ونفّذَ بوتين انتقامه من بريغوجين…

WhatsApp Image 2023-08-25 at 11.10.54 AM

لم يكن مستبعداً احتمال تخلّص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من يفغيني بريغوجين، قائد ومؤسس ميليشيا فاغنر، إذا لطالما عُرف بوتين بالانتقام من خصومه بدمٍ باردٍ على قاعدة القول الفرنسي الشهير "la vengeance est un plat qui se mange froid"، وبالفعل إنتقم بوتين من خائن له على " البارد " ولو بعد حين منذ تمرّد الأخير ضده في شهر حزيران الماضي.
قُتَل بريغوجين في حادثة إسقاط طائرته التي لم تتم في أوكرانيا أو في باخموت التي كان بريغوجين نفسه الدور الأساسي في معركة احتلالها، بل فوق الأراضي الروسية وشمال موسكو، ما يعني أن مطلقي الصاروخين من الداخل الروسي وبفعل تدبير استخباراتي روسي مُحكم.

قتل بريغوجين طبعاً لن يكون له أي تأثير على مسار الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن مما لا شك فيه أيضاً أن اغتيال بريغوجين شكّل رسالة واضحة من سيد الكرملين الى كل مَن تسوّله نفسه الاعتراض أو التمرّد على قيادته وسياساته، مع العلم أن الرئيس بوتين أقال خلال الساعات الثمانية والأربعين التي سبقت اغتيال زعيم فاغنر، قائد القوات البحرية الروسي صديق بريغوجين سيرغي سوروفيكين، ما يدّل على أسلوب الانتقام الذي ينتهجه الرئيس الروسي حيال من يشك بأمرهم ويتهمهم بالخيانة.

اغتيال بريغوجين يبعث بثلاث رسائل أساسية :

  • الرسالة الأولى موجّهة الى الداخل الروسي ومفادها بأن الكرملين لن يتسامح مع أي خيانة ضده.
  • الرسالة الثانية مفادها أن الرئيس بوتين مستعد لتصفية كل معارض لخططه في الحرب في أوكرانيا أو لسياساته وقراراته، وتاريخ الرجل حافل بتصفية وتسميم وإخفاء معارضيه الذين نذكر منهم مؤخراً الكسندر ليتفينينكو وهو ضابط المخابرات الروسي السابق الذي تم تسميمه عندما تم خلط مادة مشعة في الشاي الذي كان يتناوله في فندق ميلينيوم في لندن عام 2006. وهوكان يحقق في العلاقات بين مسؤولي إنفاذ القانون الروس وجماعات المافيا، أما بوريس بيريزوفسكي رجل الأعمال الملياردير الذي تحوّل إلى منتقد لبوتين والذي فرّ الى لندن في العام 2000 فقد عُثرعليه مشنوقاً في منزله في بيركشاير في العام 2013 .
    ويُذكر أيضاً في السياق ذاته نيكولاي غلوشكوف، المدير السابق لشركة "إيروفلوت" الذي انتقل إلى المملكة المتحدة في العام 2010، بعدما قضى فترة في السجن بتهمة تحويل أموال من شركة الطيران عبر شركة أخرى، وحصل على حق اللجوء السياسي في العام 2017، لكنه وجد مخنوقاً بمقود كلب في منزله بجنوب غرب لندن في عام 2018. رافيل ماغانوف رئيس مجلس إدارة شركة "لوك أويل"، وهي شركة منتجة للنفط، توفي هذا الأخيرعندما سقط من نافذة المستشفى العام الماضي، وكان قد انتقد علناً الحرب الروسية على أوكرانيا، وتوفي رئيس مجلس إدارة شركة "لوك أويل"، وهي ألكسندر سوبوتين عضو مجلس إدارة شركة "لوك أويل" في شهر أيار من العام الماضي، وقيل إنه أخذ دواءً بعدما شرب الكثير من الكحول.
    ومن ضحايا الرئيس الروسي، ليونيد شولمان وألكسندر تيولاكوف بحيث عُثر على شولمان، وهو رئيس خدمات النقل في شركة "غازبروم"، شركة الطاقة المملوكة للدولة، ميتاً ومعصماه مجروحان، في منزله في كانون الثاني  من العام الماضي. أما تيولاكوف، وهو مسؤول آخر في شركة "غازبروم"، فقد قيل إنه شنق نفسه في شباط الماضي. اللائحة تتطول لتضم
    فلاديسلاف أفاييف وسيرغي بروتوسينيا : نائب رئيس شركة "غازبروم بانك" السابق والمدير الأول لشركة "نوفوتيك" للطاقة الذين انتحرا في نيسان من العام الماضي. وقيل إنهما قتلا زوجتيهما وبناتهما قبل أن ينتحرا.
    العقيد الجنرال غينادي تشيدكو كان يقود القوات الروسية في أوكرانيا خلال الحرب، لكن تمت إقالته بعد سلسلة من الهزائم المهينة. وتوفي هذا الشهر بعد صراع طويل مع المرض، لكن هناك تكهنات بأنه مات بعد تعرّضه للتسمم.
    جينادي لوبيريف، وهو جنرال ومعروف بأنه حارس الأسرار المتعلقة بقصر بوتين المطل على البحر الأسود والذي تبلغ كلفته مليار جنيه استرليني فقد توفي بشكل غير متوقع الأسبوع الماضي في السجن قبل محاولة الإفراج المشروط عنه، بعد أن أخبره الأطباء أنه مصاب بسرطان الدم غير المشخص، وهو سُجِن قبل سبع سنوات بعد أن عمل في خدمة بوتين الشخصية.
  • الرسالة الثالثة وهي موجهة للخارج ومفادها أن الكرملين والرئيس بوتين نفسه لا يزال يدير خيوط الحرب والكلمة الأولى والأخيرة له على القوات المسلحة، وهو قادر على التحكّم بمسار الأوضاع الداخلية في روسيا إن حاولت أي قوة خارجية التطاول على الأمن الداخلي الروسي عبر خيانات أو مؤامرات داخلية .

اغتيال بريغوجين يُعدّ جزءاً من الحربين التي يخوضهما الرئيس الروسي حالياً : الحرب بمعناها العسكري في أوكرانيا والحرب الديبلوماسية العقائدية التي يخوضها عبر مجموعة "بريكس " الذي يسعى لتحويلها الى قطب عالمي ندّي ومعارض للقطب الأميركي والغربي، ولا سيما مجموعة السبعة ومجموعة العشرين وسواها من مؤسسات ومنظمات وتكتلات يريد بوتين الخروج منها ومنافستها. اغتيال زعيم فاغنر دليل على وجود قرار لدى الرئيس بوتين بتنظيف الداخل الروسي بدءاً من الاوليغاركيين الذين يحيطون به، وقد كان بريغوجين طباخه الخاص ومن بين أبرز الأثرياء الاوليغارك الواقفين الى جانبه قبل أن يتحوّل في ما بعد، وإثر خوض فاغنر أشرس المعارك، لاسيما في باخموت الأوكرانية التي حقق فيها انتصاراً لروسيا، الى القيادة العسكرية لتنظيم ميليشياوي داعم للكرملين ومن ثم مناهض ومتمرد عليه.
إسقاط طائرة بريغوجين بصاروخ ليس سوى عملية إعدام واضحة نفّذها ساكن الكرملين بعد شهرين على تمرّد بريغوجين الشهير على القيادة الروسية. فاغنر تتهم خونة روس بالوقوف وراء اغتيال زعيمها ما يؤشر الى وجود انقسامات داخلية وتوترات سياسية تطفو على السطح يوماً بعد يوم وقد تتسارع، ما سيحتم على بوتين تشديد القبضة الحديدية على القوات المسلحة وازدياد سلطويته الكاملة على روسيا، فهل يكون اغتيال بريغوجين نهاية فصل من تاريخ روسيا السياسي أم افتتاح فصل جديد من التغييرات الداخلية الروسية والجيو سياسية الخارجية ؟
وهل اغتيال بريغوجين يُنذر بموجة تشدّد جديدة للرئيس الروسي والجنوح نحو راديكالية دموية تبدأ من الداخل ولا تتوقف خارج الحدود الروسية ؟
الأكيد أن الاغتيال جاء في لحظة حرجة لبوتين في حربه على أوكرانيا حيث الجيش الروسي يتعثّر في حسم المعارك وفي تحدياته الأفريقية التي كان لبريغوجين تصريح يوم الإثنين الفائت روّج خلاله لدور روسيا الكبير في أفريقيا.
وكيف ستكون إدارة الكرملين لوجوده في أفريقيا بين مالي وليبيا ووسط أفريقيا والنيجر بعدما كان بريغوجين يمتلك كلمة السر للوجود والتأثير الروسيين في المعادلة الأفريقية وصولاً الى أميركا اللاتينية من باب فنزويلا ؟
سؤال يُطرح أيضاً حول مصير فاغنر نفسها بعدما قُطع رأسها؟
هي أسئلة برسم الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة لكن وحتى ساعة كتابة هذه السطور فإن ساكن الكرملين ملتزم الصمت حيال الحادثة … مفارقة لافتة بكل الأحوال …

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: