ما إن مضت بضعة أيام على الإعلان عن الصفقة الأميركية- الإيرانية حول الرهائن الأميركيين الخمسة بقيمة ٦ مليارات دولار حتى صدر عن وزير الإستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب تصريح أفصح فيه عن وجود جواسيس أجانب آخرين من فرنسا والسويد وبريطانيا ودول أخرى، وجاء هذا التصريح في اجتماع لقيادات الحرس الثوري الإيراني.
خطيب أعلن أن القضاء الإيراني أصدر في حق هؤلاء الجواسيس أحكاماً بالإعدام تم تنفيذ بعضها.
كلام إيراني ينمّ عن النهج المتبع حالياً في سياسة إيران الخارجية والمتمثّل بأسلوب الخوّات والفدية لتأمين موارد مالية.
واذا كان لهذا النهج من داعم فهو في سياسات البيت الأبيض الديمقراطي الذي شجّع "تراخيه" في صفقات مشبوهة مع طهران على استقواء الأخيرة وفتح شهوتها على اعتماد أسلوب القرصنة في مقابل فدية مالية استذوقها الإيرانيون، بعدما رأوا كم أكسبتهم صفقة الستة مليارات دولار أموال نظام الملالي الذي هو بأمسّ الحاجة اليها لمواجهة النقمة الشعبية الداخلية بالدرجة الأولى.
واللافت في كلام خطيب أنه أشار الى بدء القضاء الإيراني بإعدام بعض هؤلاء الجواسيس لمحاولة الضغط على الدول المعنية بالرهائن وحثّها على المبادرة في دفع الفدية عنهم، تماماً كما دفعت واشنطن فديتها عن مواطنيها الخمسة.
يُضاف الى ذلك "بهلوانيات" النظام الإيراني من خلال ديبلوماسية الوقاحة التي يعتمدها وزير خارجيته أمير حسين عبد اللهيان، وآخرها أثناء المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان خلال زيارته الأولى الى الرياض، حيث لم يتوانَ عبد اللهيان في وصف الخليج "بالفارسي " وهو يتكلم أمام وزير خارجية المملكة العربية السعودية كان وقّع معه اتفاقاً لم يجف حبره بعد.
في اتفاق بكين، ومن خلال صيغة ديبلوماسية، كان التوافق السعودي الإيراني على احترام إيران سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، لكن طهران خرقت هذا الاتفاق الى الآن.
ويكفي أن نشير الى زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قآني الى سوريا ولبنان والعراق مؤخراً لندرك مدى كذب وبهلوانية نظام الملالي وعدم إئتمان جانب إيران في الاتفاقيات والعهود والوعود.
في بغداد، ناقش قآني ملف المفاوضات العراقية- الأميركية الأخيرة حول الوجود الأميركي، إضافة الى ملف الانتخابات وتماسك الإطار التنسيقي الحليف المباشر في العراق لإيران.
واللافت أيضاً في هذا السياق أن زيارة قآني الى العراق تزامنت مع زيارة عبد اللهيان الى المملكة العربية السعودية، ففي حين تكلم قآني عن خطط الحكومة العراقية كان عبد اللهيان في الرياض يتكلم عن الاتفاق مع السعوديين على عدم التدخّل في شؤون دول المنطقة في مشهد وقح من الكذب والدجل الإيراني في قول الكلام والعمل عكسه.
إيران التي تعهّدت بعدم التدخّل في شؤون دول المنطقة نجد قائد فيلق القدس خاصتها ومن لبنان أثناء زيارته، يشيد بحزب الله ويعتبر أن اتفاق الغاز بين لبنان والكيان الصهيوني (بحسب تعبيره متناسياً أن الاتفاق وقّع بموافقة حزب الله مع دولة إسرائيل وليس الكيان الصهيونى) لم يكن ليتم لولا مقاومة حزب الله في لبنان، وأن لدى المقاومة اليد العليا مقارنة بالكيان الصهيوني.
هكذا تصريح لا يُعدّ أيضاً في القاموس الإيراني تدخّلاً في شؤون لبنان لأن كلاً من العراق ولبنان في القاموس الإيراني مقاطعات إيرانية وليست دولاً قائمة كما جاء في اتفاق بكين مع الرياض.
الحرس الثوري الإيراني، عبر قائد البحرية، يؤكد من جهة أخرى أن بحريته تفرض السيطرة على مياه الخليج في حديث إن دلّ على شيء فعلى وقاحة سياسية ديبلوماسية متجدّدة أذى الجانب الإيراني لأن الخليج ليس بحاجة لحمايته، ولأن دول الخليج لم تطلب حمايته ولأن للخليج دول لا يحق لإيران التدخّل في شؤونها عبر التعدّي على مياهها الإقليمية تماماً كما تطاول طهران على حقوق المملكة العربية السعودية ودولة الكويت في حقل الدرّة، فاذا كان حزب الله في لبنان والحشد الشعبي والإطار في العراق جزءاً من محور المقاومة فإن مياه الخليج بالتأكيد ليست أبداً على الإطلاق جزءاً من هذا المحور، ومع ذلك تستمر غطرسة طهران والحرس الثوري في تصرفاتهما ومواقفهما وتصاريحهما .
والملاحظ أنه في الوقت الذي يتكلم فيه عبد اللهيان في الرياض عن تحقيق الأمن والتنمية للجميع يقابله جنرال من الحرس الثوري الإيراني يتكلم عن سيطرة إيران على مياه الخليج بكل وقاحة البلطجة غير آبه أقله بعدم تكذيب وزير خارجية بلاده تجاه دول الخليج والمنطقة.
هذه البلطجة الديبلوماسية والسياسية الإيرانية تواكب مراحل تنفيذ اتفاق بكين، الأمر الذي يدعو للتساؤل عما يمكن أن يصبح عليه هذا الاتفاق إن بقيت تلك الديبلوماسية على حالها ؟
حتى الآن، إيران تصرّح وتعلن وتتشاطر في الحديث عن الاتفاق ومفاعيله "الخيّرة" على المنطقة والخليج وعن حسن النوايا الإعلامية والعزم الكلامي على بناء علاقات جديدة مع دول المنطقة بدءاً من المملكة، لكن في الواقع وبين إلصاق صورة قاسم سليماني في قاعة المؤتمر الصحافي المشترك بين وزيري خارجية البلدين في طهران، و حديث عبد اللهيان في الرياض عن الخليج الفارسي، وما بين الحدثين من تدخّلات فاضحة وفادحة في شؤون دول المنطقة من لبنان الى العراق وليس انتهاءً باليمن الذي لا يزال في حالة هدنة هشّة لا تزال دون طموح الرياض بالذهاب نحو حلٍ سلمي سياسي بمعية إيران، لا نرى كيف يمكن الوثوق بإيران وبنظامها الحالي وهو الذي يطلق العنان لحرسه الثوري الحاكم الفعلي لنسف كل ما يوقع ويُبرم وتقطع عليه الوعود والعهود.
دبلوماسية البلطجة والكذب هذه هي سياسة إيران الحقيقية حتى إشعار آخر …
