمر، وقع خلاف ومشادة كلامية سرعان ما تحوّلت إلى تضارب أمام إحدى المجالس الحسينية في الجنوب حيث اشتبك أنصار الحركة مع أنصار الحزب.
أما المشكل الرابع فكان في بلدة عيناتا الجنوبية، حيث تعرّض شخصان من الحركة إلى كمين مسلح نُقلا على أثره إلى المستشفى، فيما أفادت معلومات أن مطلق النار يدعى حسين س، الملقب ب “أبو شاورما”.
وعلى الرغم من سبب الإشكال، والعائد إلى سجال بين أنصار الحركة مع “أبو شاورما” حول بيعه للشاورما بالقرب من حسينية البلدة بسعر أعلى لعناصر حركة أمل، إلا أن الحادث “ينفخ الهواء في النار” ويعيد فتح جراح الماضي بحسب مسؤول حركي في بنت جبيل، و “يذكرنا بنهاية الثمانينيات واعتداءاتهم المتكرّرة علينا”.
تبعَ هذا الحادث الأمني انتشار مسلح لأنصار الحركة في البلدة كما في بنت جبيل وعيترون وغيرها من القرى الجنوبية، في حين “سارعنا إلى تدارك الأمر وتخفيف الاحتقان في المنطقة” بحسب مسؤول محلي في الحركة.
لا تشي الأيام المقبلة بالكثير من الهدوء داخل البيئة الشيعية ولا داخل حركة أمل، في حين أن ما كان يُقال في السرّ ، بات يُقال في العلن، حيث يشعر كثر من أنصار الحركة بوطأة تقدم نبيه برّي بالعمر، وفقدانه لقبضته الحديدية وقدرته على ضبط الأمور كما كان يفعل في السابق. إن ما يجري داخل حركة أمل “هو بداية صراع على مستقبلها لا على ماضيها”، وسعي لظهور أجنحة ومراكز قوى جديدة داخلها تريد أن تفرض حضورها على أي تغيير آتٍ في الحركة بشكل خاص وفي البيئة الشيعية بشكل عام.