الأسد ونظامه أمام محاكمة الشعب السوري

bachar al assad

لم يكن أحد يتوقّع من مقابلة رئيس النظام السوري بشار الأسد لشبكة "سكاي نيوز" الأخيرة أكثر مما قاله، وقد اعتاد هذا الرجل على نظريتين في أدبياته : نظرية الكذب ونظرية قلب الحقائق.
والمعروف أن هذا النهج المعتل لطالما مارسته بروباغندا الفكر الشمولي والاستبدادي في الأنظمة الشيوعية والاشتراكية في الاتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا حالياً ودول الكتلة السوفياتية في حقبة الحرب الباردة، واعتمدته زعامات تدور في فلك تلك الحقبة ولا تزال.
بشار الأسد إمتهن الكذب في كل مرة واجه مأزقاً أو استحقاقاً داهماً فتراه يكذب ويكذب ويكذب، وفي نفس الوقت يدّعي في العلم فلسفةً وقد غابت عنه ليست أشياء بل كل شيء، حتى مَن يلقّنه ساعة نومه ولون بزته الرسمية التي تحددهما طهران التي لم تعد تستحوذ على حكمه وسلطته بل وعلى بلاده وقد باعها للنظام الإيراني بحجرها وبمقدراتها وثرواتها وأملاكها ومدارسها ومؤسساتها وحتى … إنسانها.
هذا الرجل السابح في دنيا الأوهام والانفصام عن الواقع والحقيقة والمتعجرف والمستكبر وهو في ذروة الضعف والانهيار، اذا به وعلى شاشة التلفزة مؤخراً يطلّ ليعطي كعادته دروساً ويوزع المسؤوليات ويحمّل الآخرين تبعات جرائمه ضد شعبه والإنسانية، وأكاذيبه لا تُحصى كما إدعاءاته الفارغة والعبثية.
الأسد يشنّ هجمات على تركيا وحماس والجامعة العربية ويتهم ويتباهى ببقائه وصموده على جماجم ودماء شعبه الذي قصفه بالبراميل المتفجّرة وعلى أطلال بلدٍ دمّره ويرمي الإرهاب على الآخرين وهو الذي ضرب أرقاماً قياسية في تصدير الإرهابيين الى لبنان وزرعهم في المخيمات الفلسطينية، من البارد الى عين الحلوة إنفاذاً لأجندة أولياء أمره ونعمته في طهران.
الأسد يقول إنه لا يعترف إلا بالمعارضة المصنّعة داخلياً لا المصنّعة خارجياً، متناسياً أن المعارضة المصنّعة داخلياً قصفها وفتك بها في الأشهر الأولى من اندلاع الثورة السورية، وبخاصة في درعا وريف دمشق … هذه الثورة التي اندلعت عفوياً و من دون سلاح على وقع هتاف "سلمية … سلمية"، والتي واجهها هو وبلطجية نظامه بالضرب والقتل والتنكيل والاضطهاد وقطع الحناجر التي تجرأت على المطالبة بالحرية والكرامة.
يومها لم يكن ثمة معارضة مصنّعة من الخارج لا بل شعب أعزل بريء كل ذنبه أنه تجرأ على الخروج الى الطرقات والساحات للمطالبة بأبسط قواعد العيش الكريم والحر، فبماذا واجههم ؟ بالنار والدم والحديد وعندما رأى أن الاحتجاجات تتضاعف وتمتد، أدخل هو نفسه الإرهابيين والمنظمات الإرهابية في صفوفها ليعود ويتذرّع كذباً وتزويراً بأن الثورة إرهابية الى أن تسلّحت تلك الثورة ودخلت اليها العناصر الإرهابية والإسلامية المتطرّفة المندسّة ليتخذ من ذلك ذريعة للقضاء عليها بالقوة والدم والنار .
ويقول الأسد في المقابلة الأخيرة ومن ضمن كذبه إن صورة الحرب تمنع أي مستثمر من القدوم الى سوريا، متجاهلاً عن قصد وتزوير أن المستثمر يمتنع عن الاستثمار في سوريا في ظل حكمه وإجرامه، وفي ظل رفضه الالتزام بشروط قمة جدّة، وقبلها القرار العربي ٨٩١٤ والقرار ٢٢٥٤، وهذا هو السبب الحقيقي لعدم قدوم مستثمرين الى سوريا بفضل سياسته العبثية وحربه التي شنّها على شعبه.
ويقول الأسد إن الجامعة العربية لم تتحوّل الى مؤسسة بالمعنى الحقيقي وكأن مؤسسات دولته مثال يحتذى به للأخذ بنموذجها، وهو الذي طوّع مؤسسات بلاده وأخضعها لدكتاتوريته القمعية.
ثم متى يعتبر الأسد الجامعة العربية مؤسسة ؟ عندما ترسل له أموال ليوزعها على أسرته ومحاسيبه بدل الشعب أم عندما تأتيه لتطويبه قائداً فذاً للأمة العربية ؟
وإن لم تكن مؤسسة فكيف يقبل بعودة مقعد سوريا اليها ؟ لا بل كيف يقبل بالذهاب الى جدّة وحضور قمتها ؟
ويقول إنه لو تفادى الحرب لكان سيدفع ثمناً أكبر لاحقاً وكأنه وبعد الحرب لم يدفع أي ثمن كبير بل بضعة آيات شكر وزعها على الروسي والإيراني !!!
أي ثمن بخس برأيه ذاك الذي يتمثّل بإبادة شعب والتنكيل به وقصفه بالبراميل المتفجّرة ؟ لا بل أي ثمن مهم أن يبقى على كرسي حكم جماجم شعبه وركام بلده ؟ وقد قتل مئات الآلاف من أبناء شعبه وهجّر ملايين ودمّر بنية بلاده التحتية والفوقية ثمناً لبقائه على قاعدة "الأسد أو حرق البلد"، الذي احترق فعلاً وسقطت شرعية الأسد ومشروعية حكمه، وها أن نظامه بدأ يترنّح في السويداء ودرعا وداخل بيئته العلوية الحاضنة، فيما يبدو لا عودة الشعب في مواجهة نظامه على وقع محاصرته شمالاً وشرقاً وإقفال معبر البوكمال شريان "أوكسيجينه" الإيراني من العراق.
الأسد يقول في هذا السياق إن التنحّي عن السلطة لم يكن مطروحاً على الإطلاق، وهذا شأن كل ديكتاتور طاغية يستمد مبرّر بقائه في السلطة من الروس والإيرانيين، لا من الشعب الذي لو عاد الأمر له حقاً وبكامل الحرية لكان " قبعه " منذ زمان بعيد،
ليعود ويمد يده " للشحادة " والتسوّل عندما يربط عودة اللاجئين السوريين بإعادة إعمار البنى التحتية التي دمّرها هو ويرمي التهمة على هؤلاء الإرهابيين مجهولين باقي الهوية الذين هم في الواقع صنيعته.
ويقول إنه لم يتدخّل في الشأن اللبناني ولا في أزمة انتخاب رئيس جمهورية، فهل يحتاج للتدخّل وعملائه وأبواقه وحليفه الإيراني يتحكمون بالبلد ومفاصله ويتولّون تعميق الأزمات وتفاقمها والقضاء على الجمهورية برمّتها.
نظام الأسد بُني على العبثية وتحوير الحقائق وقلبها … فهو يمشي على رأسه ويرى الكرة الأرضية رأساً على عقب معتقداً بأنها صالحة،
مع هكذا نظام وهكذا رأس له كيف يمكن الوثوق به وبعهوده ووعوده ؟ وهو اليوم محاصر ميدانياً من خلال قطع آخر ممر عبور للإمدادات الإيرانية من العراق، ومحاصر عربياً من خلال وقف الانفتاح الخليجي والعربي عليه لعدم تنفيذ التزاماته منذ قمة جدّة، ومحاصر دولياً بالعقوبات وقانوني قيصر ومنع التطبيع، ومحاصر داخلياً حتى في بيئته الحاضنة التي بدأت تنتفض عليه ليواجهها بدورها بالترهيب والترغيب … ومع كل ذلك يتكلم بلغة ليست لغته : لغة الانتصار … انتصار وحيد يمكنه الاعتداد به حتى يوم المحاكمات : قهر شعبه وتدمير بلده .
هكذا تكون الزعامات الناجحة في مدرسة ستالين …
فهل اقترب موعد الحساب والسقوط ؟
من الواضح من خلال أبواق النظام أنهم في حال إرباك كبير وقلق على المصير، فالنظام يتيقن يوماً بعد يوم أن الحراك الشعبي لا بل الغضب الشعبي هذه المرة لا تنفع معه المعالجات والبطش التقليديين ودسّ إرهابيين وسلاح بين الثائرين لأخذ الحراك الى غير هدفه النبيل وغايته في تحقيق الكرامة والعدالة والخروج من حالة الانهيار الذي أوقعه فيه النظام.
ورغم أن التهم التقليدية بالعمالة والخيانة وسوى ذلك من المصطلحات الجاهزة لاستخدامها من قبل بشار الأسد وجماعته في وصف الشعب الثائر إلا أن هذه التهم هذه المرة ستبقى كلاماً في الهواء، فالحراك الشعبي لا ينتظر هذه المرة مَن يدعمه من الخارج لأن الناس في سوريا ضاقت ذرعاً من الأسد وسياسات الإفقار والتجويع التي ينتهجها ضد أبناء بلده، وبالتالي فإن التحرك العفوي للشارع في المناطق السورية بدءاً من السويداء مروراً بدرعا وليس وصولاً الى مناطق النظام وأهل الساحل السوري حيث البيئة التقليدية المؤيدة للنظام هو الذي جعل الناس يخرجون الى الشارع ويزيلوا حاجز الخوف والتوجّس من بطش النظام المعتاد.
بشار الأسد ونظامه باتوا خارج القدرة على إدارة سوريا وحتى المناطق التي ضُربت بالحديد والنار سابقاً عادت اليوم وانتفضت عليه في شمال شرقي الفرات وشرق سوريا كما جنوبها في السويداء ودرعا ومناطقها باتت مناطق خارج سيطرتهم.
واشنطن حسمت أمرها بإخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، فيما إيران لم تنطق بكلمة، وقد باعت طهران جماعتها العالقين في مناطق الأسد وسحبت حشدها من الحدود العراقية- السورية لتجنّب المواجهة مع الأميركيين.
إيران باعت ميليشياتها في سوريا وهي ليست مستعدة للتدخّل في عملية محاصرة بشار الأسد .
واللافت في كل ذلك صمت ما يُسمّى بالمعارضة أو الائتلاف المعارض، وقد أطلق عليها هذا الإسم منذ العام ٢٠١١،
تلك المعارضة التي أثبتت انحرافها عن أهداف الثورة السورية الأساسية ودخولها في دهاليز الإيديولوجيات الإسلاموية المتطرّفة وإعلان الإمارات الإسلامية من هنا وهناك، ما قضى على حراكها لأنها أعطت بذلك كل المبرّرات لبشار الأسد والإيرانيين والروس لضرب تلك المعارضة واقتناصها فرداً فرداً ومنطقةً منطقةً وجماعةً جماعةً. واللافت أيضاً سكوت الدول العربية عن الحراك الثوري المتجدّد في سوريا وعدم التلفّظ بأي دعم له، من هنا أهمية الحراك الحالي للشعب في سوريا الذي لا يُساق ولا يخضع ولا يُخترق من أي جهة إقليمية أو داخلية أو عقيدة أو تيار خارج التوجهات الوطنية، خلافاً للخطأ الذي وقعت فيه ثورة العام ٢٠١١، ومن هنا حال الهلع والقلق التي يعيشها النظام وبشار الأسد.
خطوات الثورة الشعبية العارمة بدأت لتغيير النظام وإسقاط بشار الأسد، فكل الأمل أن لا تقع هذه الثورة المتجدّدة في أفخاخ الثورة السابقة … فأمام بشار الأسد ونظامه أيام عصيبة أمام محكمة الشعب الثائر والمنتفض قد ترسم بدايات النهاية …

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: