الياس الحصروني رمز للصمود في عين ابل…ولهذه الأسباب تمّ اغتياله!

LIMBOTBXXE

كتب جورج حايك: عندما تسير في شورع بلدة عين ابل الجنوبية، لا بد من أن تلمح الحزن في عيون أهلها، ففاجعة اغتيال إبنهم الياس الحصروني أدمت قلوبهم، ودفعتهم إلى التساؤل عن أمنهم ومصيرهم في ظل وجود سلاح غير شرعي يحيط بهم من كل الجهات.
لا شك في ان الحصروني ولقبه “الحنتوش” لم يكن رجلاً عادياً، بل من قبضايات البلدة، وشكّل صمام آمان طوال الأعوام السابقة، فهو كان مسؤولاً في “القوات اللبنانية” في بلدته، وعضو المجلس المركزي في الحزب، ومنذ اللحظة الأولى لم تقبض “القوات” قصة أنه مات قضاء وقدر في حادث سير كما أشارت التحقيقات الأولية للأجهزة الأمنية، وسرعان ما تبيّن أن هناك استخفافاً في التحقيق لصرف النظر عن عملية اغتيال مدبّرة.
إذاً منذ البداية حاول البعض التضليل، ومرتكبو الجريمة كانوا يظنون انهم فعلوا فعلتهم ولم يتركوا أي أثر يكشف وقائع جريمتهم، لكن كاميرات وُجدت في مكان غير بعيد، أدت إلى اكتشاف حقيقة ما حصل بالعين المجردة. هم محترفون، راقبوا الحصروني حتى وصوله إلى طريق فرعية تفضي الى بلدتي حنين الشيعية او دبل المسيحية، عند التاسعة ليلاً، وانقضوا عليه في كمين محكم من خلال سيارتين تضم مجموعة من المسلحين، فقتلوه ورموه قرب موقع السيارة.
ورغم اكتشاف ان مجموعة منظّمة ارتكبت الجريمة في منطقة لا تنظيماً أمنياً وعسكرياً فيها يعلو فوق تنظيم “حزب الله”، لا تزال عمليات التضليل مستمرة على نحو مريب، إذ يروّج بعض الخبثاء المعروفين الانتماء بأن الحصروني قُتل لأسباب مادية تتعلق بلعب الميسر، فيما يؤكد جميع عارفيه أنه ليس لديه أيّ خلافات مالية. بل على العكس كان يساعد كثيراً من دون مقابل. هو شخص عصامي، لم يدخل ابداً الى كازينو ولا يعرف القمار، وكان إبن قضية، ملتزماً بمبادئ حزبه وتعاليم الكنيسة. علماً أنه لا يمكن أن تتم جريمة بدوافع مالية بمثل هذا الاحتراف والتنظيم. والمؤسف ان تسخيف الجريمة أتى من وزير الداخلية بسام المولوي مستبقاً التحقيق بفتوى غريبة عجيبة بأن لا خلفية حزبية للجريمة. علماً ان المعطيات تشير إلى ان قرار اغتياله صدر بعد مراقبة تحركاته والاستقصاء عن دوره وفعاليته في المنطقة، ومن منطلقات استراتيجية تتعلق بمخطط تنوي الجهة التي قامت بعملية الاغتيال تنفيذه في المستقبل، وهي تعرف ان الحصروني سيقف عائقاً أمام طموحها. ورغم ان المولوي قاض سابق ويعرف طبيعة الجرائم، إلا أنه يبدو مربكاً في هذه القضية، وحسناً فعل رئيس حزب “القوات اللبنانية” بطرح تساؤلات على المولوي أهمها كيف يفسر حصول جريمة منظمة شارك فيها العديد من الأشخاص، بين الـخمسة والعشرة، بحسب ما ظهر فقط في بعض الفيديوهات، واستخدمت فيها آليات، في منطقة يسيطر عليها “حزب الله” كلياً من الناحيتين الأمنية والعسكرية؟ وقد يكون المولوي مُحاطاً بمستشارين لهم مصلحة في تضليل الحقيقة، وهنا المصيبة الكبرى.
رفعت معراب درجة مواكبة قضية الحصروني إلى مستويات عالية، وجنّدت بعض مسؤوليها لملاحقة القضية يومياً، وقد نجحت حتى الآن في تحويلها إلى قضية مركزية مع شعبة المعلومات والمخابرات، ولن يهدأ لها بال حتى الوصول إلى الحقيقة، فالمسألة تتعلق بقيادي قواتي له تضحيات كثيرة بدءاً من المقاومة العسكرية مروراً بمرحلة الوصاية وصولاً إلى المرحلة السياسية، والتهاون مع هذه الجريمة يعني فتح الباب امام اغتيالات أخرى تذكّر في حقبة تصفية كوادر قواتية بعد اتفاق الطائف.
لا ترى “القوات” رسالة من الجريمة بقدر ما هو إبعاد أحد العناصر التي تشكّل مقومات صمود للمنطقة، لأن الحصروني كان يحفّز أهل بلدته على البقاء في عين ابل رغم كل الصعوبات، ومنحهم الآمان. ولعل إزاحته من المشهد قد يسبّب لهم الإحباط.
لكن لمعرفة أسباب الجريمة لا بد من التعرّف على الشهيد الياس الحصروني، فمن هو؟
الحصروني(71 عاماً) متزوج من ايفيت سليمان، وهو أب لأربعة شبان، داني وشربل ودينا وماريان. كان محباً ومخلصاً لعائلته، كما أنه شكّل صخرة ارتكز عليها اهالي بلدته عين ابل كونه كان المبادر منذ العام ١٩٧٥ في كل الاوقات كما في اوقات الحرب كذلك في وقت السلم. عندما خاف كثيرون من المواجهة، كان “الحنتوش” مقداماً وشجاعاً واصبح اسمه مرادفا للبطولة والعنفوان. كان مصدر معنويات للاهالي ولم يترددوا او يخافوا يوماً في وجوده، حتى ايام التهجير والقصف، في بداية الحرب وفي حرب تموز ٢٠٠٦، بقي ونظّم الصمود، وحافظ على بيوت اهل بلدته، والتزم بالمساعدة بكل مقومات الحياة من مأكل ومشرب.
انخرط الشاب “الحنتوش” في العشرينات من عمره، في صفوف المقاومة اللبنانية عند اندلاع الحرب العام ١٩٧٥ عندما كانت المواجهة بين منظمة التحرير الفلسطينية في بنت جبيل ومقاومي اهالي عين إبل الذين كانوا يدافعون عن مدينتهم وأهلهم. كان الحصروني من المقاومين الذين انتفضوا للدفاع عن بلدته وأهله، وكانت مسؤوليته في المراكز وداخل البلدة.
كان يتصرّف بمسؤولية كبيرة، والجميع يعرف ما فعله عام ٢٠٠٦ ، وقد قام بدور انساني كبير، إذ أوى واستقبل العديد من العائلات من خارج بلدته خلال حرب تموز.
ترك الحصروني مسؤولية المقاومة المسلحة عام ١٩٩٠ وانخرط فاعلاً ومقرراً في شؤون وشجون اهل بلدته، كان المعيل والمساعد لكل محتاج، لا يرفض طلباً، ودافع عنهم في كل مجالات الحياة، توظّف في شركة كهرباء لبنان لأكثر من 25 عاماً. تقاعد قبل بضعة أعوام، وكان مركز عمله في بلدة بنت جبيل، وارتبط بعلاقة وثيقة بزملائه ومعظمهم من الطائفة الشيعية، وكان يتنقّل بفعل وظيفته في كلّ بلدات القضاء.
استلم الياس الحصروني منسقية بنت جبيل في “القوات” من رفيقه جان علم عام ٢٠٠٩ واستمر منسقاً حتى عام ٢٠٢٢ وتميّز بفعاليته في كل بلدات المنسقية، ووقف مع جميع الرفاق والاهالي وكان اميناً جداً على القضية وحمل المشعل في اشد الظروف قساوة.
قبل اغتياله، لم تكن لديه مسؤولية مباشرة في “القوات” سوى كونه عضو في المجلس المركزي، ورغم ذلك بقي فاعلاً وحاضراً مع كل الرفاق ولم يتلكء ابداً عن المشاركة المباشرة في كل المناسبات كان آخرها قداس شهداء “القوات” الذي اقيم في حزيران الماضي في عين ابل.
تمتع بشخصية قيادية وكان حاضراً في كل مناسبة او نشاط او مشروع، وواكب جميع الانشطة الانمائية ووقف مع بلدته وتصدى لكل اعتداء على الاراضي او الاحراش. كان ايضاً عضواً ناشطاً جداً في مشروع بناءً معلم أم النور الذي يرتفع الى اكثر من ٥٠ متراً وموجود في اعلى نقطة جغرافية في المنطقة.
أما وضعه المالي فكان متوسطاً، يملك مطعماً تحت بيته، قبل أن يوسّعه ويقيم مسبحاً ومن ثم صالة خارجية للحفلات.
انه الرجل الذي يملك حيثية كبيرة، والكبير والصغير يعتبره المثال للرجولة والاندفاع والكرم، فبمجرد قتله شعر الجميع أنهم فقدوا جزءاً منهم، من صمودهم، من كرامتهم وعنفوانهم.
تتشابه جريمة اغتيال الحصروني مع جريمة قتل الناشط لقمان سليم، وكلاهما قتلا في منطقة معروفة بنفوذ “حزب الله”، وبأسلوب منظّم ومحترف، من المستحيل أن تقوم به عصابات محلية، مع ذلك سيبقى الشعب اللبناني بإنتظار التحقيق، وعند الامتحان يُكره المرء أو يُهان!

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: