ذعرٌ في طهران تغلّفه ابتسامات عبد اللهيان…أين ستتموضع إيران جيوسياسياً؟

OlVssIjU1tsw9zJDZQnxMQPGXgdcIbHNLZ30pidq

تعالوا بإيجاز لنختصر الوضعية السياسية لإيران في المشهدية الجيو سياسية كالآتي :
روسيا لا تستطيع مساعدتها لأن الرئيس فلاديمير بوتين يخوض معركة ليس فقط مصير روسيا في أوكرانيا بل مصيره هو في موسكو عبر أوكرانيا،
فضلاً عن أن صورة بوتين تهتز كل يوم بين مسيّرة تخترق أجواء موسكو وأخرى تتوغّل في العمق الروسي وقد سقطت هيبة بوتين …
وبالأمس تم إنزال نصب ستالين في كازاخستان كدليل على انتهاء عصر مهابة موسكو، حيث صرّح المسؤولون الكازاخستانيون بأن منصة آستانا انتهت.
الصين ليست في وارد الدخول في صراع عسكري مع الأميركيين والغرب من أجل "عيون طهران" والملالي، ولذا عملت بكين جاهدة للتوصّل الى الاتفاق السعودي- الإيراني كي تضع طهران أمام مسؤولياتها بضرورة التفاهم مع الجيران الخليجيين وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية.
الولايات المتحدة من جهتها تتعامل مع إيران "على القطعة" فحيث لا اتفاق نووياً هناك صفقات صغرى كالصفقة الأخيرة مع تحرير أسرى أميركيين مقابل ٦ مليارات دولار كفديةٍ دفعتها واشنطن الديمقراطية لتعزيز أوراق إنتخابية رئاسية مقبلة،
كما أن واشنطن لم تعد تنظر الى إيران كنافذة لسياساتها واستراتيجياتها التي من أجلها تم زرع نظامها في المنطقة منذ نيف وأربعين عاماً، فالمنطقة العربية التي كان المطلوب من إيران ونظام الملالي زعزعة أمنها واستقرارها تم لهم ذلك، وكانت الذروة مع ما سُمّي "بالربيع العربي" الذي فشل ومكّن الأنظمة نفسها المتهمة غربياً بالتوتاليتارية والديكتاتورية من العودة أقوى مما كانت بحيث باتت تلك الحكومات محورية إقليمياً ودولياً، لا بل حاجة أميركية كما اليوم مع المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإن واشنطن لا تطمئن نظام الملالي بعدما أصبح يتيماً مستهلَكاً ومنتهي الصلاحية.
تركيا لم تعد لإيران شريكة منصة آستانا في سوريا، فلا الآستانا استمرت ولا سوتشي، بعدما استدارت "تركيا أردوغان" بعد إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة، وأصبحت أنقرة "ناتو" بشكل كلي وأميركية في تحالفها بحيث وصلت الى حدّ تهديد بوتين وتسليم قيادات مقاتلي آذوف الأوكرانيين الى الرئيس الأوكراني من دون أي وجل أو تردّد.
اذاً إيران، وفي نظرة جيو سياسية إقليمية ودولية هي محاصرة ومذعورة خصوصاً وأن شبح الاضطرابات الداخلية التي اندلعت في أيلول الماضي قد تعود في أيلول المقبل مع ذكرى مقتل مهسا أميني.
نظام الملالي يدرك أن أخطر ما يمكن أن يتعرّض له أي نظام إيراني عبر التاريخ هو الإسقاط من الداخل بثورات شعبية، ومن هنا يمكن فهم ( وليس موافقة ) طهران إن هي أبقت على أذرعها الإقليمية ووكلائها الميليشياويين في المنطقة من دون المبادرة لحلّهم أو تنفيذ التزامات إنهائهم، لأن في الذهن الإيراني، ولا سيما ذهن الحرس الثوري، أصبحت تلك الميليشيات الموزعة على أربع دول عربية، فضلاً عن غزة في فلسطين بمثابة أوراق ضغط وابتزاز يمكن لطهران أن تلجأ الى تحريكها إن رأت نفسها محشورة أو مهدّدة وجودياً لشدة الحصار وتخلّي الحليف عنها.
من هنا تحاول طهران من خلال استراتيجية التقارب والتقرّب من الرياض إيجاد نوعٍ من البديل التحالفي معها يحصّنها في مواجهة أخطار الداخل والخارج لا سيما وأن الملالي ذاق القدرة السعودية على التأثير على الداخل الإيراني في أثناء انتفاضة مهسا أميني والإضطرابات التي تبعتها.
هذه الاستراتيجية لا تنجح في مقابل لا شيء لأن الرياض طلبت ثمن التقارب والتقرّب وهذا أمر أكثر من طبيعي لا بل بديهي، ومن هنا فإن زيارة وزير خارجية الجمهورية الإسلامية في إيران أمير حسين عبد اللهيان الأخيرة الى المملكة ولقائه مدة ٩٠ دقيقة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم تكن زيارة مجاملة بل زيارة "جردة حساب أولى " قدّمتها طهران "ومضبطة" اتهامات قدّمتها الرياض،
فأي علاقة يمكن أن تطمح اليها طهران مرهونة بتنفيذها لتعهداتها بدءاً من اليمن حيث الحوثي لا يزال "يزبد ويرعد" ويهدّد وينتفض، وفي العراق حيث الحشد الشعبي والأحزاب العراقية التي تدور في الفلك الإيراني تسرح وتمرح وتحكم وتعرقل خطوات الحكومة العراقية الانفتاحية على المحيط العربي، وفي سوريا حيث بشار الأسد حليف طهران لا يزال يناور ويسوّف ويماطل ويتنصّل من التزاماته المطلوبة منه بموجب المبادرة العربية والخليجية ولا يُقدم على أي خطوة إيجابية تفتح كوّة في الجدار المقفل في لحظة حاسمة تتم فيها محاصرته عسكرياً من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها شمال شرقي الفرات وشرق سوريا وجنوبها الخارجين عن سيطرة الأسد.
كل هذه الملفات التي لم تعالجها إيران الى الآن، أُعيد طرحُها في خلال اجتماع اللهيان مع ولي العهد السعودي، بالإضافة الى استعراض مشاريع واستثمارات المملكة الممكنة في إيران وسبل التعاون وحل الخلافات ومنها الخلاف حول حقل الدرّة .
ويلاحظ المراقب أن لقاء محمد بن سلمان مع حسين أمير عبد اللهيان، رغم طول مدته وخروج اللهيان مبتسماً وفرحاً من مجرد لقائه بولي العهد، لم يخرج بأي شيء جديد أو أقله ببيان مشترك، لأن الاجتماع لم يكن اجتماع تحقيق نتائج بل اجتماعاً تقييمياً لما أُنجز ( وهو ليس بالكثير) وما لم يتم إنجازه بعد.
تبقى الإشارة الى ملاحظتين على هامش لقاءات عبد اللهيان في المملكة : مرافقة نسائية لوزير خارجية إيران عند وصوله الى الرياض واستضافته من قبل وزير الخارجية فيصل بن فرحان للدلالة على مدى احترام المملكة لدور المرأة في المملكة، فيما النساء تُعنَّف وتُضطهد في ثرواتهن في الداخل الإيراني، أما استخدام الوزير الإيراني لمصطلح " الخليج الفارسي" بدل الخليج العربي فهو الأمر الذي لطالما استفز العرب والخليجيين، ما حدا برجل الأعمال الإماراتي الشهير خلف الحبتور الى كتابة تغريدة تصحيحية واحتجاجية للوزير الإيراني يشرح فيها أصل عروبة الخليج التاريخية.
اذاً إيران في وضع صعب وصعب جداً وهي تتوسّل التقارب من السعوديين لكن لا يمكن تحقيق ذلك ما لم تبادر الى تنفيذ التزاماتها تجاه السعوديين والصينيين.
يبقى أن ما يقضّ مضجع الإيرانيين فوق كل ذلك احتمالات التطبيع السعودي- الإسرائيلي، فإيران تحاول إقناع الرياض بالتخلّي عن هذا التطبيع واستبداله بعلاقات ممتازة، لا بل تحالف مع إيران بحكم الجيرة والتاريخ المشترك والدين والجغرافيا، إلا أن أمام طهران خطوات وإجراءات لا بد منها لبناء الثقة المفقودة بها عربياً وخليجياً قبل الحديث عن علاقات ممتازة وتحالفات وعرض نفسها بديلاً أو خياراً استراتيجياً إقليمياً قيّماً .
ذعر في طهران … تغلّفه ابتسامات عبد اللهيان … فهل بدأ النظام الإيراني يستشعر بداية النهاية … ؟!

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: