كتب جورج حايك
يحلم الثنائي الشيعي بخلاف بين "القوات اللبنانية" والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وتعمل وسائل الإعلام التابعة له على الإيحاء بوجود هذا الخلاف، على خلفيّة الموقف الذي أطلقه الراعي في عظته الأحد الفائت، الذي دعا فيه نواب الأمة للإستجابة إلى الحوار، مما خلق جدلاً في الأوساط السياسية، وخصوصاً أن رئيس حزب "القوات" سمير جعجع الذي رفض في كلمة خلال إحياء ذكرى شهداء "المقاومة اللبنانية" فكرة الحوار التي اقترحها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
لكن في الحقيقة لا وجود لخلاف بين البطريرك وجعجع، إنما فقط إلا في مخيلة محور الممانعة، لأن أواصر التواصل بين معراب وبكركي مفتوحة على نحو دائم ويومي، وهناك تنسيق مباشر حول كل الأمور، وهذا لمصلحة المرجعيتين. وعندما لا يحصل اتصال بين جعجع والبطريرك، تُرسل "القوات" مندوبيها إلى الصرح البطريركي ليضعوا البطريرك بآخر اجواء مواقف المعارضة وتكتيكاتها واستراتيجيتها.
واللافت ان بكركي ومعراب تتفقان على كل الأمور؛ أي الرؤية للبنان والسيادة والاستقلال والسلاح الواحد والجيش الواحد والدستور والانتظام العام ودولة المؤسسات والحياد والمؤتمر الدولي ولبنان سويسرا الشرق، وبالتالي يحصل أحياناً بعض التمايز في التعبير عن بعض الأمور أو الأسلوب، وهذا لا يُفسد بالود قضية.
لم يكد يلفظ البطريرك الراعي كلمة "حوار" في عظته، حتى بدأ الثنائي الشيعي يصطاد في المياه العكرة، معتبراً أن "القوات" و"الكتائب" يتمردان على بكركي برفضهما الحوار، علماً أن فكرة الحوار كما يطرحها بري هي مخالفة للدستور، ولا يُمكن للبطريرك أن يقبلها، لأنه الأكثر حرصاً على الدستور الذي يقول نصه بوضوح: إن الانتخابات الرئاسية تحصل في المجلس النيابي في جلسة واحدة مفتوحة على دورات عدة حتى انتخاب رئيس، ولا يُذكر الحوار بتاتاً. وعملية الحوار قبل الانتخابات لا ترفضها "القوات" و"الكتائب" فحسب، إنما معظم قوى المعارضة.
وكان من الضروري التواصل بين البطريرك وجعجع لتوضيح موقف "القوات" الرافض، والراعي يعلم أن كلامه استُغلّ للمصالح السياسية، فهو بطبيعة الحال ليس رجل سياسة، وهو بالطبع لن يكون ضد الحوار، لذلك حرص جعجع على أن يوضح له الأفخاخ التي يحتويها هذا الطرح، وأهمها أن الدعوة غير دستورية وغير منطقية وهي أشبه بعرف جديد يحاولون تكريسه لن تقبل به "القوات"، فيما تقترح هذه الأخيرة بأنهم إذا كانوا حريصين على عقد جلسات انتخابية متتالية "فلنذهب مباشرة إليها من دون فولكلور ولنتحاور خلالها".
والجدير بالذكر أن الحوار الذي يوافق عليه البطريرك، حرص على توضيحه أمام بعض الزوار لاحقاً، مؤكداً أنه لم يقل إنّه مع الحوار أو ضدّه، وهو لا يأخذ مواقف مؤيدة أو رافضة لمسائل كهذه، فهو قال هذه شروط الحوار، إذا حصل، ولا يمكن أن تكون إلا شروط منسجمة مع الدستور، ولا شك في أن وسائل إعلام الممانعة التي يقف "حزب الله" وحركة "أمل" خلفها، أخذت "لا إلله" ولم تذكر "إلا الله"، وأرادت أن تفهم من عظة الراعي ما يُلائمها والايحاء بخلاف بينه وبين "القوات". والمفارقة أن جماعة الممانعة وفي طليعتهم "حزب الله" يختلفون مع البطريركية المارونية في كل رؤيته حول لبنان، وهذا ليس بسر، وعندما يلحظون أي تمايز بين المعارضة والبطريرك، يستغلونها بخبث!
أما محاولات الترهيب والترغيب التي يمارسها الثنائي الشيعي على المعارضة، فترفضها بكركي رفضاً تاماً أي على طريقة التلويح بالعقوبات، بالتئام الحوار بمَن حضر، والهدف من هذا التلويح محاولة الضغط السياسي والنفسي على المقاطعين بأنّ الحوار سينعقد معهم ومن دونهم، أي بمعزل عن موقفهم، وأن لا مجال لسحب هذه الدعوة. ومن المتوقع أن تتضمن عظة البطريرك الراعي الأحد المقبل ما يوضح موقفه ويقطع الطريق أمام التأويلات التي يحترفها محور الممانعة.
وهنا ياتي السؤال: هل دعوة بري إلى جلسات انتخابية متتالية تبقى قائمة إذا لم تحضر بعض الكتل النيابية جلسات الحوار؟ وبالتالي تقترح "القوات" الفصل بين الدعوتين، أي تُترك الحرية لمن يريد مقاطعة الحوار، ويستمر بري في عقد جلسات الانتخاب المتتالية للرئيس. حتماً، لن يقبل بري بهذا الاقتراح لأنه يريد أن تخضع المعارضة لمبدأ الحوار الذي يسبق كل الاستحقاقات الدستورية، وهذا ما يتنافى مع الدستور بشكل قاطع.