من شبّ على شيء شاب عليه، هذا هو واقع حالة الظاهرة العونية القائمة على ثنائية “معارك دونكيشوتية – حصان طروادة” منذ تكوّنها الجنيني بوصول العماد ميشال عون الى قيادة الجيش في اليرزة في 23/6/1984 وولادتها جماهرياً مع وصوله رئيساً لحكومة إنتقالية الى قصر بعبدا في 23/9/1988. يومها، على خطى دونكيشوت، أوهم عون اللبنانيين بـ”هزّ المسمار” و”تكسير راس حافظ الاسد” وكانت “حرب تدمير” للمناطق المحرّرة تحت ستار “حرب تحرير” وكان “الحصان” الذي سمح بحساباته “الجنونية” الخاطئة بدخول الجيش السوري في 13/10/1990 أخر بقعة عاصية عليه.
هذه المقدمة نوردها بعيداً عن نكء جراح الحرب أو فتح دفاتر الماضي ولكن لمقتضيات فهم الحاضر والخطوات التي يقوم بها صهر عون وخليفته على رأس تياره السياسي النائب جبران باسيل الذي طرح علناً في عشاء هيئة قضاء المتن في “التيار” في 27/7/2023 مقايضة الرئاسة ظاهرياً بمطلبين عبر قوله: “أعطونا سلفاً اللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني وخذوا منا اكبر تضحية على ست سنوات”.
ثم تابع خلال عشاء هيئة قضاء الشوف في “التيار” في 28/7/2023: “اقول لكم بضمير مرتاح أنا اتحمّل مسؤولية التنازل عن الإسم مقابل أخذ مكسبين للمسيحيين ولكل اللبنانيين. اللامركزية والصندوق الائتماني يستحقون التضحية شرط أنه يكون هناك قانون مقرّ سلفاً قابل للتنفيذ الفوري عند اقراره. اكيد تستحق التضحية، وعلى مسؤوليّتي”. خدوا منا تضحية ست سنين، رخاص ست سنين، بيقطعوا…عم ناخد تمن الاسم ع 6 سنين”. كما تحدث عن “منظومة لا تريد اقرار القوانين الاصلاحية التي ينادي منها منذ العام 2019″، رافضاً ان يكون جزءا من دعم مرشح فاشل ومشروع فاشل”.
باسيل، في كلمة له من مخيم بشتودار “الطالبي في 29/7/2023: “الجنرال واجه العالم كله واخترنا معه هذه المواجهة التي لن تنتهي معه فقد واجهنا المحتل والوصي والفاسدين…عهد الرئيس عون مفخرة للتيار الوطني الحر لأنه دفع الثمن بسبب خيار مواجهة الفساد… الطائف أُقر من ٣٣ سنة ولليوم لا يريدون تطبيق اللامركزية وعندما تحدثنا عن التضحية قصدنا إسم الرئيس وليس بالرئاسة أو صلاحياتها… لنا الشرف أن نقوم بمعركة حقيقية لتطبيق اللامركزية الموسعة وكما حققنا الشراكة بقانون الانتخاب والحكومات ورئاسة الجمهورية سنحقق للبنانيين اللامركزية الموسعة شاء من شاء وأبى من أب”…
“الجنرال واجه العالم كله” وباسيل إختار معه المواجهة وها هو يستحضر معزوفة “الحرب الكونية”…
يدعو للتضحية وعلى مسؤوليّته ويخبرنا “رخاص ست سنين، بيقطعوا”،ولكن من قال له ان بإمكان اللبنانيين تحمّل ست سنوات عجاف في أفضل الاحوال كعهد عمّه؟! وهل على مسؤوليته كما تنصّل من مسؤولية أدائه كـ”الصهر العهد” رافعاً لواء “ما خلّونا”؟!
يتحدث عن “منظومة لا تريد اقرار القوانين الاصلاحية التي ينادي بها منذ العام 2019”، متناسياً انه وتياره كانا على رأس هذه المنظومة اقله منذ العام 2016 وأن المطالبة بالاصلاحات قبل ذلك بكثير. إن كنا لا نريد العودة الى “باريس 1 و2 و3” أقله فهي مطلوبة منذ مؤتمر “سيدر” عام 2018 حيث اضحت مكرّسة دولياً كممر إلزامي لمساعدة لبنان….
يرفض “ان يكون جزءا من دعم مرشح فاشل ومشروع فاشل” وهو كان “كلاً” من رئيس فاشل وعهد فاشل”…
يشترط أن يكون هناك “قانون مقرّ سلفاً قابل للتنفيذ الفوري” وهو يدرك ان المسألة ليست مرتبطة فقط بقوانين، فهناك كثر منها أقرت وتنام بعيداً عن التطبيق…
الأهم يخبرنا أنه كما حقق الشراكة بقانون الانتخاب والحكومات ورئاسة الجمهورية سيحقق للبنانيين اللامركزية الموسعة “شاء من شاء وأبى من أب”… الامر يذكّرنا كيف حاول الجنرال عون حرف الانظار عام 2008 عن خضوعه لتخلي “حزب الله” في الدوحة عن ترشيحه لرئاسة الجمهورية عبر إلهاء المسيحيين بإدعاء انه حقق الشراكة بالعودة الى قانون الـ60، فرفع شعار “رجّعنا الحق لصحابو” على لوحات الاعلانات على الطرقات…
ما دام يدعي أنه حقّق الشراكة، فهذا نسف لذريعة “ما خلّونا” وإقرار صريح بالشراكة أيضاً بالعواقب التي نجمت عن هذه الحكومات وعن الرئاسة والتي توجّت بالانهيار الكبير عقب 17 تشرين…
في الحقيقة، الخلاصة مما جاء أعلاه، أن باسيل “دونكيشوت” متربّع على حصان “طروادة” إذ يسعى لدغدغة مشاعر المسيحيين الميالة لأبعد من اللامركزية عبر محاولة إدعاء أبوة خوض معركتها. فيما اللامركزية هي حق مكرّس في إتفاق “الطائف” الذي رفضه سابقاً ثم حين إدعى تأييده تشارك مع من إنقلب عليه وحال دون تطبيقه. يدعي خوض معركة لم يخضها حين كان “تياره” في رأس السلطة!!! وهو يسعى عبر هذا الطرح لتبرير إستمراره بلعب دور “حصان طروادة” “حزب الله” – الذي إمتهنه “تياره” حتى من قبل ورقة “مار مخايل” في6/2/2006 – وإمكان السير بمرشحه سليمان فرنجية وإختلاق أثمان “بطولية”.