مجموعة بريكس : توقعات تفوق المعطيات الموضوعية

Doc-P-1099732-638282877820536521

ليس من السهل أبداً الحديث عن تكوّن مجموعة دولية منافسة للغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية والدولار الأميركي في هذه الفترة الدولية الدقيقة والمتوترة، لأن مشروعاً بالحجم الذي يُراد أن يكون عليه "بريكس" دونه صعوبات وعقبات ليس أقلها الملفات الشائكة بين أعضائها المؤسسين ولا سيما على سبيل المثال لا الحصر بين الصين والهند.
بالأمس، أعلنت واشنطن استبعادها بأن تشكّل مجموعة "بريكس" تحدياً جيو سياسياً للولايات المتحدة الأميركية، ما يعني أن واشنطن لا ترى في تشكّل هذه المجموعة أكثر من تكتل دول تبقى آثاره الدولية محدودةً بالقياس مع مصالح الولايات المتحدة والغرب.
ضمن "بريكس"، هناك مجموعة تحديات ومشكلات خصوصاً في علاقات الصين بالهند، تحديداً على الصعيد الاقتصادي والجيو سياسي، حيث أن العلاقات بين البلدين ليست في أحسن حال.
وفي هذا السياق، لا بدّ من التذكير بوقائع التوتر المستمر والذي يجد جذوره في الصراع الحدودي بينهما حيث دارت على مدى السنوات الماضية اشتباكات بين القوتين الآسيويتين الكبيرتين على طول الحدود بينهما والممتدة على طول 3500 كيلومتر، خصوصاً في منطقة "لاداخ" المرتفعة في شمال الهند.
وفي عام 2017، وقفت القوات الهندية والصينية وجهاً لوجه على مدى 72 يوماً في قطاع استراتيجي من منطقة بوتان في الهيمالايا، ونجحت المفاوضات آنذاك بتخفيف التوتر بين الطرفين، فيما استمرت نزاعات جغرافية عدة بين الهند والصين في قطاعات لاداخ (غرب) وأروناشال براديش (شرق)، ووقعت حرب خاطفة بين البلدين عام 1962، هُزمت فيها القوات الهندية.
والجدير ذكره أن أول فصول النزاع بين البلدين يعود إلى سنة 1947، حين استقلت الهند عن بريطانيا وحصلت على هضبة واسعة شمال شرقي البلاد، وقالت الصين إن ملكيتها تعود لها فكان الهجوم الصيني على القوات الهندية سنة 1962، المحطة الأبرز في هذا النزاع، حيث استولت على مرتفعات أقساي تشين التي تفصل بين البلدين.
آخر مواجهة كبيرة بين البلدين كانت في العام 2017، حين بدأت الصين في شقّ طريق عسكرية على تلة استراتيجية قرب حدودها تُعرف بهضبة "دوكلام"، التي تربط بين أراضٍ صينية وهندية وبوتانية، إلا أن تلك الواقعة انتهت بتراجع القوات من الأطراف كافةً ولا تزال حال عدم اليقين والثقة قائمة بين البلدين.
صحيح أن مجموعة "بريكس" تضم دولاً تمثل أكثر من 40 % من سكان العالم، ونحو ثلث مساحة اليابسة، وأكثر من 20 % من حجم التصنيع العالمي، وما يزيد قليلاً عن 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول السبع الكبرى. وقد كتب مؤخراً جيم أونيل، الذي صاغ مصطلح "BRIC" في العام 2001، (صاغ أونيل، الرئيس الأسبق لشركة "غولدمان ساكس" مصطلح BRIC في وصفه للأسواق الدولية الكبرى الناشئة، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين)، أنه بحلول العام 2030 ستشكل مجموعة "بريكس" ما يقارب 50 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وبالطبع حصة أكبر من التصنيع، فعلى الرغم من كل هذه المعطيات الا أن الكثير ينقص هذه المجموعة كي تبلغ حدّ منافسة المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة و أبرز تلك النواقص : امتلاك القوة العسكرية المنتشرة في العالم حيث الولايات المتحدة متواجدة عسكرياً في أكثر من ٨٠٠ موقع عسكري عبر العالم، كما أن التكنولوجيا لا تزال بيد الأميركيين والغرب، ناهيك عن الاستثمارات المتشعّبة والمتداخلة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، فمثلاً حيث بكين تمتلك نسبة كبيرة تفوق ١٧٠ مليون دولار كديونٍ أميركية فإن ما يناسب بكين بالتالي ضرب الدولار أقله في المدى المنظور كي لا تتأذى في مديونيتها للأميركيين .
