تمدُد "الروحية الدكتاتورية" للحزب في مجلس "الإمام المغيّب"

183684Image1

بغض النظر عن فنائه عن هذا العالم أم غيابه فيه، تبدو مغرية مقارنة رؤية الإمام موسى الصدر مع واقع "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" في الزمن الحالي.

تأسس "المجلس" على يد الصدر نفسه عام ١٩٦٧، وهو لا يزال، نظرياً، رئيسه حتى بعد غيابه أو تغييبه بعشرات السنوات. حقق الصدر نقلة نوعية للطائفة التي "تسيّد" عليها، فجعلها شريكة في النظام السياسي ولاعباً مهماً في الحياة السياسية. تميّز خطابه بالانفتاح الحقيقي حيناً، وبالكثير من التقية أحياناً أخرى، غير أن وقع أعماله بقيت أثارها حتى اليوم، خاصة وأنه سعى، غالباً، لتعزيز التلاقي والحوار والانفتاح، كما نقل الطائفة الشيعية من براثن الإقطاع ودكتاتورية "الأعيان" جنوباً وبقاعاً إلى رحاب الانفتاح والانتماء الوطني.

أتى القرار الأخير لهيئة التبليغ الديني في "المجلس"، والذي قضى باعتبار ١٥ رجل دين شيعي "منحرفين وغير مؤهلين للتصدي لسائر الشؤون الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة"، ليبرز التناقض والقطيعة التامة بين فِكر الصدر ومعظم دوائر صنع القرار داخل المجلس.

آمن الصدر بالانفتاح والتعايش والديمقراطية وحق الاختلاف، ولم يمارس يوماً ما عمدت "هيئة التبليغ الديني" إلى فعله أخيراً، ومحاولة إسكات كل صوت مختلف أو معارض لسياسات "حزب الله" وحليفه حركة "أمل".

أبرز قرار "الهيئة" كذلك، ضعف نائب "مجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" الشيخ علي الخطيب، والذي وإن أصدر قراراً بالتراجع عن قرار "الهيئة" إلا أن هفوة كتلك التي حصلت أبرزت مدى هشاشة سلطته وقدرته الفعلية على الإمساك بالقرار الفعلي داخل المجلس الذي يترأسه. أما وإن كان هو فعلاً صاحب القرار، فبدا تراجعه وهناً أمام بيئة طائفته وإعلامها وناشطيها.

لا يبدو الشيخ الخطيب كثير الحركة والتأثير والمقدرة في مجال السياسة العامة في البلاد حتى، هذا طبعاً إن تمت مقارنته برؤساء الطوائف الأخرى الذين يعملون في السياسة ولهم تأثير معتَبر فيها.

يعود ضعف الخطيب إلى نظام "المجلس" بذاته، الذي وسّع مشاركة القوى الدينية والمدنية فيه، وجعل من عملية اتخاذ القرار مسألة صعبة، مرهقة ومعقدة، وهو الأمر الذي شكا منه حتى الإمام محمد مهدي شمس الدين في كتابه المرجعي "الوصايا".

يضاف إلى ذلك سبب آخر لضعف الخطيب وهو انتماء غالبية أعضاء المجلس إلى "حزب الله" أو حركة" أمل"، وصراعهما داخل المجلس على السلطة والنفوذ بشكل دائم. ليس الخطيب بعيداً جداً عن الحزب ، لكن كثرة حلقات النفوذ داخل "المجلس" تجعله مكبّل اليدين، كما تجعل من مجلسه أداة إضافية للثنائي الشيعي دون أن يكون له استقلالية في أخذ القرار.

يبرز القرار والعودة عنه أمور أخرى غير ضعف القيادة في "المجلس" وتشظي عملية اتخاذ القرار في داخله، ومنها "الروحية الديكتاتورية" الرائجة هذه الأيام داخل البيئة السياسية والدينية في المجتمع الشيعي. هذه "الروحية" مستمدة من التأثير المتنامي للحزب على بيئته الطائفية، وهو الذي يبدي حساسيات متزايدة في مجال قبول أي مختلف عنه.

ليس اغتيال لقمان سليم مثلاً إلا تجسيداً لهذه "الروحية"، تماماً كما هي الخلافات التي تظهر بين الحين والآخر في الجنوب بين "أبناء الدم الواحد" والتي يتلوها اعتذار مِمَن تجرأ على قول أي رأي مخالف لرؤية الحزب بعد تعرضه للتهديد والوعيد.

فِكر وآليات عمل "حزب الله" تتمدد، وهي تضر المجتمع الشيعي قبل أي مجتمع لبناني آخر، وتضر كذلك بكل ما بناه الإمام موسى الصدر عندما يحوّل "الحزب" إرثه إلى مجرد ذكرى لزمن مضى.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: