مَن يتابع الأخبار والتسريبات والمقالات على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، يرى بوضوح حال الغيلان التي تعيشها الطبقة السياسية في البيت الأبيض وفي تل أبيب في ما يختصّ موضوع التطبيع مع المملكة العربية السعودية، حتى وصل الى حد الهلوسات الدعائية لدرجة مسارعة تل أبيب على استغلال عطل طائرة هبطت إضطرارياً في الرياض، لتسارع لشكر المملكة ومدح حسن الضيافة في محاولة مكشوفة لم تعد خافيةً على أحد.
ضغوط وتخبّط بين واشنطن وتل أبيب
جديد هذا الملف هو حال التخبّط لا بل التجاذب القوي الحاصل داخل كل فريق معني بين واشنطن وتل أبيب : ففي واشنطن ضغوط في كل الاتجاهات بما فيها تلك المعادية للتطبيع والتي يزيد التوتر " النفطي " من أسهمها، خصوصاً لدى الديمقراطيين الغاضبين من ولي العهد محمد بن سلمان، ومن التنسيق والتعاون والاتفاق بين الرياض وموسكو حول تخفيض الإنتاج مقابل ارتفاع مهم لسعر برميل النفط.
تلك الضغوط الداخلية يتبادلها المعسكران الجمهوري والديمقراطي، إذ إن كل طرف يسعى بنهاية المطاف لتسجيل خرق كبير لصالحه وحجز مكانه الطليعي في ملف التطبيع الإسرائيلي السعودي.
من هنا، نشر موقع "أكسيوس" معلومات تؤكد وجود ضغوط متبادلة بين الجمهوريين والديمقراطيين شملت حتى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي تلذّذ الديمقراطيون في إذلاله القضائي الأخير وانهمار الاتهامات بالعشرات عليه توجّساً منه ومن إمكانية عودته الى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة العام 2024، وقد بلغت الضغوط والمحاولات حد حثّ ترامب على دعم جهود البيت الأبيض في عقد التطبيع بقيادة منافسه وخصمه اللدود جو بايدن من دون أي حياء أو وخز ضمير أو حتى خجل لدى فريق البيت الأبيض بأن يكونوا في طليعة تشويه سمعة ترامب بكل الوسائل المتاحة أو أن يطلبوا منه التعاون والدعم.
التطبيع يفتح الباب أمام التسلّح النووي
وبحسب موقع اكسيوس أيضاً، فإن الاتصالات والضغوط شملت حتى صهر الرئيس ترامب جاريد كوشنير
( عراب الصفقات الإبراهيمية مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب )الذي دخل على خط إقناع عمه بدعم التوجه الديمقراطي حيال التطبيع الإسرائيلي مع السعودية، وما بات معلوماً أن صفقة التطبيع اذا تمت، فإنها في الوقت عينه تحوي بنوداً لا تقل أهمية عن التطبيع بذاته وفي طليعتها عقد معاهدة دفاعية أميركية- سعودية، في حال موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عليها في ظل ضغوط اليسار المتطرّف في اللوبي الإسرائيلي في واشنطن لمنع توقيع مثل هذه المعاهدة، حيث نجد ديمقراطيين منتقدين سياسات كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي بدوره يواجه معارضة شرسة للتطبيع أبرزها من المعارضة اليسارية المتمثّلة بيائير لبيد رئيس الوزراء السابق الذي اعتبر في آخر تصريح له أن التطبيع إذا حصل فهو بمثابة فتح الباب أمام سباق تسلّح نووي في المنطقة، في إشارة منه الى البند المتضمّن اشتراط الرياض للتطبيع، وفضلاً عن معاهدة الدفاع لإنشاء محطة مدنية للطاقة النووية السلمية، متناسياً أنه بإمكان المملكة، إن لم تقبل واشنطن بالمساعدة على إنشاء مثل هذه المحطة، الإستعانة بالصين المستعدة لبنائها على الأرض السعودية.
تقييد مبادرة وتحدٍِّ
بالعودة الى واشنطن يجب أن لا يغيب عن بالنا أن الديمقراطيين سوف يكونون بأمسّ الحاجة لدعم الجمهوريين أو قسم منهم على الأقل في الكونغرس لتمرير أية صفقة تطبيع سعودية- إسرائيلية اذا لن يصل البيت الأبيض الى تحقيق هذا الإنجاز في عهد بايدن، ومن هنا فإن المرحلة الحالية ستشهد بلا أدنى شك حملة علاقات عامة ديمقراطية مع الجمهوريين المعارضين أصلاً لسياساته الخارجية، لكن وفق شروط ربما تقيّد المبادرة الديمقراطية أو تحدّ من صدى ووهج الإنجاز لحين وصول مرشح جمهوري الى البيت الأبيض لمتابعته بوتيرة أكبر وأعلى.
من هنا، فإن موقع اكسيوس توقع أن يندفع الرئيس جو بايدن نحو الجمهوريين انطلاقاً من وجود قاسم مشترك حول التطبيع بين الحزبين، لكن من دون أن نغفل أن في مقابل أية موافقة جمهورية لن يكون هناك "شيك على بياض" للبيت الأبيض الديمقراطي بل ستكون موافقة الجمهوريين في مقابل أثمان أخرى لاسيما في مجالات الإنفاق العسكري والمالي على أوكرانيا على سبيل المثال لا الحصر .
ويعتبر موقع اكسيوس أنه في حال معارضة دونالد ترامب لحصول التطبيع أيام الرئيس بايدن، فإن من شأن ذلك تشكيل ضربة قوية ومؤلمة للبيت الأبيض لفرص تقرّبه من الجمهوريين، وهنا بيت القصيد في الموضوع إذ إن كل تركيز البيت الأبيض حالياً هو ضمان عودة بايدن أو أي ديمقراطي إلى البيت الأبيض والمعركة من أجل ذلك متعددة الملفات والاهتمامات وفي طليعتها ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي، فتحقيق هذا الإنجاز التاريخي للرئيس بايدن اذا حصل سيضمن بلا شك انتصاراً ديمقراطياً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفشل تحقيق التطبيع في عهد بايدن سيشكل ضربة قاسمة لحظوظ عودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض العام 2024 .
من هنا، أهمية التسابق إذا صح التعبير على أي من الحزبين يحتفظ لنفسه بشرف حصول التطبيع في عهده وهل سيقبل الجمهوريون بإعطاء هذا الشرف للديمقراطيين من ودون مقابل أقله ؟
والأهم من كل ذلك ما حصل هو موقف الرياض من التطبيع في عهد بايدن الذي لم يكن سهلاً في تاريخ العلاقات الأميركية- السعودية، والذي لا تزال تعتريه نقاط توتر كبير آخرها عودة التشنج والغضب حيال أسعار النفط وسياسات الرياض في أوبك واتفاقها وتعاونها وتحالفها مع روسيا بوتين في موضوع الطاقة .
الأنظار نحو قمة العشرين في الهند
حالياً الأنظار مشدودة الى الهند حيث ستنعقد قريباً قمة العشرين، وحيث يُتوقع حصول لقاء قمة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن على هامش أعمال القمة، كما من المتوقع أن يتم التطرّق الى ملفات ساخنة بين البلدين ليس أقلها مسألتي الطاقة وأسعار النفط ومسألة تخفيض الإنتاج
والتطبيع السعودي الإسرائيلي.
الرئيس ترامب والتطبيع الإبراهيمي
من جهته، السيناتور ليندسي غراهام في حديث لموقع اكسيوس، أكد تواصله مع الرئيس السابق دونالد ترامب لإقناعه بدعم المبادرة الديمقراطية للتطبيع السعودي- الإسرائيلي، محاولاً تصوير الأمر لترامب بأنه امتداد طبيعي للتطبيع الإبراهيمي الذي حصل خلال ولايته السابقة، مشيراً الى ان أي تطبيع سعودي- أميركي سيترك بلا أدنى شك تأثيراً كبيراً على استقرار الشرق الأوسط وأمن الولايات المتحدة القومي، مشيداً بقيادة الرئيس ترامب في مجال إطلاق سلسلة اتفاقات التطبيع الإبراهيمي.
صندوق استثمارات صهر ترامب
وكان لافتاً إشارة موقع اكسيوس إلى صندوق الاستثمارات الخاص لجاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، على أنه يحظى بدعم من صندوق السيادة السعودي بحوالي 2 مليار دولار، فيما اعتبر بأنه أول استثمار سعودي في شركة إسرائيلية.
إذاً ضجيج وصخب حول صفقة التطبيع السعودي الأميركي، والوقت بدأ يضيق أمام الرئيس جو بايدن لأن المعوَّل عليه هو إتمام الصفقة قبل دخول أميركا في حملة الانتخابات الرئاسية في آذار من العام المقبل.