نشير في هذا الصدد الى التصريح الذي خرج به بالأمس مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان الذي أعلن فيه أن استقرار الاقتصاد الصيني يمثّل مصلحةً للعالم أجمع وواشنطن لا تعمل على إبطاء نمو بكين.
هذا التصريح يُظهر مدى الترابط والتشابك في المصالح الاقتصادية بين بكين وواشنطن،
ويضاف الى ذلك أن مسألة انضمام دول جديدة الى مجموعة بريكس ما دونها عقدة متمثّلة في مدى استعداد أو عدم استعداد الدول طالبة الانضمام، ومنها على سبيل المثال، المملكة العربية السعودية لأن يكون انضمامها من باب التحدّي والانحياز لمعسكر مناهض للولايات المتحدة والغرب كما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأن الرياض تريد أن تكون علاقاتها الدولية متوازنة ومنفتحة على الجميع من دون انحياز أو اصطفافات دولية متنازعة.
عضوية الإمارات والسعودية في المجموعة ستكسبها بلا أدنى شك مزيداً من القوة الاقتصادية والسياسية، لكن السؤال يتناول الدول طالبة الانضمام والتي تعاني اقتصادياتها من أزمات كحال مصر وفنزويلا اللتين تقدمتا بطلب العضوية، وهما يعيشان أزمات اقتصادية ضخمة وخطيرة .
الإعلام الأميركي يلقي الضوء على الخلافات التي تعصف بين دول بريكس، ما يبطىء ويعرقل توسّع المجموعة وتوحيد العملة المشتركة،
ولأول مرة تتناول قمة بريكس التي عقدت في جوهانسبرغ جنوب أفريقيا هذا العام مسألة توسيع المجموعة كإقرار منها بأهمية هذا التوسيع الذي من دونه لن تستطيع المجموعة الارتقاء الى مستوى المنافسة الاقتصادية الدولية، وقد أبدى الزعيم الصيني تشي جيبينغ استعداد بلاده لتقبّل دخول دول جديدة.
هذه القمة أتت في لحظة اشتباك دولي من أوكرانيا الى تايوان، ما يفقدها فاعليتها لاسيما أن المحاور الإقليمية والدولية التي تتشكل على المساحة الجيو سياسة تفرز تحالفات وصراعات يصعب استيعابها ضمن التكتل المذكور كمثال العلاقات السعودية- الإيرانية التي لا تزال في غرفة الاختبار، فكيف يمكن تصوّر أن الرياض وطهران أصبحتا حليفتين وشريكتان ضمن مجموعة دولية جديدة ؟
وللدلالة على ضعف التكتل في الارتقاء الى مستوى المنافسة والندّية مع الأميركيين والغرب مفارقة عدم حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعمال القمة بل الاكتفاء بمشاركته عبر تقنية التواصل عن بعد،
فأي تكتل هذا الذي يعجز عن حماية أحد أعضائه، لا بل يعجز عن التنصّل من عقوبات غربية مفروضة على أحد أبرز هؤلاء الأعضاء؟
أمام مجموعة بريكس طريق طويلة والتمنيات والأحلام ورفع سقف التوقعات ليس بالأمر الكافي كي يصل هذا التكتل لِمَا يُراد سياسياً واقتصادياً الوصول اليه، وقد تكون نقطة ضعف التكتل في انطلاقته حيث ثمة دول تريده تكتلاً اقتصادياً عالمياً فقط، فيما دول أخرى تريده تكتلاً سياسياً، الأمر الذي تتحفّظ عليه الهند مثلاً حتى الآن،
فكيف بموضوع توحيد العملة وتوسيع التكتل وسواها من أمور شائكة تبقى منطلقاتها وشروطها غير واضحة حتى الساعة .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: