الأسد أمام ساعة الحقيقة العربية الأخيرة… قبل فوات الأوان

1077226007_0_0_1968_1106_1920x0_80_0_0_cd2a8cc11ffa2d7b7ee6a1b0d4d9b26e

بعدما ظهر بشار الأسد رئيس النظام السوري في مقابلته الأخيرة لشبكة سكاي نيوز بمظهر القوي والواعظ والمتهم والموزّع للشهادات في العروبة والأخوة العربية والخيانة والطعن بالظهر، وما الى هنالك من كلام فارغ لا طائل منه.
وبعدما اتهم العرب والجامعة العربية بنصب فخٍ له في مبادرة انفتاحهم عليه وعلى نظامه ناسفاً الجسور … إعلامياً، ها هو بالأمس وبكل "شطارة " يُرسل وزير خارجيته فيصل المقداد الى اجتماع لجنة الاتصال العربية الخاصة بالملف السوري، حيث وبنتيجة المناقشات والمداولات بين وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق ولبنان والأردن وأمين عام جامعة الدول العربية مع وزير خارجية سوريا، صدر بيان وردَ فيه أنه وضع الجانب السوري أمام ساعة الحقيقة :
أولاً : تناولت المناقشات، وفق ما جاء في البيان الختامي، مخرجات بيان عمان الصادر في الأول من مايو ٢٠٢٣ لمتابعة تنفيذ البيان المشار اليه، وتعزيز الدور العربي القيادي لتسوية الأزمة السورية، ومعالجة تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية، ومواصلة الحوار لتحقيق هذا الهدف وفق منهجية خطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ ووحدة سوريا وتماسكها وسيادتها، ويلبي طموحات شعبها ويخلصها من الإرهاب ويسهم في تعزيز الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين.
ويُلاحظ أن لبنان اعترض على استخدام عبارة " الطوعية " مفضّلاً استبدالها بعبارة " غير القسرية ".
من هذا النص أعلاه، يتبيّن بوضوح أن كل "جعجعة" الأسد أمام وسائل الإعلام كانت فارغة وهوائية، لأنه عاد وأرسل وزير خارجيته الى اجتماع ينظمه مَن سبق له واتهمهم منذ أيام بأنهم كانوا " ينصبون له فخاً، " فكيف يمكن أن يرسل مجدّداً الى مَن ينصب له فخاً وزير خارجيته؟
ثم يحاول الأسد بشتى الوسائل والمناورات السياسية والإعلامية الهروب من حقيقة عاد البيان العربي وذكّره بها : لا حل إلا سياسياً في سوريا وفقاً للقرار الأممي ٢٢٥٤ أي رحيله عن السلطة وإجراء إصلاحات وتعديلات بنيوية في النظام، فلا مفرّ له من الذهاب عاجلاً أم آجلاً.
العاجل سوف يكبد سوريا والسوريين المزيد من الآلام والعذابات أما الآجل فيوفر على سوريا والسوريين المزيد من المأساة والمعاناة، وقد باتت مناطق نفوذه أشبه بصحراء قاحلة لا مياه ولا كهرباء ولا مقومات حياة بشرية كريمة ومحترمة، الى درجةٍ أن بيئته الحاضنة بدأت تنتفض عليه وعلى نظامه وجماعته.
وجاء في البيان الختامي للجنة الاتصال إشارة واضحة الى تطّلعها لاستئناف العمل في المسار الدستوري السوري، وعقد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية السورية في سلطنة عُمان بتسهيل وتنسيق مع الأمم المتحدة قبل نهاية العام الجاري، أي أن العرب بدأوا يحدّدون لبشار الأسد مواعيد تحقيق التقدّم السياسي تضييقاً إضافياً عليه، خصوصاً وأن بشار لن يكون جزءاً من الحل السياسي، لأنه أساس المشكلة لا بل أساس الأزمة برمّتها، فتحقيق التسوية السياسية والمصالحة الوطنية بين مختلف الفئات السورية تشمل العلويين الذين طالما زرع النظام في نفوسهم عقدة الخوف من الباقين وصوّرهم بأنهم يسعون الى القضاء عليهم، الأمر الذي جاءت الأيام والظروف لتثبت زيفها في ظل التفاف وطني سوري على حقيقة وجوب رحيل النظام وتوحيد السوريين لإعادة إعمار وطنهم على أسس ديمقراطية تتحرّر سوريا من خلالها من الاحتلال الإيراني والتأثير الروسي، ويُعاد تشكيل نظامها السياسي والدستوري على أساس سيادي مستقل ومتطور.
ملف اللاجئين السوريين ( بالنسبة لنا هم نازحون ) الذي لطالما حاول النظام السوري التنصّل منه بالهروب الى الأمام عبر الترحيب بعودتهم لإبتزاز الدول بالمال بحجة إعداد البنى التحتية توسلاً لقبض أموال واختلاسها لصالحه.
اذاً البيان هذه المرة بتفاصيله واضع خطة طريق واضحة تتناول توفير الحوافز والتسهيلات لللاجئين العائدين وإنشاء منصة لتسجيل أسماء اللاجئين الراغبين بالعودة بالتنسيق مع الدول المستضيفة والأمم المتحدة وإلزام الحكومة السورية بتوفير المعلومات عن احتياجات المناطق التي ستشهد عودتهم، وبالتالي إفهام الأسد أن عودة النازحين لن تكون مادة ابتزاز للعرب لأنها ستكون في عهدة العرب والأمم المتحدة، وما دور النظام سوى إعداد المعلومات حول الاحتياجات في المناطق.
كذلك حُشرَ النظام مرة جديدة في موضوع لا يقل حساسية وخطورة هو ملف المختطَفين والموقوفين والمفقودين، حيث أكدت اللجنة في بيانها ضرورة تكثيف الجهود لتبادل المختطَفين والموقوفين والبحث عن المفقودين بالتعاون مع المنظمات الدولية كالصليب الأحمر، وهنا يقول المقداد إن بلاده مستمرة في العمل على إطلاق سراح جميع المختطَفين السوريين لأن اللجنة أفادته بالحاجة الى تفاصيل الأسماء والوقائع التي ما أن تطالبه بها اللجنة حتى يتذرّع بسيادية الموضوع قطعاً للطريق أمام اللجنة لمعرفة المزيد.
وجاء البيان بفقرة أشبه بوثيقة الوفاق الوطني في لبنان أو ما يعرف بوثيقة الطائف التي صارت دستور لبنان في فقرة السيادة وإنهاء الميليشيات وحلها وخروج القوات الأجنبية، حيث وردت في البيان إشارة الى : "دعم جهود مكافحة الإرهاب … واجتثاث كافة منابعه ودعم سوريا ومؤسساتها في جهودها المشروعة بالحفاظ على سيادة البلاد وأمنها وإنهاء تواجد الجماعات المسلحة والإرهابية على الأراضي السورية، وخروج جميع القوات الأجنبية غير المشروعة وفق أحكام القانون الدولي، وبما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة ويحفظ أمن سوريا والمنطقة …
فالواضح تماماً أن الفقرة تتكلم عن إيران وميليشياتها بالدرجة الأولى في المفهوم العربي للإرهاب والميليشيات والقوات الأجنبية غير المشروعة، ويُلاحظ إنزال هذه الفقرة وخلافاً للفقرات الأخرى من البيان التي أُشير فيها الى تعاون الوزير مقداد ومشاركته في الحوارات والنقاشات وإبداء وجهات نظره التزام في هذه الفقرة أكتفي استهلال الفقرة بعبارات : أكد أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية على ضرورة …. كذا وكذا …
والأمر واضح وأكيد ومؤكد، فإيران وميليشياتها بالنسبة لبشار الأسد خط أحمر لا مجال للبحث فيه، والغريب كيف يقبل وزير خارجيته بإشارة البيان الى تلك الفقرة من دون تحفّظ مفترض منطقياً.
والأدهى، في ختام البيان، الذي صيغ بأقصى عناية لغوية ديبلوماسية أنه ذكر حرفياً : "… قامت لجنة الاتصال بموافاة وزير الخارجية والمغتربين في الجمهورية العربية السورية بمقترحات لتنفيذ بيان عمان .." والمقصود أن اللجنة سلّمت المقداد لائحة بالشروط المطلوبة من الأسد لتنفيذ بيان عمان التأسيسي للتقارب والانفتاح العربي، أي نفس الشروط التي يعني إعادة تسليمها المقداد عدم تنفيذها الى الآن من قبل النظام ورأسه.
وفي إشارة تشجيع لنظام دمشق للسير في الشروط العربية، جاء في ختام البيان أخذ لجنة الاتصال علماً بالجهود (صيغة حثّ ديبلوماسي على القيام بالجهود المطلوبة وليس إقراراً بجهود، إذ أن الأسد لم يقم بأي جهد الى الآن سوى جهد نسف المبادرة العربية والارتماء أكثر فأكثر في الجبة الإيرانية ) المبذولة من جانب الجمهورية العربية السورية في مختلف المجالات وتشجيع (!!) الحكومة السورية على مواصلة الخطوات والإجراءات الخاصة بالتعامل مع جميع تبعات الأزمة السورية … كلام فائق الديبلوماسية لإفهام الأسد أن العرب ما زالوا ينتظرون جهوده الداخلية في تنفيذ ما التزم به بعد إعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية.

من مجمل ملاحظاتنا، يمكن التأكيد بأن اجتماع لجنة الاتصال العربي الأخير في القاهرة فضح غوغائية نظام الأسد والأسد نفسه وتناقضه الفاضح مع كلامه المستكبر أمام "سكاي نيوز" وخطواته الواقعية باتجاه العرب من جهة ، وأكد المؤكد أن لا تراجع عربياً بإلزام بشار الأسد على السير بالحل السياسي وإعداد نفسه للرحيل عن السلطة قبل فوات الآوان من جهة أخرى.
الأشقاء العرب يحلولون حتى الساعة الحفاظ على "ماء وجه" الأسد إلا أن الأخير مصرّ على إبقاء وجهه في الوحول والعمالة لإيران.
يريدونه خارجاً من الحكم بأقل قدر ممكن من الكرامة، فيما هو يريد البقاء في السلطة مستقوياً بالأجنبي بأي ثمن وحتى على حساب الشعب وكرامته.
بعد انتهاء اجتماعات اللجنة، أرسل الأسد جوابه منذ ساعات : إرسال مسيّرة متفجّرة الى الأردن أسقطها الجيش الأردني، فماذا يُنتظر بعد من بشار الأسد ونظامه ؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: